مع نية اليمين استبدال “لاعب جديد” بغالانت والانشغال بالترقيات وانتظار ترامب وعودة حماس أكثر شراسة وتنظيماً محبطاً أمام “ضربات المقاومة”.. الجيش لنتنياهو: أدخلتنا في “فتنة حقيقية”

حجم الخط
0

في منتصف الشهر الثامن للحرب، بدا وضع إسرائيل آخذاً في التعقد؛ فالمواجهة مع حماس في قطاع غزة بعيدة عن الحسم رغم علاقات القوة العسكرية التي تميل لصالح الجيش الإسرائيلي؛ أما على الحدود مع لبنان فقد ازداد تبادل اللكمات مع حزب الله، ولا يظهر أي أفق لموعد عودة 60 ألف شخص منذ تشرين الأول؛ والخلافات في الرأي داخل الحكومة حول استمرار الحرب تجري علناً الآن أمام أنظار الجمهور؛ في حين أن صفقة المخطوفين في حالة جمود عميقة، إزاء الفجوات في المواقف بين الطرفين وتقدير حماس بأنها تستطيع استغلال الشرخ الداخلي في إسرائيل. الشرخ السياسي في القيادة العليا، إلى جانب الخسائر المتجددة، يعرض إيمان الجمهور بالحرب للخطر. وحتى إن الأزمة قد تفسرها إيران وحزب الله بأنها فرصة للقيام باستفزازات جديدة بعد هجوم الصواريخ والمسيرات من إيران.

بقي وزير الدفاع، غالانت، يغلي منذ فترة طويلة، وكان واضحاً في الانتقادات التي وجهها مساء أمس. كانت النقاشات داخل المجلسين عاصفة في الأسابيع الأخيرة، ورغم الفجوات في المواقف والاحتكاكات الشخصية فإن تجمع غالانت – غانتس – آيزنكوت، تبلور مرة أخرى كوزن مضاد للخط الذي يقوده محور رئيس الحكومة. كجزء من الصراع على بقائه، وطبقاً لطلبات شركائه في اليمين المتطرف، صمم نتنياهو على التقدم نحو رفح ورفض إظهار أي مرونة حقيقية في المفاوضات على المخطوفين (حماس أيضاً اتخذت موقفاً حازماً).

الوزراء الثلاثة ورئيسا الأركان السابقان، فضلوا محاولة الدفع قدماً بصفقة المخطوفين في البداية. وحذروا من التوجه لاحتلال رفح إزاء خلاف شديد مع الولايات المتحدة، وأكدوا الحاجة لوضع هدف سياسي للحرب – تسوية تندمج فيها السلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع إذا تمت وبحق هزيمة حماس وانسحب الجيش الإسرائيلي منه. يشارك مواقف هؤلاء الثلاثة عدد من أعضاء الكنيست من الليكود، ولكنهم لا يملكون الشجاعة لانتقاد نتنياهو.

الدافع الأساسي لتصريح غالانت يكمن في الخلاف حول مسألة إقامة حكم عسكري إسرائيلي، يدير القطاع بدلاً من حماس. ومهما ظهر هذا الأمر خطيراً، فتلك هي الفكرة التي يناقشها نتنياهو الآن. لقد دخل في صورة الأحداث مؤخراً لاعب رئيسي جديد، الجنرال رومان غوفمان، السكرتير العسكري الجديد لرئيس الحكومة، وهو ضابط متميز، عمل قائداً لقاعدة “تساليم” وأصيب إصابة بالغة في 7 أكتوبر عندما هب للمساعدة في صد الهجوم على الغلاف. في الوقت الذي كان يتعافى فيه من إصابته، شغل مؤقتاً منصباً رفيعاً في قسم منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية]. وكما نشرت “أخبار 12″، حيث كتب وثيقة، وصلت إلى نتنياهو، تتضمن اقتراحاً لإقامة حكم عسكري مؤقت في القطاع كحل بديل لحماس.

كرأي مهني، يمكن رؤية فكرة تبرر النقاش في اقتراح غوفمان. ولكن نتنياهو يدفع بهذا الاقتراح لاعتباراته الخاصة. ووهي فكرة راقت لرؤساء أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف، بن غفير وسموتريتش. بالنسبة لهم، لا أمر ثابتاً أكثر من المؤقت (كما ثبت في قضية البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية)، وهكذا ستمهد الطريق لإعادة إقامة المستوطنات في القطاع. تصريح غالانت استهدف تقويض هذه الخطوة.

ثمة اعتبار آخر حرك وزير الدفاع، يرتبط بإحباط عميق لدى الجيش جراء قرار إرسال قيادة إلى منطقة رفح؛ للسيطرة على الجزء الجنوبي الشرقي لمحور فيلادلفيا وعلى معبر رفح، من دون مناقشة المعاني الاستراتيجية. ورغم أن الجيش حذر بشأن الحاجة إلى الاتفاق مسبقاً حول ما سيتم فعله في المعبر بعد السيطرة عليه، لكن لم يتم الاتفاق على أي شيء مع المصريين. تقدم القوات إلى رفح ما زال بطيئاً ومحدوداً إزاء معارضة أمريكا. ولكن إمكانية تعقد الأوضاع هناك ما زال كبيراً. الآن، يبدو أن الجيش تقدم إلى ما وراء الخطوط التي حددتها الخطط مسبقاً وعرضت على المستوى السياسي. ويزداد الخطر أيضاً في عمليات شمال القطاع، حيث تتراكم الخسائر لدى الجيش الإسرائيلي. في بعض الحالات، يحدث الأمر من قبل الجيش: أول أمس، قتل خمسة من المظليين في الخدمة النظامية بإصابة قذائف دبابات أطلقت بالخطأ من قوات قريبة. كما أصيب ثمانية جنود بينهم ثلاث إصاباتهم بالغة. أمس، نشر عن موت جندي احتياط في حادث عملياتي على حدود القطاع.

وقعت حادثة الدبابة أثناء عملية في جباليا في المنطقة التي دخلها الجيش الإسرائيلي للمرة الثالثة. في هذه المرة، المقاومة التي تظهرها حماس كبيرة وتشمل إطلاقاً كثيفاً لصواريخ الـ آر.بي.جي، غير المسبوق في شمال القطاع في الأشهر الأخيرة. المسلحون الفلسطينيون منظمون نسبياً، ويبدو أنهم يعملون كجزء من منظومة قيادة وسيطرة تشغلها حماس. صفوف حماس تتراص من جديد، رغم خسارتها أكثر من 10 آلاف ناشط في الحرب حتى الآن (حسب بعض التقديرات، تكبدت حماس حوالي 14 ألف قتيل وآلاف المصابين).

تقول “أمان” و”الشاباك” إن هذا ليس صدفياً؛ فالشباب في القطاع لا يشخصون بديلاً لحماس، ويتجندون في صفوفها بدلاً من المخربين الذي قتلوا. الانضمام للمنظمة يضمن احتمالية أفضل لبقاء العائلة حتى في ظل ظروف الحياة القاسية في القطاع.

يفترض السكان أن حماس ستجتاز الحرب وستبقى في الحكم. ويطلب غالانت، بدعم رؤساء أجهزة الأمن، منذ نهاية تشرين الأول الماضي، إجراء نقاش في المجلسين حول ترتيبات اليوم التالي. لكن نتنياهو، الذي يحتفظ بصلاحية تحديد جدول الأعمال يرفض ذلك. يشمل اقتراح وزير الدفاع دخول تحالف دولي – عربي يتضمن “فلسطينيين محليين” تشخص عيونهم نحو رام الله، وهي مصطلحات معقدة تهدف لتجاوز فيتو نتنياهو الذي فرضه على مشاركة السلطة الفلسطينية.

