الناصرة- “القدس العربي”: يحّذر تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، من اتسّاع الفجوة بين الجيش وبين المجتمع في إسرائيل، داعيا للتدخل السريع لحل الأزمة. ويقول الباحث الجنرال في الاحتياط كوبي ميخائيل، في تقريره، إنه خلال الحادثة الأخيرة في الخليل، اعتدى جندي بالضرب على ناشط يهودي يساري، وفي حادثة أُخرى، تحدّث الجندي بشكل غير لائق بقوله إن”بن غفير سينظّم الأمور”. ويتابع: “صحيح أن الحادثة الأولى أصعب من الثانية، لكنّ كليهما نتاج صعوبة إدارة واحتواء الاحتكاكات في “مناطق نزاع” كالخليل، وبالقرب من حواجز الجيش. وبرأي ميخائيل على الجنود أن يتمالكوا أعصابهم ويتصرّفوا بـ”أخلاقية”، كما أشار رئيس هيئة الأركان، أفيف كوخافي، في مواجهة ما يعتبرونه استفزازاً وتحدياً. في المقابل إن هؤلاء الجنود يتوجّب عليهم العمل في مهمات يومية من دون إشراف ضباط راشدين وأصحاب خبرة، وعليهم أن يتعاملوا يومياً مع عمليات ضبابية، على عكس رفاقهم المقاتلين في الوحدات الخاصة، وفي أجهزة الاستخبارات والتكنولوجيا، أو الطيّارين.
منوها أن هؤلاء الجنود يحتكون يومياً، وبصورة متصاعدة بالمجتمع الفلسطيني، يضاف إلى ذلك الاحتكاك بالمتظاهرين من المعسكر اليساري في الحلبة الإسرائيلية الداخلية. ويقول إن جزءاً من هؤلاء المتظاهرين عدواني واستعراضي، ويجب التشديد: ليسوا جميعاً كذلك، هم يريدون تغيير الوعي تجاه الجنود من خلال التحريض وتسليط الضوء الإعلامي والاجتماعي على نشاط الجيش في المناطق الفلسطينية.
وبرأيه أيضاً يشعر جنود الاحتلال في كثير من الأحيان أن سياسة “ضبط النفس” التي فُرضت عليهم، غير ممكنة، بالإضافة إلى العقاب المبالغ فيه باعتقادهم، والذي يعكس عدم وجود الدعم من الضباط المسؤولين عنهم. ويضيف: “يشاركهم في هذا الشعور جمهور واسع من الإسرائيليين هذه الفجوات، الموجودة في الجيوش عادة، حيث يطالب الجنود في الميدان بـ”حرية عمل” أكثر، نسبة إلى “ضبط النفس” المفروض عليهم من المستوى القيادي، وهو ما يدفع إلى مناقشة العلاقة بين المستوى الميداني والمستوى القيادي المسؤول، خصوصاً العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري بصورة عامة”.
منبهاً أنه في أعقاب ارتفاع وتيرة الاحتكاك بين الجنود والفلسطينيين من سكان الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة ازدادت أيضاً نسبة الحوادث، كما جرى في الخليل، لكن معظمها حُجب عن الجمهور ويمكن الافتراض أيضاً أن جزءاً كبيراً منها لم يصل إلى المستوى القيادي.
ويمضي ميخائيل في مزاعمه: “إلّا أنه، وفي نظر الجنود، وكذلك عائلاتهم والفئات الاجتماعية التي ينحدرون منها، فالرسالة وصلت. يبدو أن البوصلة “الأخلاقية” و”السلوكية” للجنود في الميدان مختلفة عن تلك الموجودة لدى القيادة المسؤولة. الفجوة تتوسّع، وكلّما تحوّل حدث كهذا إلى حدث إعلامي، يدفع بالقيادة إلى الرد علناً وفي الإعلام، وتتخذ خطوات عقابية ضد سلوك الجنود. وبالنتيجة، يرتفع منسوب الإحباط لدى الجنود وتتعزّز مشاعرهم بالتخلي عنهم وعدم الدعم”.
ويدعو الباحث الإسرائيلي لفهم هذه الفجوة في السياق الديموغرافي للجيش أيضاً، وينقل عن المتخصصة بالعلوم الاجتماعية ياعيل ليفي، في أبحاث كثيرة على مدار سنوات، إشارتها إلى تشكّل “جيش المناطق المهمّشة”، أو “جيش الياقات الزرقاء” من الوحدات النظامية وجزء من كتائب سلاح البر، خصوصاً من وحدة “كفير”، لكن ليس منها فقط. ويرى كوبي ميخائيل أن الأغلبية المطلقة من الجنود التي تخدم في وحدات الاحتكاك هذه في الضفة الغربية تأتي من المناطق المهمشة اجتماعياً وجغرافياً في إسرائيل: خدمتهم العسكرية خطرة أكثر، والعائد منها أقل بكثير في مقابل من يخدم في الاستخبارات، وأنظمة التكنولوجيا أو وحدات النخبة في الجيش. هذا بالإضافة إلى أن الخدمة العسكرية في الجيش لا تجهّزهم للاندماج في سوق العمل المدني بعد خدمة طويلة، وأحياناً يبقون في مناطق التطوير مع احتمالات تطوّر منخفضة جداً. وبرأيه يدور الحديث عن قنبلة موقوتة اجتماعياً منوهاً إلى أن الفجوة بين المستوى المقاتل في الميدان وبين المستوى القيادي، التي تتغلغل أيضاً في القيادة بدرجة أقل، تتوسّع نحو الحيّز العام الجماهيري، وهذا ما يؤكده الدعم الواسع للجنود من الجمهور، كالهجوم على قائد كتيبة “تسابار” الذي حكم بمعاقبة الجندي في حادثة الخليل المذكورة.
