الناصرة -“القدس العربي”: استنادا لمواد وتحقيقات جديدة، تؤكد منظمات حقوقية إسرائيلية أن شرطة الاحتلال قد أعدمت المربي يعقوب أبو القيعان من النقب داخل أراضي 48 قبل ثلاث سنوات، بعدما أطلقت الرصاص عليه وهو داخل مركبته، ومنعها المسعفين من إسعافه، فنزف حتى الموت خلال عملية ترحيل سكان بلدته أم الحيران قبل ثلاث سنوات.
يشار الى أن السلطات الإسرائيلية قامت ليلا بمهاجمة قرية أم الحيران وطرد سكانها وتدمير مبانيها بعد صدور قرار قضائي بذلك، تمهيدا لتأسيس مستوطنة يهودية ترث أرض القرية واسمها. وقتها داهم العشرات من رجال الشرطة الإسرائيلية القرية، وأطلق شرطي رصاصا على أحد سكانها المربي يعقوب أبو القيعان وهو داخل مركبته بدعوى أنه ” إرهابي ” فتدحرجت سيارته بعد إصابته وفي منحدرها دهست شرطيا إسرائيليا حتى الموت، لكن الرواية التي روجت لها السلطات الإسرائيلية ووردت بداية على لسان وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، زعمت أن أبو القيعان قام بدهس الشرطي مما دفع بقية رجال الشرطة لإطلاق النار عليه، فيما أصيب رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة برصاصة مطاطية برأسه خلال محاولته مساندة أهالي القرية.
وفي الالتماس الذي قُدم للمحكمة الإسرائيلية العليا أمس، يطالب أقارب الشهيد يعقوب أبو القيعان واللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل ومركز عدالة، بإلغاء قرار إغلاق ملف التحقيق، واتخاذ إجراءات جنائية ضد المسؤولين عن الموت المأساوي لأبو القيعان والشرطي إيرز هليڤي خلال أحداث أم الحيران قبل ثلاث سنوات.
ويدعي الملتمسون أنه بعد المماطلات المتواصلة وصعوبات تسليم وحدة التحقيق مع الشرطة لمواد التحقيق لمعاينتها، فإن تحليلاتهم تكشف عن عيوب جوهرية في فحص مسؤولية أفراد الشرطة الإسرائيلية المتورطين بموت يعقوب أبو القيعان والشرطي أيرز هليڤي.
كما يدعي الملتمسون بأن قرار المدعي العام في حينه شاي نيتسان بإغلاق الملف، قد اتخذ من خلال تجاهل مواد التحقيق والأدلة العديدة التي تم جمعها وبدون محاولة حقيقية لفحص هل ثمّة مسؤولية جنائية في أفعال أفراد الشرطة.
ويشير الالتماس الى أنه خلافا لموقف النيابة العامة ووحدة التحقيق مع الشرطة داخل وزارة القضاء، هناك أدلة كافية لتحديد من هو الشرطي الذي قتل المرحوم يعقوب أبو القيعان، وأن تحقيقات وحدة التحقيق مع الشرطة تجاهلت التناقضات الكبيرة في مختلف إفادات الشرطي مطلق النار.
كما تظهر مواد تحقيقات وحدة التحقيق مع الشرطة بوضوح أنه بعد حادثة الاصطدام التي جرت في أعقاب اطلاق الرصاص، تُرك المرحوم يعقوب أبو القيعان وهو ينزف داخل سيارته بينما وقف أفراد شرطة، وبضمنهم مسعفون، بالقرب منه وامتنعوا عن تقديم العلاج الطبي له وإنقاذ حياته.
كذلك تبين مواد التحقيق بأن الشرطي مطلق النار على يعقوب أبو القيعان كان يعلم أنه يفعل ذلك بشكل مخالف لإجراءات وتعليمات اطلاق النار. كما تبين مواد التحقيق بشكل واضح أن المرحوم يعقوب أبو القيعان لم ينو دهس افراد الشرطة الإسرائيلية. وبخلاف مزاعمها ورغم أن المدعي العام في حينه شاي نيتسان قد حصل على جميع الأدلة، لكنه اختار عدم حسم القضية ذات الأهمية البالغة بالنسبة لعائلة أبو القيعان.
وصمة عار دموية
وفي هذا الصدد، تضيف اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل: “أم الحيران هي وصمة عار دموية في العلاقات بين المواطنين والشرطة في إسرائيل. فقد قتل مواطن وشرطي دون أية حاجة أو مبرر، وتم اغلاق الملف في وحدة التحقيق مع الشرطة دون اجراء تحقيق جنائي، بينما نشر قائدها العام ووزيرها على الملأ أن الحديث يدور عن ” عملية إرهابية ” رغم أن جميع الأدلة تشير إلى غير ذلك”.
