ليس لدي مخزون من الحزن أبدده على إغلاق راديو «بي بي سي» الناطق باللغة العربية، فالذي يهمني في الأمر كله، هم هؤلاء الذين خسروا وظائفهم، بسبب فشل ليسوا سبباً فيه، فلم تعد «بي بي سي» تمثل لنا سوى ذكريات من زمن التفوق، استفادت منه بريطانيا بأن الناس نسوا في العالم العربي أنها كانت قوة احتلال، لا تغيب عنها الشمس، وذلك بدون دعاية مباشرة وفجة!
كانت الأصوات في الراديو المذكور علامة مميزة، عندما يجمع الصوت بين الجمال والقوة، وبمجرد أن يقول أحدهم «هنا لندن.. القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية»، يبدو الأمر للسامع كما لو كان عزفاً موسيقياً يشعره بأهمية ما سيقدم، حتى لو كان برنامجاً ترفيهيا يحمل عنوان «ما يطلبه المستمعون من الأغاني العربية»، وكانت الإذاعة المصرية تقدم برنامج «ما يطلبه المستمعون». وكنا نهرع إلى راديو لندن بحثاً عن أخبار، لا تنشر في بلادنا، فقد كان الراديو البريطاني رائعاً حتى في برامجه الترفيهية، عندما يدنوا من المستمع العربي فيصبح مع هذا البعد الجغرافي واعتماده اللغة الفصحى بهذا الصوت الفخم، أقرب اليه من مذيعي بلاده!
بيد أن راديو «بي بي سي» عربي، انتهى إلى مجرد تاريخ، فليس فيه من تاريخه إلا الإسم، وأصابه ما يصيب الإمبراطوريات من قوة إلى ضعف وتحلل، وقد يكون المهم هو دراسة كيف فشل، وما انتهى اليه، وقد أخطأ صاحب القرار، لأنه تركه للفشل، ولم يكن الفشل قدرا مكتوبا على الجبين، لكن كان هذا بسبب التحلل من الضوابط التي كان معمولاً بها في الاختيار، وعندما يفتقد القيادي في أي مؤسسة إعلامية للملكات التي تمكنه من استكمال النجاح مع الرصانة، يكون الذهاب بعيداً إلا حيث تلبية رغبات القارئ، أو المستمع، أو المشاهد، الجديد (حسب نوع الوسيلة الإعلامية)، وندخل في جدل عقيم حول أن هذه الأجيال تختلف عن الأجيال السابقة، وتكون النتيجة أنه لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى!
من هنا يدخل الشيطان: هي أزمة عقليات إذن، ودائماً يكون حديث ما كان يصلح في الماضي، لا يصلح الآن، هو الباب الذي يدخل منه الشيطان، لتكون النتيجة هي الوصول للفشل الذي يجعل من الإغلاق ضرورة، والاستمرار يمثل استنزافاً للمال في ما لا يفيد، وصاحب المال الذي لم يحم أملاكه في البداية ويسهر عليها، ليس مشغولاً بالتاريخ أو الجغرافيا، لا سيما إذا تمكن منه الاعتقاد أن الفشل ليس في اختياراته.
من كان يسلم قبل انطلاق قناة «الجزيرة»، أن قناة إخبارية، سياسية، جادة، لا يبتسم مذيعوها، ولا تتضاحك مذيعاتها، يمكن أن تنجح هذا النجاح، لقد كان المستقر في الوجدان وقتها أن المشاهد العربي يذهب إلى إعلام التسلية، لتكشف التجربة أن هذا الاعتقاد ليس سوى تصورات إعلاميين عن مشاهدين لا يعرفونهم، ولو تقدم سامي حداد بشعره الأبيض، وجميل عازر بملامحه الحادة، وجمال ريان بصرامته، للالتحاق بالتلفزيون المصري، لطلبوا لهم أمن المبنى، وقالوا: أخرجوا هؤلاء المجانين من هنا.
