معهد إسرائيلي: القدس الكبرى هي “نقطة أرخميدس” للسيطرة والمحافظة على الشروط الأمنية في فلسطين

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:
يرى معهد إسرائيلي للدراسات الاستراتيجية أن إبقاء القدس المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية مهمة قومية وجودية معتبرا أن حسم الصراع سيتم داخل هذه المدينة وغلافها المحيط داعيا لبناء متروبولين حولها.

ويستذكر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” الذي ترجم دراسة صادرة عن “معهد القدس للدراسات الاستراتيجية” الإسرائيلي، بأن هذا المعهد يقول ضمن تعريف عن ذاته منذ تأسيسه عام 2017 إنه “يتطلع إلى غاية إفادة إسرائيل من طريق تعزيز الخطاب السياسي والأمني المُحافظ فيها، عبر الأبحاث والمؤتمرات والتواصل مع أوساط حكومية وعسكرية وأكاديمية وإعلامية وجماهيرية”. وتشكل “القدس الكبرى الموحّدة” والسيادة الإسرائيلية عليها أحد الأعصاب المركزية في منطلقات هذا المعهد الفكرية وفي برامج عمله البحثية. ولذا فإنه فور بدء نشاطه أفرد المعهد لهذا الموضوع مجموعة من الدراسات والمداخلات نشرها على موقعه على الإنترنت، وهي كفيلة بأن تقدّم صورة شاملة عن الدوافع الحقيقية لإنشائه، وعن رسالته الفكرية وتوجهاته ومراميه السياسية.

نقطة أرخميدس
وتشير دراسة حول القدس مثلاً إلى أن “هناك آراء وأفكاراً إسرائيلية تدعو إلى تقسيم القدس وإدخال عناصر عربية إلى حيّز القدس الكبرى، وهي عناصر ستفتك بالسيادة الإسرائيلية”. وتؤكد هذه الدراسة أن هذه الأفكار والآراء لا تمسّ بمكانة القدس كعاصمة لإسرائيل فقط، إنما أيضاً تُعرّض مستقبل الدولة اليهودية كلها للخطر، معتبرة أن القدس الكبرى هي نقطة أرخميدس للسيطرة وللمحافظة على الشروط الأمنية الضرورية في فلسطين إلى الغرب من نهر الأردن.

بعد هذا ينتقل كاتبا الدراسة إلى تحليل مكانة “متروبولين القدس” بوصفه “العمق الاستراتيجي الحيوي للتجمع اليهودي في السهل الساحلي”، ثم لكون القدس “مفتاحاً للحدود الأمنية الآمنة في الشرق”، ثم أهمية السيطرة الإسرائيلية على “القدس الكبرى الموحدة” ودورها المركزي في سياق “محاربة الإرهاب الفلسطيني” وكمصدر رئيسي للمعلومات الاستخباراتية.

ثم يعدّد المؤلفان ما أسمياه “أفضليات سياسية للسيطرة الإسرائيلية على القدس الكبرى الموحدة”، ليخلصا في نهاية المطاف جازمين بأن “المصلحة الإسرائيلية تُحتّم السيطرة التامة على القدس الكبرى ومحيطها”. ويسوغان دعوتهما بالقول إن للقدس مكانة استراتيجية تجعل “الصراع عليها يحمل في طياته إسقاطات بعيدة المدى على أمن إسرائيل ومكانتها في المنطقة وفي العالم، على حدّ سواء”.

وتتابع الدراسة: “بناء على هذا فإن تطوير متروبولين القدس تحت السيطرة الإسرائيلية يشكل مهمة قومية وجودية، ذلك بأن حسم الصراع سيتم في داخل القدس نفسها وفي الغلاف المحيط ـ في صحراء يهودا ( صحراء الخليل) من الشرق، في غوش عتصيون من الجنوب وفي منطقة بنيامين من الشمال”.

خطة ألون
ويستذكر مركز “مدار” أنه عند هذا الحدّ يعيد الكاتبان إلى الأذهان أن “أهمية القدس الكبرى لضمان السيطرة على تلك المنطقة قد وقفت في صلب خطة يغئال ألون التي بقي رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحاق رابين ملتزماً بها حتى اليوم الأخير من حياته”. كما يعيدان إلى الأذهان ما قاله رئيس حكومة الاحتلال الأول ديفيد بن غوريون في عام 1968 أنه “من دون استيطان يهودي كثيف ومتزايد في ضواحي القدس، في الشرق والشمال والجنوب، لن يحل السلام على مدينة داود (القدس).

