من بين سحب الدخان التي وصلت إلى سماء منهاتن يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، خرجت امرأة لم تفق بعد من ذهولها حين استوقفها أحد المراسلين، فاستهلت حديثها بتساؤل: «لماذا يكرهوننا»؟
ربما كان السؤال الأنسب في هذا المقام: «ماذا حدث» لكن تساؤلها عن سبب الكراهية يعكس الشعور الأمريكي المتجذر، بأن العالم يكره الولايات المتحدة الأمريكية، ليتسرب هذا التعبير وقتها إلى مضامين الخطاب الإعلامي للساسة والنخب: لماذا يكرهوننا؟
أحد ضباط البحرية الأمريكية علق على موضوع الاجتياح الإسرائيلي لأراضي السلطة الفلسطينية عام 2002 قائلا: «حين أشاهد على شاشة التلفزيون طائراتنا ودباباتنا تستخدم لمهاجمة الفلسطينيين أستطيع أن أفهم لماذا يكره العالم الأمريكيين». العالم في ظل الهيمنة الأمريكية لم يكن يومًا بخير، وكثرة الماضين تحت العباءة الأمريكية لا يعبر عن الضد من هذه الحقيقة، فهم مسيرون بما فرضته أمريكا من تقديم قانون القوة على قوة القانون. ورغم سجل أمريكا الحافل بممارسات تستدعي الكراهية، إلا أن العالم بصفة عامة، وعالمنا العربي بصفة خاصة، لا يزال آملًا في التغيير ومتفائلا بالسلام، من خلال الانتظار في مدرجات المتفرجين لما تسفر عنه نتائج الصراع الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الولايات المتحدة.
أتفهم أن هناك دوافع طبيعية لمراقبة الصراع بين الأقوياء، لكن فرق أن يتابع المسلمون الصراع الدائر بين الفرس والروم لاستشراف المستقبل، والفرح بمبشرات انتصار الروم المسيحيين، الذين هم أقرب للمسلمين من الفرس المجوس، والاستبشار بأن أهل الإسلام سوف يُمكنون باعتبارهم أهل إيمان قياسا على ذلك. فرق بين ذلك، ومراقبتنا للتنافس الدائر داخل الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، لننظر أين نتخندق، وكيف نضع سياساتنا، وماذا نغير منها، ونندب الحظ العاثر الذي جعل هذا يفوز على ذاك، ونتساءل في خيبة أمل وعجز وخور: ماذا سيكون مصير قضايانا؟ ومنذ فترة بعيدة إلى وقتنا هذا الذي يتجهز فيه بايدن للجلوس على المكتب البيضاوي خلفًا لترامب، راقبت الدول والشعوب العربية والإسلامية نتائج الانتخابات باهتمام يفوق اهتمام الشعب الأمريكي نفسه، وهم في ظل ذلك بين مبتهل ومبتهج بفوز أحد المرشحين، أو مبتئس مذعور لهزيمة الآخر. لكن السؤال الذي نتغافل عنه دائمًا: على مسار تعاقب الجمهوريين والديمقراطيين على حكم الولايات المتحدة، ما الذي تغير؟ هل حُلت قضايانا؟ هل انتهت أزماتنا؟ بل حالنا لم يزد على قول الشاعر حين طعن جسّاسٌ كليبَ بن ربيعة، فاستغاث كليب بصاحب جساس وهو عمرو بن المزدلف أن يسقيه شربة ماء، فأجهز الأخير عليه، فقيل:
المستجير بعمرو عند كربته… كالمستجير من الرمضاء بالنارِ
لقد علمتنا التجارب أن الاستراتيجية بعيدة المدى للولايات المتحدة ثابتة لا تتغير، وأن ما يطرأ من تغيرات إنما هو تكتيكات تختلف باختلاف توجهات الإدارة وفق قاعدة المصلحة. الولايات المتحدة لها ثوابت تاريخية خمسة لا تنفك عنها كما يرى المؤرخ والمفكر الفلسطيني السوري منير العكش:
الأول: المعنى الإسرائيلي لأمريكا، والثاني: عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي، والثالث: الدور الخلاصي للعالم، والرابع: قدَرية التوسع اللانهائي، والخامس: حق التضحية بالآخر. فالولايات المتحدة تبني سياساتها في الشرق الأوسط على الأمن القومي الإسرائيلي، والحفاظ على تفوق حكومة الاحتلال في المنطقة، سواء أدارها جمهوري أو ديمقراطي، لأن أمريكا يهيمن عليها الإنجيليون، الذين يؤمنون بحرفية العهد القديم (التوراة) إضافة إلى العهد الجديد، وهم مدفوعون بفكرة أن قيام إسرائيل وبناء الهيكل السليماني إيذان بعودة المسيح المخلص، الذي يقودهم إلى إنشاء مملكة الله في الأرض التي تستمر ألف سنة من السعادة، واشتعال معركة هرمجدو التي ينتصرون فيها على أمة الشر.