كما تقول إنه ليس صدفة أن هذه القضية تواصل إثارة الرأي العام ووسائل الإعلام حتى اليوم منوهة إلى أنها تشكل نقطة مفصلية في العلاقات بين الشرطة الإسرائيلية وبين المواطنين العرب. وترى أنه من أجل البدء في اصلاح ” العلاقات المتعكرة ” يجب أولا العودة إلى أم الحيران، وتطبيق الحكم ضد أفراد الشرطة المتورطين وإنصاف عائلات المصابين.
ويرى مركز عدالة أنه بعدما أظهرت نتائج تشريح الجثة والأدلة التي تم جمعها بأن تدهور سيارة يعقوب أبو القيعان كان بسبب اصابته برصاص الشرطة، يظهر بشكل واضح أنه لم يتم تقديم مساعدات طبية له، وأنه ظل ينزف حتى موته دون أي مبرر. موضحا أن علاوة على محاولة تجريم أبو القيعان واتهامه بمحاولة دهس افراد الشرطة الإسرائيلية فإن مراجعة ملف التحقيق الذي تم اغلاقه تشير إلى أن سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية عملت يدا واحدة من أجل دفن القضية دون محاولة التوصل إلى الحقيقة وتحمّل مسؤولية أفراد الشرطة الذين اخفقوا على أقل تقدير في أداء مهمتهم.
ويتابع: “هذه الأحداث هي نتاج التعامل العنصري الذي بدأ في مرحلة تخطيط إخلاء القرية بطريقة عسكرية والتي تتعامل مع سكانها كأعداء وليس كمواطنين”. مؤكدا أن إخفاقات تحقيقات وحدة التحقيق مع الشرطة الإسرائيلية والفحص غير المعقول من قبل النيابة العامة الذي أدى إلى اغلاق الملف، يشهدان بأن التعامل العدائي الذي أدى إلى تلك النتائج القاسية يميّز جهاز انفاذ القانون الإسرائيلي وليس أفراد الشرطة الذين تواجدوا هناك فقط.
ويستذكر الالتماس أن المرحوم يعقوب أبو القيعان أصيب بالرصاص في ركبته وكتفه فقط، إصابة لا تؤدي غالبا إلى الموت وأن فحص المعهد الطبي الشرعي يشير لموته جراء فقدان الدم نتيجة النزيف طيلة نصف ساعة وأكثر منذ لحظة اطلاق النار عليه. منوها أن هذا ما جاء في تقرير معهد الطب الشرعي ويوضح أنه بالإمكان انقاذ حياته لو تم تقديم العلاج الطبي الأساسي له.
كما يشير الالتماس أنه عقب إخراج يعقوب أبو القيعان من سيارته من قبل أفراد الشرطة الإسرائيلية كان ملقى خارج سيارته لدقائق طويلة، وجسده ينزف، وبالقرب منه كان عدد منهم ومسعفون وكذلك طبيبة من الشرطة ولم يقدم أي من هؤلاء المساعدة ليعقوب الجريح ولم يفحص حالته الطبية. ويتابع الالتماس: “في تصرفهم هذا، فقد حكم أفراد الشرطة الإسرائيلية عليه بالموت بينما كان ما زال حياً”. ويخلص الالتماس للتوضيح بأن النتيجة المنبثقة عن مواد التحقيق هذه هي أنه خلال عشرات الدقائق بعد اطلاق الرصاص كان يعقوب ابو القيعان ما يزال على قيد الحياة، يتلوى وينزف خارج سيارته، قدمه ما زالت على عتبة حجرة السائق، بينما أفراد الشرطة الإسرائيلية كانوا يقفون على مسافة متر واحد وحتى عشرة أمتار منه.
أم الحيران
يشار الى أن محكمة إسرائيلية اعترفت عام 2015 في قرارها بأنّ إسرائيل لا تخفي نيّتها هدم القرية من أجل إقامة بلدة “ذات أغلبيّة يهودية” بحسب القرار، كما أكدت المحكمة أن أهالي قرية أم الحيران لم يدخلوا الأرض بشكلٍ غير قانوني، إنما نُقلوا إليها عام 1956 بأمرٍ رسميّ من الدولة، ذلك بعد أن تم تهجيرهم من قريتهم الأصلية في عام 1948.
ومع هذا، رأت المحكمة أن الدولة سمحت للأهالي باستخدام هذه الأرض، وعليه فإن القانون يمكّنها من أن تستردها وتتصرف بها كما تشاء.
من جانبه قال مركز عدالة معقبا على القرار إن “المحكمة العليا تتستر وراء القانون الجاف الذي يعطي الدولة “الحق” بأن تتصرف بالأرض، وتتجاهل كليًا الأبعاد الإنسانيّة، السياسيّة، الاجتماعيّة والتاريخيّة للقضيّة ولحياة الأهالي وتشرعن بهذا هدم قرية كاملة وتهجير أبنائها”.
وتابع “عدالة”: “أم الحيران هي حالة واضحة كعين الشمس لتهجيرٍ من منطلقات عنصريّة بحتة، حيث لا أحد يشكك بأن الهدف الوحيد لتهجير أهلها العرب هو إقامة بلدة لليهود على أنقاض قرية فلسطينيّة”.