مع الغزو التركي لسوريا هل تستعيض أمريكا بـِ«داعش» عن أكرادها المخذولين؟

حجم الخط
3

أخيراً فعلها رجب طيب أردوغان. غزا سوريا في شمالها الشرقي (رأس العين) بعدما غزاها، السنة الماضية، في شمالها الغربي (عفرين). خطته المعلنة (المنطقة الأمنية) ترمي إلى السيطرة في مرحلتها الأولى، على ما لا يقلّ عن 450 كيلومترا مربعا من أراضي سوريا على طول حدودها مع تركيا، أغراضه المضمرة ثلاثة:
( أ ) تدمير قدرات مجموعة من الأكراد السوريين المتحالفين مع أمريكا، لإقامة كيان منفصل عن الحكومة المركزية في دمشق، وقطع تعاونهم مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المصنّف إرهابياً لدى دول حلف شمال الأطلسي «الناتو».
(ب) استخدام «المنطقة الآمنة» العازلة في شمال شرق سوريا، ورقة لتأمين مشاركة وافرة لتركيا في استثمار النفط السوري الغزير في باطنها.
(جـ) نقل نحو مليوني مهاجر سوري مقيمين حالياً في تركيا إلى المدن والبلدات والقرى الواقعة ضمن «المنطقة الآمنة» وفي محيطها.
باستثناء أطراف محور المقاومة الذين سارعوا إلى التنديد بالعدوان التركي على سوريا، اكتفى معظم دول الاقليم والاتحاد الاوروبي وأمريكا بالاعتراض على ما فعلته تركيا وليس معارضتها، وبالحؤول تالياً دون صدور قرار في مجلس الأمن الدولي يندّد بفعلتها، لذلك كله دلالات لافتة:
*أولاها، أن تركيا ما كانت لتقدم على غزوتها السورية لولا ضوء أخضر من أمريكا تجلّى بسحب قواتها من الشمال السوري.
*ثانيتها، أن قادة منظومة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية تمسكوا بموقف الحوار مع أمريكا، رغم انها خذلتهم، ما يوحي بأن إدارة ترامب «طمأنتهم» بأنها ستكون وسيطاً بينهم وبين تركيا، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.
*ثالثتها، أن روسيا دعت وتدعو إلى مفاوضات عاجلة بين تركيا وسوريا لتدارك التداعيات السلبية للغزوة التركية من جهة، ولإنقاذ ما كان جرى التفاهم عليه في مؤتمري أستانة وسوتشي بين روسيا وإيران وتركيا، من جهة أخرى.
*رابعتها، أن دول الإتحاد الأوروبي اعترضت على الغزوة التركية ولم تعارضها، مخافةَ أن ينفذ أردوغان تهديده بفتح الأبواب أمام المهاجرين السوريين للهجرة اليها، وأنها تأمل تالياً بتسريع إجراء مفاوضات بين الدول ذات الصلة، بغية التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.
*خامستها، أن اشتباكات ميدانية وتجاذبات سياسية متطاولة ستأخذ مداها، قبل أن تتوصل الأطراف المعنية، الإقليمية والدولية، إلى تسوية مقبولة للنزاع، ذلك لأن سوريا لن ترضى بأقل من استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، ولأن أمريكا و»إسرائيل» ستكونان جادتين في محاولات تطويل أمد الحرب بغية استكمال عملية تفكيك سوريا وتقسيمها.

تسعى إدارة ترامب، نتيجةَ ضغوط قوية من مجلسيّ الكونغرس، الشيوخ والنواب، إلى التوصل لتسوية مع السلطات التركية

في سياق مساعي أمريكا، ومن ورائها «إسرائيل»، لتفكيك سوريا واستنزاف إيران وسائر أطراف محور المقاومة على أراضيها، يجري التحضير مجدداً لتفعيل دورٍ لـِ»داعش» تستعيض به أمريكا عن حلفائها الأكراد المخذولين، لأن لـِ»داعش» وجوداً فاعلاً في الأطراف الشمالية الشرقية لمحافظة دير الزور السورية، كما له «وجود بشري» لافت في مخيمات أقامتها القوات الأمريكية في محافظتي الحسكة والرقة لاحتجاز أسرى «داعش» وعوائلهم، وأسندت حراستها إلى حلفائها من الاكراد السوريين. فقد صرح مسؤول العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية» الكردية عبد الكريم عمر أن «قسد» تعتقل 12 ألف رجل من «داعش»، وأن بين هؤلاء 2500 إلى ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة، ناهيك من عوائل أسرى «داعش» في معتقل الهول وغيره من المعتقلات، التي لا يقلّ عدد معتقليها عن عشرين ألفاً.
الى ذلك، تسعى إدارة ترامب، نتيجةَ ضغوط قوية من مجلسيّ الكونغرس، الشيوخ والنواب، إلى التوصل لتسوية مع السلطات التركية، تبقى بموجبها المسؤولية عن ادارة مخيمات معتقلي «داعش» وعوائلهم في محافظة الحسكة، في عهدة العناصر الكردية والسورية المتعاملة مع الأمريكيين. كما تسعى إدارة ترامب إلى الحدّ من اندفاع القوات التركية إلى عمق محافظتي الرقة والحسكة، بغية عدم سحق «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المتعاونة معها، ولإدامة قوات مناوئة للحكومة السورية ومتحالفة مع أمريكا في مناطق شرق الفرات حيث مكامن النفط والغاز.
هذه الترتيبات العسكرية الميدانية التي تسعى ادارة ترامب إلى تثبيتها تلقى، بطبيعة الحال، ترحيباً من «إسرائيل» التي ساءها كثيراً تخلي واشنطن عن حلفائها الأكراد، وتخوّفت تالياً من انسحاب هذه السياسة التراجعية على سائر حلفاء أمريكا في المنطقة. وإزاء الضغوط المتزايدة في الكونغرس على ادارة ترامب لتقليص عملية سحب قواتها من سوريا، وربما لاحقاً من العراق، قامت وزارة الدفاع (البنتاغون) بانتهاز حادثة الهجمة الصاروخية على ناقلة النفط الإيرانية قبالة ساحل مدينة جدّة على البحر الاحمر، لنشر ثلاثة الآف جندي امريكي اضافي في السعودية، على أن تتحمل الرياض النفقات المترتبة على ذلك!
«إسرائيل» المتحسّبة لتنامي قوة ايران العسكرية، ونفوذها السياسي في غرب آسيا، لن تكفيها التدابير والترتيبات الأمريكية سالفة الذكر. وسائل الإعلام الإسرائيلية تضجّ بنقد لاذع لخطة نتنياهو في مواجهة إيران، وقوى المقاومة العربية وتؤكد فشلها. نتنياهو، المنشغل بتدبّر مصيره السياسي بعد إخفاق تحالف أحزاب اليمين في الإنتخابات الاخيرة، لإبقائه في السلطة، وإنقاذه تالياً من حكم قضائي بالسجن، لم يتأخر في إدراك تداعيات تقلّبات ترامب الشخصية والسياسية، على أمن «اسرائيل» ووجوب استدراك المزيد من المخاطر الامنية، فباشر على عجل مقاربةً مغايرة لمواجهة إيران قوامها مضاعفة التوظيف في صناعة الصواريخ البالستية الدقيقة، الدفاعية والهجومية، لتفادي الاعتماد على دعمٍ عسكري أمريكي في المنطقة آخذ بالانكفاء.
غير أن كل هذه التدابير والترتيبات والتحوّطات المستجدة لا تغني أمريكا و»اسرائيل» عن متابعة التوظيف في «الحرب الناعمة» بما هي عقوبات اقتصادية وفتن طائفية وحروب أهلية، ودعم لتنظيمات إرهابية، مهمتها نسف الاستقرار بتدويم الاضطرابات الأمنية. وعليه، فإن خيار العودة إلى توظيف «داعش» وامثاله من تنظيمات الإرهاب المسلّح، سيكون عنوان الهجوم الصهيوامريكي المتجدد في الصراعات التي ما زالت تعصف بسوريا والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة واليمن.
وفي مقابل خيار «داعش» وامثاله، تبقى المقاومة هي الخيار والنهج الأكثر فعالية في مواجهة اعداء الأمة.
كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي
    الهجوم التركي على القوات الكردية المدعومة من امريكا وإسرائيل اربك حسابات محور المماتعة والمقاولة.
    فمن جهة هم ضد الهجوم على حلفاء امريكا واسرائيل ومن جهة أخرى لا مانع عندهم من تواجد قوات روسية وأمريكية والفرنسية والبريطانية ولفيف من الميليشيات اللبنانية والعراقية الأفغانية والإيرانية و…
    في سوريا .
    التقسيم والتدمير الذي لحق بسوريا وتكالب كل الدول على الأراضي السورية بما فيها تركيا وإسرائيل سببه الأوحد هو نظام مجرم إرهابي فضل الكرسي على الدولة وواجه ثورة شعبية سلمية بالرصاص والبرازيل المتفجرة .
    همسة
    اول من استعمل ووظف داعش هو النظام السوري المجرم لكي يحرف الثورة من سلمية إلى إرهاب يجب على العالم محاربته وللاسف نجح في مسعاه ودفع البلد الثمن الغالي .
    كلمة أخيرة
    الدواعش القادمون من كل الدول لمساندة نظام بشار المجرم والذين شعارهم ” الأسد او وحرق البلد ” لا أحد يحاربون لأنه هناك إرهاب حميد وإرهاب اسود.

  2. يقول أبو حمزة الشامي:

    هع غزو تركي و ماذا عن الإيراني مقاولة و مماتعة الغزو الإيراني أخطر من العدو الصهيوني. فرغم الاحتلال الاسر ائيلي مازال أهلنا في فلسطين مسلمين اما الغزو الإيراني فهو غزو عقائدي

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    غباء الاتراك مكن النظام السوري من استرجاع الاراضي والبلدات من الاكراد بدون حرب وسيكون لالاكراد دور كبير بمقاتلة اتباع تركيا في ادلب واعادتها للنظام نكاية بالاتراك وكل ذلك بسبب دهاء بوتين

إشترك في قائمتنا البريدية