وينبه “مدار” إلى أن المجموعة التأسيسية لهذا المعهد تضم مجموعة من الباحثين المؤسسين والمسؤولين البارزين في “مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية”، في مقدمتهم البروفسور إفرايم عنبار، رئيس المعهد الجديد، الذي شغل في السابق منصب المدير العام المؤسس لـ”مركز بيغن ـ السادات” لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً (كان خلالها أيضاً محاضراً في كلية العلوم السياسية في جامعة بار إيلان)، ودافيد فاينبرغ، نائب رئيس المعهد الجديد، الذي شغل في السابق منصب “مدير العلاقات العامة” في “مركز بيغن ـ السادات” (وعمل أيضا ناطقا رسميا بلسان جامعة بار إيلان، وناطقا رسميا بلسان “مؤتمر هيرتسيليا للأمن القومي”، ومستشاراً لنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، نتان شيرانسكي، ومؤسس “المنتدى العالمي ضد معاداة السامية” في ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

مسؤولون سابقون
من جهة ثانية تنبه “مدار” أن بين طاقم الباحثين المركزيين في المعهد الجديد، ثلاثة مسؤولين سابقين في “مجلس الأمن القومي” الإسرائيلي، هم: اللواء (احتياط) يعقوب عميدرور، الذي ترأس “مجلس الأمن القومي” (بين الأعوام 2011 و 2013)، كما عمل مستشارا للأمن القومي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو معروف بمواقفه اليمينية المحافظة وأبرزها معارضته العلنية لاتفاقيات أوسلو (1993) إبان شغله منصب “رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية” في جيش الاحتلال، ثم معارضته خطة الانفصال عن قطاع غزة (2005)، حتى عمله في وظيفة “المحلل العسكري” في صحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية المقربة جدا من نتنياهو. كذلك العقيد في الاحتياط د. عيران ليرمان، نائب رئيس المعهد الجديد، الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس “مجلس الأمن القومي” للسياسات والشؤون الدولية. ود. دافيد كورن، المحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة بار إيلان و”مستشار رئيس بلدية القدس لشؤون العرب والقدس الشرقية”، والذي كان يشغل سابقا منصب “رئيس شعبة الشرق الأوسط” في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
من جهتها، اعتبرت صحيفة “مكور ريشون” اليمينية الدينية أن “معهد القدس للدراسات الاستراتيجية” يأتي ليكون “الرد اليميني المحافظ على معهد دراسات الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب. وأشارت إلى حقيقة أن “رؤساء المعهد الجديد لا يخفون سعيهم لطرح توجهات مختلفة عن تلك التي يطرحها معهد دراسات الأمن القومي” الذي يعمل كمعهد خارجي مستقل، لكنه تابع لجامعة تل أبيب ويحتل مقرّه إحدى بناياتها، وهو يعمل بالتعاون مع ديوان رئاسة الحكومة ويعتبر ملهما لها في سياساتها المختلفة.

المعركة الفكرية على الخطاب الأمني
وفي حديث مع رئيس المعهد الجديد، البروفيسور إفرايم عنبار، قال لـ”ميكور ريشون” إن “اختيار المعهد أن يكون مقره في مدينة القدس وأن يخصص حفل افتتاحه الرسمي لموضوع وحدة القدس ليس صدفة وليس عبثيا”. موضحاً أن “الصراع على مستقبل القدس يدور بأقصى حدته في الفترة الأخيرة منذ أثبتت أحداث صيف 2017 في “جبل الهيكل” (الحرم القدسي الشريف)”.

ويضيف عنبار أن المعهد الجديد برئاسته “سيبذل كل طاقته لطرح المسوغات الضرورية ـ نحو الداخل والخارج على حد سواء ـ لفهم مدى أهمية السيادة الإسرائيلية وسيطرتها المحكمة على القدس الموحدة، ثم تقصّي السبل التي من شأنها ضمان، تعزيز وتحصين المكانة الإسرائيلية في القدس الموحدة، كمصلحة قومية عليا وحيوية.

وفي مقال مطوّل نشره في صحيفة “جيروزاليم بوست”، الإسرائيلية اليمينية الناطقة بالإنكليزية للتعريف بالمعهد الجديد والترويج له، اعتبر نائب رئيس المعهد، ديفيد فاينبرغ، أن تأسيس هذا المعهد الجديد يندرج في إطار “المعركة الفكرية على الخطاب الأمني”، وفي صلبها “تعزيز الخطاب الاستراتيجي الإسرائيلي بمفاهيم دفاعية، مثل الحرب الاستباقية والحدود الآمنة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية