الملك عبد الله الذي عاد بعد إجراء عملية معقدة في العمود الفقري في ألمانيا، علم حتى قبل بداية شهر رمضان بأن الحرم قد يكون بؤرة لأعمال الفوضى. الآن من فراش الاستشفاء، مطلوب منه أن يواجه التسونامي القادم من القدس. أجرى الملك حول ذلك محادثة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومع وزير الدفاع بني غانتس، وأجرى ممثلوه محادثات تمهيدية مع رئيس “الشاباك” ومساعديه. حسب مصدر أردني رفيع، فإن الانطباع الذي تولد من هذه المحادثات هو أن إسرائيل ستتجنب دخول قواتها إلى الحرم، في حين يفعل الأردن هو والسلطة الفلسطينية كل ما في استطاعتهما لتجنب المواجهات. “دخول القوات الإسرائيلية إلى الحرم وضع الملك في زقاق ليس له مخرج”، قال المصدر. “ازداد الانتقاد الداخلي، وثمة شعور بأن إسرائيل لم تف بتعهداتها”.
قبل ثلاثة أيام، نقل الملك لرئيس الحكومة بشر الخصاونة، تعليمات قاطعة للعمل على الصعيد الدولي والعربي لـ “صد الهجمات الإسرائيلية عن الحرم لتهدئة النفوس”. في الفترة الأخيرة، أجرى وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، محادثات كثيفة مع رؤساء الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وقادة مصر والمغرب والإمارات، وطلب منهم التدخل والضغط على إسرائيل لعدم إدخال قواتها إلى باحات المسجد. في المقابل، طلب الأردن عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة ما يجري في الحرم، وهو في هذه الأثناء يزيد حدة خطابه ضد “العدوان الإسرائيلي” الذي يمس بقدسية الحرم.
إلى جانب الخوف من اشتعال الاحتجاجات في الأردن وفي دول عربية وإسلامية أخرى، التي بدأت في الشبكات الاجتماعية، فإن أي حدث يحدث في الحرم يعتبر فشلاً لملك الأردن في تطبيق سلطته وصلاحياته في الأماكن المقدسة، مثلما تم تعريفها واتفق عليها بين الأردن وإسرائيل. في اتفاق السلام الذي وقع في 1994 منحت للأردن مكانة خاصة لإدارة الأماكن المقدسة. في 2015 وافق بنيامين نتنياهو على “تفاهمات كيري” (التي صاغها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري)، التي تنص، ضمن أمور أخرى، على أن المسلمين يمكنهم الصلاة في الحرم، في حين أن غير المسلمين يمكنهم زيارته دون الصلاة فيه.
هذا المبدأ الذي ما زال ساري المفعول حتى الآن هو الذي يدفع حركات اليمين المتطرفة في إسرائيل إلى اقتحام الحرم لتغيير الوضع القائم وإظهار “سيادة” إسرائيل على الحرم. لا تنوي إسرائيل تغيير الوضع القائم، لكن دخول رجال الشرطة والجنود إلى الحرم يفسر في فلسطين والأردن خرقاً علنياً للتفاهمات، بل ونية للسيطرة على الحرم وتحويله إلى موقع يهودي في عهد الملك عبد الله.
ثمة تخوف آخر موضوع على طاولة الملك عبد الله كتهديد خفي، وهو تطلع السعودية إلى أن “ضم” صلاحيات إدارة الأماكن المقدسة في القدس وإقصاء ملك الأردن عن هذا الدور. على هذه الخلفية، حدث قبل سنتين توتر بين المملكتين عندما خشي الملك عبد الله من أن تستهدف صفقة القرن التي جاء بها ترامب، تجسيد طموحات السعودية، مقابل دعمها لخطة السلام الأمريكية. من هنا، فإن كل حدث في الحرم يمكن، حسب رأي الملك، أن يوفر للسعودية ذريعة لكي تطالب بالرعاية بسبب ما يفسر كضعف إزاء إسرائيل.
ولتبديد الانتقاد الداخلي وتطلعات السعودية من الخارج، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقات سليمة مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، زاد الملك من حدة الخطاب الذي يستخدمه رجاله. ولكن هذه القناة غير خالية من الأخطار. بصورة غير مسبوقة، عبر أمس رئيس الحكومة الخصاونة عن دعمه وتشجيعه لراشقي الحجارة في الحرم، وحظي على ذلك برد صاخب من رئيس الحكومة نفتالي بينيت، الذي قال بأنه “ينظر بخطورة إلى التصريحات التي تتهم إسرائيل بالعنف والموجهة نحونا… هذا أمر لا نقبله، ويشكل جائزة للمحرضين وعلى رأسهم حماس، الذين يحاولون إشعال العنف في القدس”.
امتنع بينيت عن اتهام رئيس الحكومة الأردنية مباشرة؛ ربما يدرك أن الخصاونة حين يصرح بذلك في البرلمان، الذي يطالب معظم أعضائه بقطع العلاقات مع إسرائيل، فربما من المناسب امتصاص الضغط بالخطاب المتشدد. الخصاونة والملك لا ينويان قطع العلاقات مع إسرائيل أو إغلاق السفارة. للدولتين مصالح حيوية وعسكرية واقتصادية لا تريدان أن تتحول إلى رهينة لمتطرفين في الحرم.
سيكون من الخطأ الكبير أن نرى في هذه التصريحات الحادة والمتبادلة لعبة أدوار بلاغية ضرورية لتهدئة النفوس. وكما الحال في إسرائيل، فإن قضية الحرم في الأردن لا تتعلق فقط بحرية العبادة، بل تخدم أيضاً الخصوم السياسيين الذين قد يسقطون حكومات.
في السنوات الأخيرة، تجمعت في الأردن كتل وحركات وضعت نصب عينيها إزاحة الملك عن كرسيه وتغيير نظام الحكم. وهنا من الجدير التذكير بتمرد رؤساء القبائل جنوبي الدولة، واحتجاج العاطلين عن العمل الذين تظاهروا لأسابيع كثيرة أمام القصر الملكي، والنشاط غير المنقطع للحركات الدينية ومحاولة انقلاب الأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك، في السنة الماضية.
الضغط الاقتصادي ونسبة البطالة المرتفعة والفجوة بين الأغنياء والفقراء، كل ذلك سبب للاحتجاج والعصيان المدني، ولكن عندما يتطور عامل آخر منظم مثل المس بالأماكن الإسلامية المقدسة فإن التضامن يتجاوز الطبقات والقبائل، وتهديده أكبر بكثير وفوري. وعلى هذا يبني خصوم الملك السياسيون الذين لا يعملون بصورة مختلفة عن أعداء حكومة إسرائيل.
لعبة التنس السامة بين إسرائيل والأردن لن تكون كافية لإخفاء الخطر الذي تتعرض له حكومة إسرائيل والبلاط الملكي الأردني من أعالي الحرم. إسرائيل يمكنها في الحقيقة التمسك بادعاء السيادة الذي يمنحها الصلاحية في استخدام القوات داخل الحرم، لكن عندما تنازلت من تلقاء نفسها وبالاتفاق عن تطبيق كل سياستها على الحرم، فإن أي استعراض للقوة تعرضه في الحرم لن يغير مكانته، لكنه قد يحطم نسيج العلاقات الهشة الذي ما زال يحفظ العلاقة بينها وبين الأردن.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 19/4/2022