معنى الغباء البشري؟

«تعريف الغبي بأنه شخص يؤذي الآخرين دون أن يحصل على مكسب، على عكس قاطع الطريق «شيبولا
لا أريد إزعاج الأغبياء بسؤال ما الغباء البشري؟ لأنه سؤال يؤذي ضحايا الغباء، فعند النظر إلى الشخصيات الغبية تبدو وكأنها تمثل على خشبة المسرح، لا من أجل تقديم الفرجة، ولكن لضرورة مؤلمة غير قابلة لتفسير عقلاني، فبأي معنى يمكن فهم هذا المعنى، وإلا ما هي أهمية تحديد معنى الغباء والأغبياء؟ ولماذا نسبة الاغبياء اكثر من نسبة العقلاء؟ وهل يؤثر ذلك على تقدم المجتمع؟
بما أن الإنسان كائن اجتماعي حسب أرسطو، فإن الغبي كائن وحيد يعيش في عالمه الخاص، باعتبار أنه مزعج للمجتمع «فالأغبياء يعملون ضد مصالحهم والمصلحة الجماعية معا»، ولذلك توجد نسبة كبيرة من الأغبياء لا تتغير مع تغير الزمان والمكان والمهنة والرتبة الوظيفية، ومهمتهم كبح سرعة التقدم وإبطاء عمل العقل، ومن المؤسف أن الأغبياء يحكمون العقلاء في البلدان المتخلفة، وإلا لماذا تخلفت؟ وقد يتساءل العقل فيجد نفسه يواجه التيار لوحده؟ لأن المجتمعات الغبية في حالة مأساوية ومع ذلك ترفض جدل العقل والواقع، لأنه إذا كان كل ما هو عقلاني واقعي، وكل ما هو واقعي عقلاني في المجتمعات المتقدمة، فإن الوضع في المجتمعات الأكثر غباء تراجيدي لا يصلح سوى للتهكم والسخرية.
ثمة حقيقة مستفزة تقول إن مجموعة الأغبياء أشد نفوذا من المافيا، فهناك يد السلطة القمعية توجهها نحو نسف كل مشروع فكري وثقافي وحضاري. ما يهم هو وقف ازدهار الإنسان وسعادته. هكذا يصبح اختيار أغلب الموظفين من الأغبياء وعمداء الكليات والجامعات والوزراء ونواب البرلمان ورؤساء الجهات والجماعات، لأن هدف السلطة الاستبدادية هو عمل المستحيل من أجل عدم الدخول في جدل التاريخ وجدل التنوير حتى تنتشر العدمية، كما ينتشر مرض الجذام.
ومهما يكن من أمر فإن التعامل مع الأغبياء في كل الأوقات والأماكن وفي ظل أي ظرف يقود نحو الانهيار فمشاركتهم في الغباء خطأ فادح لا يمكن تصحيحه، ذلك أن تصحيح الخطأ لا يكون سوى بالعقل «تلقيت طائفة من الآراء الخاطئة ظننتها صحيحة، ثم وضح لي أن ما نبنيه على مبادئ خاطئة لا يمكن تصحيحه إلا بالعقل « كما قال ديكارت. بهذا المعنى ينبغي أن نتحرر من الأخطاء ومن الأغبياء لأنهم مصدر الأخطاء، كما نرفض كل آرائنا القديمة مرة في حياتنا مثلما فعل ديكارت، وبعبارة أخرى لا بد من استعمال فلسفة ديكارت لمواجهة تيار الغباء، أو بالأحرى اختبار متعة العزلة، كما فعل الفيلسوف حين قال «وقد تخلصت من كل شاغل وظفرت براحة مضمونة في عزلة مطمئنة فإنني أجد نفسي حرا في تقويض جميع آرائي القديمة، وليس بواجب كي أدرك هذه الغاية أن أبين زيفها كلها فقد لا انتهي منه أبدا وإنما يكفي لرفضها كلها أن أجد لها سببا للشك فيها، إذ العقل يريني ذلك». فما هي الغاية من العقل إن لم يكن أداة لهدم الغباء وتصحيح الأخطاء؟
من الحكمة أن لا نطمئن أبدا كل الاطمئنان إلى من يخدعنا ولو مرة واحدة، فكيف نستطيع أن نطمئن للأغبياء الذين يخدعوننا باستمرار، حتى لا نصبح مثل ذلك العبد الذي يتلذذ في المنام بحرية موهومة، وإذا فطن إلى أن حريته ليست غير أضغاث أحلام خاف أن يصحو من نومه فطاب له أن يمالئ هذه الأوهام اللذيذة ليطول أمد انخداعه بها. العبودية أصلها الغباء ولذلك يتعين العودة إلى جدلية العبد والسيد من أجل هدمها.

كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية