ان حربا جديدة لم تعد مرهونة بموافقة أمريكا من عدمها على الإطلاق. فروسيا هي المعيق الرئيسي لأي عملية عسكرية في شرق الفرات كما غربه.
تراجعت حظوظ العملية العسكرية التركية قليلا بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش قمة العشرين التي انعقدت في إيطاليا آخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. حيث تسعى واشنطن إلى دفع الأمور إلى الاستقرار شرق الفرات.
رغم ذلك، تواصل أنقرة إرسال التعزيزات إلى عدة مناطق أهمها ريف الرقة الشمالي، حيث نقلت عددا كبيرا من مقاتلي الجيش الوطني السوري المعارض، المدعوم تركيا. وتركزت القوات المنتقلة إلى جبهات راس العين المقابلة لمنطقة تل تمر، في حدود محافظة الحسكة، أقصى شرق منطقة «نبع السلام» العسكرية. وقصفت المدفعية التركية عدة مواقع في قرية الدردارة قرب تل تمر.
التحركات لم تقتصر على حشود الجيش الوطني والقوات التركية، حيث أرسل النظام السوري قوة كبيرة إلى المنطقة، منتصف الأسبوع، إلى محيط مدينة منبج، في ريف حلب الشرقي وقوة أخرى إلى محيط عين عيسى المقابلة لتمركز الجيش الوطني السوري المعارض، كما شهد مقر اللواء 93 في ريف الرقة الشمالي تحركات أخرى لقوات النظام والشرطة العسكرية الروسية. كذلك نقلت روسيا عددا من وحدات الفرقة 25 مهام خاصة الموالية لها والتي يقودها العميد سهيل الحسن إلى ريف الرقة الشمالي، وهي المنتشرة أساسا في عدة مناطق جنوب منبج وتشارك سابقا في العليات الروسية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في البادية السورية. بعد وصول التعزيزات بدأت، لأول مرة، القوات الجوية الروسية وقوات النظام مناورات عسكرية بالاشتراك مع «قسد» شاركت فيها القاذفات الجوية ومروحيات روسية في شرق مدينة عين عيسى وقرب خطوط التماس بين «قسد» و»الجيش الوطني» السوري المعارض في صوامع الشركراك.
وفي تصريحات متداولة، اعتبر المتحدث الإعلامي في «قسد» فرهاد شامي: «التحركات الروسية في المنطقة، بما فيها المناورات العسكرية تأتي في سياق دور روسيا كطرف ضامن لاتفاقية خفض التصعيد على خطوط التماس في شمال سوريا، الذي تم التفاهم عليه في أكتوبر عام 2019». مؤكدا وجود «عمليات تنسيق تجريها قسد في الأيام الماضية مع الجانب الروسي، تحديدا على خطوط التماس الفاصلة عن مناطق السيطرة التركية».
في حين، سحبت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» عددا كبيرا من مدرعاتها ومدافع 23 ملم ومدافع 57 ملم من معسكر سد الفرات قرب مدينة الطبقة بمحافظة الرقة، ونشرته في عدة نقاط جنوب طريق حلب- الحسكة/ M4. وسهلت «قسد» حركة قوات النظام السوري في مناطق سيطرتها بعد ان كانت مكبلة وتحتاج إلى موافقة قوى الأمن الداخلي «أسايش» حيث أصدرت الأولى تعميما داخليا لعناصرها بعدم إعاقة حركة ارتال قوات الجيش السوري خلال تنقله والسماح له بدخول المدن والبلدات التي تسيطر عليها.
تعقد المشهد الميداني هذا، زادته القوات الأمريكية في شرق الفرات، مع تسيير دورية مؤلفة من سبع عربات عسكرية في بلدة تل تمر بريف الحسكة الغربي، تزامنت حركة الدورية مع قصف مدفعي للقوات التركية على محيط تل تمر
في إدلب، دفعت تركيا بعشرات العربات العسكرية إضافة إلى أكثر من 300 جندي تركي إلى جنوب طريق/M4 عبر معبر كفرلوسين العسكري المجاور لمعبر باب الهوى الحدودي، بالتزامن مع قصف قوات النظام السوري، فجر الجمعة، قرى وبلدات تقاد والهباطة وكفرتعال في ريف حلب الغربي بالمدفعية انطلاقا من الفوج 46 وقات خاصة الواقع شرق بلدة الأتارب. كما قصفت مدفعية قوات النظام المتمركزة في معسكر جورين بسهل الغاب بريف حماة الشمالي نقاط فصائل المعارضة على محاور قريتي القاهرة والعنكاوي الواقعتين في السهل ذاته.
فصائل المعارضة السورية، ردت على مدفعية النظام، وقصفت بقذائف المدفعية الثقيلة والصواريخ محلية الصنع مواقع قوات النظام في سراقب والقرى الواقعة شمالها في الطلحية وكراتين، كما قصفت عدة مواقع للنظام وخصوصا الفوج 46 وبسرطون في ريف حلب الغربي.
من جهة أخرى، كشفت صحيفة «خبر تورك» التركية عن لقاء تركي روسي مرتقب بين دبلوماسيين روس وأتراك للبحث في العملية العسكرية التركية المحضرة في سوريا، وحددت الصحيفة محور العملية العسكرية باتجاه تل رفعت ومنبج، وأكدت أن العرض التركي يربط منطقة «خفض التصعيد» الرابعة في إدلب بالعملية العسكرية، حيث سيقترح الخبراء الأتراك الإسراع بتنفيذ تفاهمات اتفاق موسكو 5 أذار (مارس) 2020 المتعقلة بتشغيل حركة الترانزيت وفتح طريق حلب- اللاذقية /M4 وسحب قواتها من جنوب الطريق مقابل إطلاق يدها ضد «قسد» في تل رفعت ومنبج.
عن لقاء اردوغان- بايدن، نوهت الصحيفة التركية إلى أن الرئيس الأمريكي لم يرفض العمل العسكري شرقي الفرات، لكن الجانب الأمريكي يعتبر أن «أي عمل عسكري تركي بالمنطقة سينعكس سلباً على التوازنات التركية- الأمريكية». لكن الصحيفة لم تستبعد الرفض الروسي، واصفة احتمال موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذه الخطة بـ»الضعيف».
في السياسة، تحاول الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، اللجوء إلى موسكو من أجل إبرام صفقة نهائية مع النظام السوري، مع تصاعد الضغوط التركية والتلويح بعملية عسكرية. وفي السياق، قال العضو القيادي الكردي البارز الدار خليل في مقابلة مع تلفزيون «روسيا اليوم» الخميس، ان حزبه (الاتحاد الديمقراطي) «لا يريد احتكار الثروات، ويعتبرها ثروات وطنية لجميع السوريين» و «الخيرات والثروات الموجودة في شمال شرقي سوريا هي ليست فقط لهذه المنطقة». واشترط خليل أن يكون الاتفاق حول حقول النفط «جزءا من التفاوض في عملية الحوار النهائية. مناقشة التفاصيل حول الموارد مرهونة بقابلية المفاوضات مع قوات النظام».
في إطار احتمال العملية العسكرية التركية، لم يستبعد الناطق باسم وحدات «حماية الشعب» الكردية، نوري محمود حصول «مقايضة» بين الروس والأتراك حول مدينة عين العرب (كوباني) على غرار ما جرى في عفرين، حسب قوله. وأضاف القيادي الكردي في حوار مع وكالة «anha» الجمعة: «من الممكن أن يحصل مثل هذا الأمر، لكن لم يتم إبلاغنا بشكل رسمي بأية معلومة في هذه المسألة».
تعول أنقرة، بلا شك، بعد تقارب قسد مع النظام، انه تقارب مع إيران بشكل من الأشكال وهذا قد يمنحها غض طرف أمريكي، بعد عجزها عن الحصول على ضوء أخضر بعملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد. حيت ترصد تركيا التقارب بين حزب العمال الكردستاني وإيران بشكل متزايد، بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتريد تحسين علاقتها مع الجميع في ظل انسحاب متوقع من سوريا أيضا. لكن حربا جديدة لم تعد مرهونة بموافقة أمريكا من عدمها على الإطلاق. فروسيا هي المعيق الرئيس لأي عملية عسكرية في شرق الفرات كما غربه. ولن تسمح موسكو لتركيا بتوسيع نشاطها ونفوذها العسكري بعد تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا وانحساره.
ختاما، من المبكر استشراف ما ستتحول إليه الأمور في الميدان، لكن من الواضح أن النظام السوري والروس قطفوا التصعيد في شرق الفرات قبل بدء كلام المدافع التركية، واستفادت قسد من درس «عفرين» وعملية «نبع السلام» بالحفاظ على مناطقها، اعتقادا منها ان تقديم التنازل للنظام السوري أقل خسارة لها في ميزان الخسائر إذا ما قيس بعملية عسكرية تركية.