ستبقى الولايات المتحدة الغول الإمبريالي في ثوبه العصري، بفعل شعورها بالتفوق، وأحقيتها بسيادة العالم
جاري بوير أحد أبرز القيادات السياسية للإنجيليين في أمريكا على مدى عقود، كان يرسل مئة ألف رسالة إلكترونية يوميا للتابعين المخلصين، يناصر فيها الاتجاه الإسرائيلي المتشدد الذي تبناه شارون، ويؤكد أن الالتزام بمساندة إسرائيل هو إحدى الوصايا العشر الواردة في الكتاب المقدس. لذلك لا أرى أن يتفاءل البعض تجاه بايدن في تغيير مسار القضية الفلسطينية، فحتى إن أحيا حل الدولتين الذي أماته ترامب، لن يتجاوز الأمر مجرد التهدئة على وقع الوعود، ثم الدخول في سلسلة طويلة الأمد من المباحثات والمفاوضات، تصب في صالح سياسة كسب الوقت الإسرائيلية، ثم نفاجأ برئيس جديد للولايات المتحدة يعيدنا إلى المربع الأول. هناك من يمعنون في الإغراق بالتفاؤل، ويمنون أنفسهم بمساحات من الحرية وتخفيف وطأة القمع في الدول العربية، التي يحكمها حلفاء ترامب الذي غض بصره عن ملفاتهم الحقوقية السوداء، اعتمادا على توجهات بايدن وتصريحاته بأنه لا شيكات على بياض لأحد. على هؤلاء ألا يفرطوا في الآمال، فالمرشح الديمقراطي بايدن كان يتخذ من نقاط ضعف ترامب نقاط قوة لنفسه، وبنى صلب برنامجه على إصلاح ما أفسده ترامب، والمتوقع أن يشهد بداية حكمه بعض الضغط على الحكومات القمعية في منطقتنا، قد يحدث انفراجة جزئية، إلا أن ذلك لن يستمر طويلا، إذ سرعان ما تفرض لغة المصالح نفسها، وتجد شعوب المنطقة نفسها صرعى المصالح الصهيونية التي ترعاها أمريكا وتقايض بها حكام العرب. العلاقة بين الخليج وإيران تعد أهم الملفات الشائكة المتعلقة بنتائج الانتخابات الأمريكية، ويلعب الساسة الأمريكان على المخاوف الخليجية من النفوذ الإيراني، ويستنزفون تلك الدول على إثر تلك المخاوف، لكن السياسة العامة لا تتغير، فالعلاقات بين أمريكا ـ ومعها حكومة الاحتلال ـ وإيران لها اتجاهان: اتجاه عدائي تسخيني يقف قبل حد النزاع العسكري، واتجاه توافقي تنسيقي يتبادل فيه الطرفان الأدوار على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق. أمريكا لا تريد لإيران الصعود إلى الحد الذي يهدد الاحتلال الصهيوني، ولا تريد لها السقوط حتى لا تفقد مُهدِّدا قويًا للوجود السني في المنطقة، وإنما يأتي اختلاف توجهات الإدارات الأمريكية في إطار لعبة التوازنات، واستنزاف الأموال الخليجية، فيأتي أوباما ليعقد اتفاقية النووي مع إيران، فيثير الهلع الخليجي ويرفع جهوزية حكامه للبحث عن طوق نجاة مهما كان الثمن، ثم يأتي بعدها ترامب ليمد مظلة الحماية في أولى محطاته في الرياض، ويعود أدراجه بأكثر من 400 مليار دولار، والمتوقع أن يستمر حلب الناقة في عهد بايدن، ولكن بصورة مستترة وليس بشكل فاضح على غرار ما كان في حقبة ترامب.