قد يحزنك اغلاق راديو «بي بي سي»، وهو خبر محزن حقاً، لكنه حزن على ذكريات الماضي، وليس بسبب الارتباط بالإذاعة البريطانية الآن، فماذا فيها مما كان الحال عليه قديماً، شكلاً وموضوعاً؟!
سألت أحد الشخصيات التاريخية في راديو «بي بي سي» عربي، إن كانت أزمة خامة الأصوات، بسبب ما طرأ عليها من ضعف بحكم العوامل الوراثية والمناخية، أم أنها أزمة اختيار؟ فلم يتأخر في الإجابة بأنها أزمة اختيارات على مدى مراحل زمنية وصلت بها إلى هذه الحالة، فالأصوات التي تمثل امتداداً لتاريخ «بي بي سي» موجودة، لكنها مشكلة من يختار، وأولوياته، وأيضاً تصوراته هو أنه أذكى إخوته بفهمه للغة العصر!
لا يمكن القول إن تراجع الإذاعة البريطانية الناطقة بلغة الضاد، مرده إلى أننا في عهد التلفزيون، أو زمن الانترنت، فهذا دفع يستهدف حصول متهم على البراءة، لا للوصول للحقيقة، وفي مصر وإذ هبط توزيع الصحف المطبوعة إلى معدل لم تصله عندما كانت الأمية منتشرة، فإن الرد الجاهز هو لأن الانترنت أكل الجو، فهل الفشل مرده إلى الانترنت فعلا؟ إن المواقع الإلكترونية لهذه الصحف فاشلة أيضاً بشكل يؤكد أن الأزمة في المحتوى!
وطبيعة الحياة المعاصرة ردت الاعتبار للراديو، لدرجة أن النظام المصري لم يفرط في الإذاعة أبداً، حتى وهو يسمح للأفراد بتملك القنوات التلفزيونية، فقد اعتبر أن ملكيته للراديو من أعمال السيادة، وبعد الثورة وإذ استمر الترخيص للإعلام قراراً أمنياً، وإن تغيرت جهة الاختصاص، فقد كان الطلب الوحيد الذي تمت الموافقة عليه بإنشاء إذاعة، تم تقديمه من المخابرات!
التغرير بالخواجات
من غرر بالأمريكان حتى أفهمهم أن خفة إذاعة سوا، يمكن أن تكون هي البديل المقبول في العالم العربي عن جدية «صوت أميركا»؟، ومن أول من أفهم الإنكليز بأن التطور في أن يتحلل راديو لندن من تقاليده وضوابط العمل فيه باعتبار أن العصر اختلف؟! فالتطور لم يحدث مع الإدارة الحالية التي ورثت الأمر هكذا. ومن غرر بالألمان حتى اعتقدوا أن العرب يشاهدون قناتهم العربية وأنها مؤثرة؟ ومن صور للأمريكان أنهم يستطيعون التبشير بدين جديد في المنطقة هو ما يقدمه إبراهيم عيسى وإسلام بحيري، ومن غرر بالأتراك حتى الاعتقاد أنهم يمكن أن يقتحموا الحدود ويصلوا إلى بيوت العربي بقناتهم العربية، وهي بهذا الضعف؟! ومن أفهم الفرنسيين أن «فرانس 24» لها وجود مميز في المنطقة؟!
إنها مشروعات مهددة بالتصفية والتوقف، ولا شك أن إقدام الانكليز على خطوة بحجم إغلاق راديو من عمر دول، سيساعد الآخرين على اتخاذ مثل هذه الخطوة، وسيكون المبرر معروفاً، إنه الفشل، فهل كان يمكن إلا أن يقع؟!
