طرابلس-«القدس العربي»: الدستور والقاعدة الدستورية قضية أشعلت الأوساط المحلية في ليبيا ، ولم يستطع المسؤولون بما فيهم اللجان المنبثقة عن الأمم المتحدة من اعتماد حلول تذكر حتى الآن رغم ضيق الوقت الذي بدأ يداهم تنفيذ عملية الاستحقاق الانتخابي في ليبيا، والمقرر تنفيذها في 24 من كانون الأول/ ديسمبر .
ويعتبر المسار الدستوري واحداً من أكثر الملفات تعقيدا في ليبيا إذا ما قارناه بالمسارات الأخرى، وذلك لسبب بسيط وهو التباين الكبير في وجهات النظر بين جميع الأطراف ، بالإضافة إلى تعدّد المقترحات المقدمة ما بين كتابة دستور ليبي جديد أو تعديل مشروع الدستور المجمد منذ 2017، أو إجراء استفتاء حول الدستور، إضافة إلى الخلافات حول المواد الداخلة فيه .
رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح، أكد في تصريحاته أمام اللجنة الدستورية سابقاً أن المفوضية تحتاج لـ7 أشهر لإنجاز عملية الاستفتاء على الدستور من بينها 3 أشهر لتجهيز البطاقة الانتخابية، مشيراً إلى أنه في حال تم التصويت “بـلا” على مشروع الاستفتاء على الدستور، فسيتوقف الأمر على جاهزية الهيئة التأسيسية لإعادة طرح مشروع معدّل ثمّ إجراء الاستفتاء الثاني .
وفي ظل جدية الاستحقاق الانتخابي، واقتراب موعده، عقدت اللجنة الدستورية المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، جلسات في مدينة الغردقة المصرية لبحث هذا الاستحقاق، وتوصلت إلى اتفاق باعتماد قاعدة دستورية حال تعذر الاستفتاء على الانتخابات، وصادق عليها المجلس الأعلى للدولة، إلا أن مجلس النواب ونتيجة لمماطلته في اعتماد مخرجاتها أدى لتجميد أعمال اللجنة.
عقب ذلك حاولت اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار الليبي حلحلة هذا الانسداد، وذلك نظرا لطبيعة مهامها المنصبة حول متابعة اللجنة الدستورية، وضمان إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وعليه عقدت اجتماعات مباشرة في تونس، وقالت إنها توصلت لقاعدة دستورية، إلا أن أعضاءها اعترفوا أنهم لم يتوصلوا إلا لملامح قاعدة، وأن هناك نقاطا ظلت خلافية بينهم.
الخلافات تنصب حول نقاط رئيسة، أبرزها هل تجرى الانتخابات على قاعدة دستورية مؤقتة أم أنه لا بد من الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب وإجراء الانتخابات على أساسه؟
اللجنة الدستورية التي نفذت مشروع الدستور في وقت سابق وصاغت كافة بنوده، لها رأي مغاير ، تمثل في التشبث بالاستفتاء على الدستور مهما كان الثمن ، وأن إجراء انتخابات بدون دستور يحمل ضمانات معينة سيوقع ليبيا في فخ جديد من الدكتاتورية .
عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور نادية عمران قالت في تصريح لـ”القدس العربي” أن زج ليبيا في مرحلة انتقالية جديدة والذهاب لانتخابات مباشرة بناءا على قاعدة دستورية أعدتها لجنة منتقاة من البعثة أي اللجنة القانونية وفرضها على الليبيين يعتبر كارثة كبرى.
وأضافت العضو في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور أن البعثة الأممية تجاهلت مشروع الدستور المعد من قبل هيئة منتخبة به ضمانات كبيرة وتم العمل عليه لمدة سنوات وهو جاهز منذ 2017، معتبرة هذا التجاهل تجاهل للإرادة الشعبية ومحاولة فرض نصوص دستورية تخدم أشخاصا بعينهم.
وتابعت عمران أنه كان من الواجب على البعثة التي من مهامها مساعدة الليبيين على تعزيز مسارهم الديمقراطي عدم التدخل في المسار التأسيسي وتجاهل اتفاق الغردقة الذي قضى بضرورة الذهاب للاستفتاء قبل الانتخابات، وختمت حديثها بضرورة وجود قواعد حاكمة دستورية واضحة ومتينة تضمن وجود نظام حكم بناء ونظام للحكم المحلي وضامن للحقوق والحريات وغير ذلك هو عبث وتلاعب بمصير الليبيين.
المحلل السياسي الليبي علي أبو زيد أكد في تصريح لـ”القدس العربي” أن أهمية الاستفتاء على الدستور مقدمة على تاريخ إجراء الانتخابات، فالاستفتاء على الدستور هو استحقاق ينبغي إنجازه وفق الإعلان الدستوري وكافة تعديلاته، وتأخير إنجاز هذا الاستحقاق سببه ضغط بعد الأطراف التي تعتبره لا يخدم مصالحها، وإذا ما تم الاتفاق على قانون الاستفتاء فإن إجراءه ممكن ولن يؤثر في موعد الانتخابات.
وأضاف أن إجراء الانتخابات وفقا لقاعدة دستورية مؤقتة يعني الذهاب لمرحلة انتقالية جديدة بإطار دستوري هش، وهو ما يسمح للرئيس المنتخب وفقا لهذه القاعدة الهشة أن يتغول على السلطات الأخرى ويتجاوز صلاحيات وربما يحدث تعديلات في مشروع الدستور بما يضمن بقاءه في السلطة ، أما الانتخاب وفقا لمشروع الدستور الحالي فإنه سيضمن مرجعية دستور مستقرة لخمس سنوات، حيث ينص مشروع الدستور على عدم جواز تعديله قبل مضي هذه المدة، وهي مادة حاكمة، وتعطي فرصة لمعرفة ما يحتاج فعلا للتعديل في الدستور.
وفي ظل هذا الخلاف ظلت القاعدة التي ستبنى عليها المرحلة المقبلة بأكملها غير موجودة وتترنح بين السلطات المحلية، كل له رأي يغاير به الرأي الأخر، ليظل الليبيون من خلالهم بين خيارين، إما الاستفتاء على الدستور والتخوف من الوقوع في تأجيل موعد الانتخابات المقررة، وهو ما يفتح الباب أمام تأجيلات أخرى، وإما الانتخاب بناء على قاعدة دستورية تكرر سيناريو المراحل الانتقالية، ومن الممكن أن تسمح بصناعة دكتاتور جديد مستقبلا.