أمريكا تحت راية بايدن لن تختلف كثيرا عنها تحت راية ترامب، سوف تستمر في مسار الإبادة الثقافية، لتكون هي الثقافة السائدة تحت مبادئ العولمة، وتظل هي شرطي العالم والسلطة العالمية التي تفرض قوانينها.
نحن العرب مشبعون بفكرة أن العالم بدون الولايات المتحدة سيكون عالما فوضويا، وهي الفكرة التي حاول دعمها والتأكيد عليها، بيرجينسكي المفكر الاستراتيجي ومستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأسبق جيمي كارتر في كتابه «أمريكا وأزمة السلطة العالمية».
ستبقى الولايات المتحدة هي الغول الإمبريالي في ثوبه العصري، بفعل شعورها بالتفوق، وأحقيتها بسيادة العالم، وإحيائها لأسطورة لعنة كنعان التي تبث فيها الحقد على كل الحضارات. ستظل هي أمريكا التي تعمل على فرض نموذج من الإسلام الانسحابي القائم على الدروشة والعزلة عن معتركات الحياة بميادينها المتعددة، فلا مجال لتفاؤل الإسلاميين في علاقة أفضل بين أمريكا والعالم الإسلامي بناء على تصريحات بايدن اللطيفة الموجهة للعالم الإسلامي، والتي يُشم فيها رائحة الورقة التي يلعب بها بايدن: أنا لست مثل ترامب. الولايات المتحدة لن تدع سياساتها التي تستدعي الكراهية، ولن تغير أمريكا في ولاية بايدن وجه العالم إلى الأفضل، بل علينا أن نستعد لنوعيات جديدة من الصفعات ما دمنا نتموقع دائما في ركن المفعول، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
مشكلة الأمريكان هي بسيطرة اللوبي الصهيوني على الإقتصاد, وبالتالي القرار السياسي!
أما الإنجيليين فهم الذين يدعمون الحزب الجمهوري الذي خسر الإنتخابات!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لماذا يعتمد العرب والمسلمون على الآخرين لأخذ حقوقهم؟ ما الذي ينقصهم؟
لماذا لا يعتمدون على أنفسهم من بعد الله؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
شكرا الاخت إحسان على ترسيخ الراسخ لا تغير في فعلهم مايتغير هو العنوان أو هذا مكان هذا و لكن الفعل هو هو و لكن كنا نترقب و نتطلع للفرز لنرى أمرين واحد هذه الديمقراطية التي نحلم بها في بلداننا الرئيس يشكي من التزوير و الثانية ألم يعلمنا ربنا في كتابه و نقرأها سورة الروم و سورة مسماة بإسمها وعلاقتنا بالمؤمنين بالنصر فيها و لا تغرنكم ظاهر الحياة الدنيا ووعد الله بالنصر …وشكرا من الجزائر
شكرا جزاك الله خيرا لهذه التنبيهات أستاذة إحسان،و هذه مأساتنا نحن العرب والعجم كلنا بدلا عن بذل الجهود للصعود نفرح بالفوز والخسارة للآخرين،
احسنتى البيان والتبيان .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
في سيرك الانتخابات الأمريكية يمكننا قول أنه لا توجد ديمقراطية حقيقية في الولايات المتحدة الأمريكية. فحينما نتحدث عن انتخابات ديمقراطية فإننا نفهم أن الناخب يمكنه الاختيار بين التيارات السياسية المختلفة التي تعارف عليها الناس في الغرب وهي في أبسط صورها ثلاثة توجهات (يمين / وسط / يسار)، ولما كانت هذه التوجهات غير كافية لكثير من الناخبين، فقد نشأ تياران آخران أحدهما يمكن وضعه على يمين اليمين، أو ما يسمى باليمين المتطرف، وآخر يمكن وضعه على يسار اليسار وهو ما يسمى باليسار المتطرف. معظم دول أوروبا الغربية توجد بها أحزاب تمثل هذه الاتجاهات الخمس. ويكون للناخب هنا اختيار حقيقي.
في الحالة اﻷمريكية نجد حزبان لا أكثر يمكن تصنيفهما على أنهما : يمين ويمين متطرف. إذا فالناخب الأمريكي ليس له الخيار المتاح للناخب الألماني أو النمساوي أو الدانماركي أو الفرنسي.
يتبع
أضف على ذلك ما ذكرته إحسان هنا أن السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير الرئيس، بكل بساطة لأن الخطوط العريضة والخطوط الرفيعة لكل مستويات السياسة لا يحددها الرئيس بل تتحدد من خلال خطط طويلة الأجل يضعها مختصون في استحمار الشعوب. هؤلاء يُسمّون زورا “مستشارين” البيت الأبيض. والمُلاحظ أن هؤلاء باقون في أماكنهم، في حين أن الرؤساء يأتون ويذهبون. وإذا نظرنا إلى ما تفعله السياسة الأمريكية في منطقتنا العربية على مر السنين والديمقراطيين والجمهوريين، سنجد إن كاتبتنا المحبوبة إحسان الفقيه قد مست لب الموضوع. لن تتغير السياسة الأمريكية فيما يخص المنطقة العربية، لأنها تُحَدّد مسبقاً في تل أبيب.
يتبع
قرأنا عن جو بايدن الذي نراه في الإعلام نقيضا لترامب أنه قال ما معناه: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأنشأناها من أجل مصالح أمريكا في الشرق الأوسط”.
العجيب أن مصالح أمريكا في الشرق الأوسط محفوظة تماما من صهاينة العرب، وإسرائيل تكلف دافع الضرائب الأمريكي مليارات الدولارات سنويا. فمن هنا يحافظ على مصالح من؟
من كتاب للمؤلف الألماني “يان فان هيلسنج” يتحدث فيه عن الأشخاص والمنظمات التي تتحكم في السياسة العالمية من الخفاء نقتبس، والترجمة من عندي، لأن الكتاب غير متوافر باللغة العربية : (ولا يسعني في هذا المضمار إلا أن أسرد ما قاله الرئيس اﻷميركي روزفلت حرفيا: “في السياسة لا يحدث شيء بصورة عفوية! وحينما يحدث شيء فَتَأَكَّدْ أنَّه خُطِّطَ له أن يحدث بهذا الشكل!”)
يتبع
وقال فان هيلسنح في نفس الكتاب حين تحدث عن ما أسماه “سياسة بلا أخلاق أوسياسة بدون رحمة” : أنت ملك جديد لبلد ما وتريد أن تبقى ملكا على هذا البلد وأن تؤمّن كرسيك. فما عليك إلا أن تأتي بشخصين بطريقة منفردة، كل واحد على حدة، ويجب أن تتأكد من أنهم سيقومون بما تأمرهم به. الشخص الأول يُكَوِّن تحت رعايتك حزبا سياسيا ذا اتجاهات يسارية وتموله أنت وتنفق عليه. والشخص الآخر يُكَوِّن تحت رعايتك أيضا حزبا سياسيا آخرا ذا اتجاهات سياسية يمينية وتموله أنت أيضا وتنفق عليه. وبعد ذلك تنفق على الدعاية الإنتخابية للحزبين وذلك يتم بالتنسيق طبعا مع الشخصين المذكورين. وبذلك تكون على علم تام بما يدور في أذهانهم وعلى خططهم وعلى ما يريدون أن يقوموا به قبل أن يعلمه شخص آخر. و إذا أردت لأحد هذين الحزبين أن يتفوق على الآخر فما عليك إلا أن تزيد ميزانية الدعاية لذلك الحزب وتنقصها من الآخر. كلا من الشخصين يعتقد أنك تسانده وأنت بذلك صديق للطرفين! الشعب سيكون متفرق بين هذا وذاك ولن يعتقد أبدا أنك أنت، ملك البلاد، هو سبب هذه الفرقة السياسية.
يتبع
طبق هذا الكلام على الحالة الأمريكية لتعلم أن ممولين الحملات الإعلامية للمرشَّحَيْن هم الملوك الحقيقيين المنتفعين من نتائج الانتخابات أيا كانت نتيجتها، وانشد في مصطلح “اللوبي الصهيوني” ضالتك لتهتدي إلى حقيقة ما يجري في مملكة بني صهيون، التي تسمى في الإعلام “الولايات المتحدة الأمريكية”، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.