يعتقد ميخائيل أنه لا يمكن إغلاق هذه الفجوة من خلال رسائل “تعليمية” كما جرى في ورقة التوجيهات الصادرة عن رئيس هيئة الأركان، وطبعاً ليس من خلال العقاب، الذي يعتبره الجنود والمجتمع وبعض السياسيين، وبحق، أمراً مبالغاً فيه. ويتابع: “لإغلاق هذه الفجوة وتقليصها يجب العمل بطريقة مختلفة كلياً. ليس المستوى العسكري من يقرّر السياسة العامة والوجود العسكري في الضفة الغربية، ولذلك على الجيش أن يدرس كيفية التعامل مع الواقع، الذي تقرّره القيادة السياسية المنتخبة. ويجب أخذ مشاعر الجنود وحاجتهم إلى الدعم الاجتماعي والسياسي بعين الاعتبار، ويجب، بصورة خاصة إعادة دراسة مميزات القيادة العسكرية الميدانية في مستويات متعددة وتقوية القيادة التكتيكية، التي عليها أن تتعامل مع واقع شديد التعقيد في مناطق الاحتكاك”.
في مستوى التوصيات يقترح ميخائيل أولاً العمل على تقوية قوات “حرس الحدود” التي تتمتع بالخبرة في مختلف الساحات، والتشديد على وجود ضباط لديهم الخبرة يرافقون الجنود في مهماتهم، وإعادة تقييم حركة الجهات المدنية على الحواجز وأبراج الجيش، وتمكين الجنود وتعزيز ميزات الخدمة وتطوير آليات تعويض مهمة توضح الأهمية التي يوليها الجيش والدولة لهذا النوع من الخدمة. هذا بالإضافة إلى أهمية التنوع الديموغرافي للجنود، وضمان وجود توازن أكثر في الوحدات يعكس التنوّع في الوحدات الموجودة بالميدان. برأيه أيضاً، على المستوى القيادي الأعلى أن يكون موجوداً أكثر في الميدان ومناطق الاحتكاك لمعرفة كيفية التعامل مع الحدث، وكي يشعر عن قرب بمعاناة الجنود، ويعرف أزماتهم وطرق علاجها. ويرى كذلك أنه على هذا الوجود أن يكون داعماً للجنود، بحيث تكون المطالبة بسلوك “أكثر أخلاقية ومؤسساتية” منسجمة مع ظروفهم ومشكلاتهم اليومية، وليس كرد على أحداث برزت في الإعلام فقط.
ويقول الباحث الإسرائيلي، الذي يتجاهل معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال المنافي للأخلاق وللقانون الدولي، إن طبيعة العمل المكثّف للجيش في منطقة الضفة، خصوصاً في المناطق الملأى بوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لا تكشف فقط الاحتكاك العنيف والمتصاعد بين الجيش والمجتمع الفلسطيني المدني، بل أيضاً الصعوبة النظرية والبنيوية للجيش المقاتل و”الفتاك” بحسب وجهة نظر كوخافي، وبين واقع العمل الشرطي. هذا بالإضافة إلى أن هذا الواقع يكشف ضعف بنية الجيش، ومسار استنفاد نموذج التجنيد، وحقيقة أن الجيش لم يعُد “بوتقة الصهر” للمجتمع الإسرائيلي كما كان، إنما نظام يؤبّد ويكرّس الطبقية الاجتماعية التي تحولت إلى طبقية سياسية تعزز الاستقطاب.
وبرأيه أيضا هذا كله يضاف إلى احتمالات التوتّر بين المستويين السياسي والعسكري في الظروف الحالية، وهناك شك في أن يعكس سلّم القيم الذي عرضه كوخافي (في سياق أحداث الخليل، خصوصاً سياسة “ضبط النفس” مقابل استخدام القوة) “سلّم القيم” نفسه الموجود لدى المستوى السياسي. ويقول إن تحليل ما جرى من جانب المستوى السياسي سيكون مختلفاً بشكل جوهري عن تحليل المستوى العسكري وبالنتيجة، سيُطالب المستوى السياسي بزيادة الدعم للجنود أو تغيير الأوامر المتبعة، بشكل لا يتوافق مع سلّم القيم المهني للقيادة العسكرية العليا (كطلب تغيير قواعد إطلاق النار مثلاً). والحديث هنا يدور عن وصفة للاحتكاك الذي لا يتوقف، والذي سيصل سريعاً إلى الإعلام ويؤثر في مستوى ثقة الجمهور بالجيش”.
وفي هذا السياق، يشدد ميخائيل على التراجع الواضح لثقة الجمهور بالجيش ويضيف، معللاً رؤيته: “صحيح أن الجيش لا يزال يحافظ على مكانته العالية في المجتمع بالمقارنة مع مؤسسات أُخرى، تحديداً بالنسبة إلى ثقة الجمهور بالكنيست والأحزاب، لكن لا شك في أنها تتراجع. لدى الجمهور ثقة عالية بقدرات الجيش وجاهزيته، أمّا في كل ما يتعلق بإدارته كجيش ومنظومة وبتعامله مع الجنود، فإن ثقة الجمهور باتت منخفضة جداً.
ويخلص الباحث الإسرائيلي للقول: “لا يدور الحديث عن نهاية أزمة، فنحن في خضم الأزمة. ومن المهم أن تفهم الحكومة المقبلة ورئيس هيئة الأركان المقبل أحداث الخليل الأخيرة كتحذير، يستدعي البحث من جديد، وسيكون من الجيد البدء به في أقرب وقت ممكن”.
جنود صهاينة جبناء بكل معنى الكلمة !!؟