وهل الأمر طبيعي في مجال يقدم حافظ المرازي برنامجه على «يوتيوب» ليشاهده بضعة آلاف، وأن يتقاعد أسعد طه مبكرا، ويتقاعد يسري فودة قبل ادانته قانوناً في ما هو منسوب اليه، ليبدو ما حدث كما لو كان خطة للتخلص منه، بينما هناك المذيع أو المذيعة الدوار، يخرج من قناة لقناة، ومن أستوديو لأستوديو، دون أن يحقق شيئاً يُذكر هنا أو هناك، بل شاهدنا المدير الدوار أيضاً يخرج من قناة إلى أخرى، لتكون التجربة التي تجوز دراستها في مسيرته هي «كيف فشلت»؟ إن البكاء على راديو «بي بي سي» عربي، لأنه جزء من تاريخنا، لكن أليس المؤسف أنه ليس جزءاً من حاضرنا؟!
قل: يا باسط!
أرض – جو:
• وبينما كانت «عواجل» الجزيرة عن الصواريخ التي أطلقت من غزة، وما تبع هذا من تحليق مكثف لمقاتلات حربية إسرائيلية في أجواء غزة، وسمع دوي انفجار جنوبي القطاع، وتصريحات للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، كانت قناة «القاهرة الإخبارية» المنافسة لـ«الجزيرة»، في واد آخر، يبدو أن الهدف منها منافسة «النيل للأخبار»، لا «الجزيرة»!
• في الاحتفال بعيد الشرطة قال الجنرال إنهم في حاجة لعمل مسلسلات لتحافظ على حسن صورة ضباط الشرطة، ويبدو أنه لم يسمع بالدراما إلا مؤخراً، فهناك عشرات المسلسلات والأفلام التي تمجد ضباط الشرطة، لكنها لم تحقق الهدف المنشود، لأن الناس تحكم بالممارسة على الأرض. مشكلته إنه منبهر بالدراما، انبهار نفر من الإخوان شرعوا في مشاهدة الأعمال الدرامية بعد الانقلاب، فكانوا يؤتون بكل ما هو مضحك، لأنهم يشاهدون أفلاماً قديمة ويعلقون عليها كما لو كانت في العرض الأول، كتب أحدهم شاهدت فيلم «أبي فوق الشجرة»، وهو من انتاج سنة 1969، فعلقت عليه: لقد نزل والدك من فوق الشجرة قبل نصف قرن ووافته المنية.
• لا نعرف مهنة خالد الجندي على وجه التحديد، ممثل، أم مذيع؟ فالمهنة الوحيدة في المجال التي لم يمارسها هي أن يكون مطرباً، لكن ما نعرفه أنه شيخ المرحلة المعتمد من قبل الجنرال لذا فهو متمدد في قناة أهل الحكم «دي إم سي»!
• المسلسل التلفزيوني الوحيد، الذي تهتم ممثلاته بالحديث عن المخرج هو «سره باتع» لخالد يوسف، فهالة صدقي قالت: خالد يوسف عنده عمق في التفاصيل. وشمس الكويتية قالت: خالد يوسف أضخم مخرج في العالم. أمام عفاف مصطفى فكل يوم تكتب قال لي وقلت له. لا شيء عن العمل نفسه، أو عن المنتج!
٭ صحافي من مصر
قناة الجزيرة أكثر مصداقية واعتدال وتنوع من ال «بي بي سي» !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
الحمد لله أنها أغلقت وبدون رجعة لانها كانت قناة فساد وكثيرا من الأخبار التى أصفها غير دقيقه و عنصرية.
لم تستطع إذاعة موجهة في كافة الدول الأوروبية ،شرقا وغربا،ان تنافس اذاعة لندن العربية.ربما تاتي بعدها الاذاعة العربية لصوت أمريكا.
القسم العربي،كان كوكبا خر ،وغلافه الجوي ،كان هو اصوات المذيعين ورصانتهم واسلوب تقديم البرامج.. تحس بالجهد ولكن ليس بالتصنع..جورج مصري بي بي سي تفوق على جورج الاعلام الاردني،وكذلك محمد الازرق..عبلة الخماش كانت قصيدة صوتية.نهى جريج،حسام شبلاق حكاية دافئة،اسماعبل طه وو …الى ان جاءت مرحلة اختناق الغلاف الجوي للكوكب على يد شلة شامية مصرية تنافست على السيطرة والافلاس .