بالإجمال، يرى غالانت ورؤساء أجهزة الأمن، أن إسرائيل تبدد الاعتماد الذي راكمته العمليات العسكرية. حماس لم تهزم، بل تعيد بناء نفسها من حيث أخلاها الجيش الإسرائيلي. وفي ظل غياب بديل سلطوي، ستتعزز حماس. الإحباط يزداد، لأن الجنود يقتلون في أماكن عاد إليها الجيش الإسرائيلي للمرة الثانية والثالثة، بدون جدوى أو هدف، باستثناء وعود لا أساس لها من نتنياهو حول النصر المطلق. “هذه فتنة حقيقية”، قال شخص يشارك في المشاورات الأمنية.

الجمود الاستراتيجي الإسرائيلي يخيب آمال الشركاء الاستراتيجيين؛ فالإمارات التي عبرت عن اهتمامها بترتيبات اليوم التالي في القطاع، ومستعدة لتمويل إعادة الإعمار والمساعدة في خطط منع التطرف، لن تقترب من هناك ما استمر الوضع الحالي. في حين أن الولايات المتحدة التي تحدثت في البداية عن سلطة فلسطينية محدثة، تضغط الآن على إسرائيل للموافقة على أي حل في القطاع باستثناء أن تنهي القتال في القطاع والانسحاب منه. أمس، تم افتتاح الميناء البحري الذي أقامه الجيش الأمريكي شمالي القطاع، وهو القرار الذي فرضته الإدارة الأمريكية على نتنياهو، إزاء الصعوبات التي وضعتها إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

تملص هادئ

تشكك الحكومة والإدارة الأمريكية بأن رفض نتنياهو السعي نحو ترتيبات لإنهاء الحرب، لا يكمن فقط في الادعاء “المشروع” الذي بحسبه حماس لم تتكبد حتى الآن ضربة قاسية تكفل بتمكين إجراء نقاش حول اليوم التالي. الادعاء هو أن نتنياهو يحاول بطريقة ما كسب الوقت إلى حين إخلاء الرئيس الأمريكي مكانه لدونالد ترامب، إذا فاز الأخير في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني. لكنها مقامرة على ركيزة ضعيفة؛ فترامب وجه انتقادات شديدة لإسرائيل في الأشهر الأخيرة، وتشاجر بشدة مع نتنياهو بعد أن اعترف الأخير بفوز بايدن في انتخابات 2020. الطريقة التي استعد فيها الرئيس السابق للتخلي عن أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ونظرته السلبية للناتو، تقلق إسرائيل أيضاً.

في هذه الأثناء، ينجح نتنياهو الآن في إغضاب الأمريكيين بسبب طريقة تعامله مع المساعدات الإنسانية للقطاع. من جهة، تتعهد إسرائيل للولايات المتحدة بعدم وضع العقبات على إدخال المساعدات (لا سيما عندما تمنع مصر دخول المساعدات من أراضيها احتجاجاً على احتلال معبر رفح). ومن جهة أخرى، من ائتلاف يشجع وزراء وأعضاء كنيست المليشيات المتطرفة في اليمين على مهاجمة قوافل المساعدات وبعنف في الضفة الغربية لتشويش وصولها إلى القطاع. وفي الوقت نفسه، تنظر الشرطة التي تخضع لبن غفير إلى ما يحدث باهتمام أكاديمي.

بيان غالانت عكر العلاقات العكرة أصلاً بينه وبين نتنياهو. من المرجح الافتراض أن نتنياهو كان سيحاول إقالته في ظروف أخرى، ولكنه سبق واكتوى بذلك في آذار 2023 عندما خرج الجمهور إلى الشوارع للاحتجاج على إقالة غالانت في ذروة أزمة الانقلاب النظامي، ما اضطر نتنياهو للتراجع عن الإقالة. في فترة الحرب، يبدو أن لإقالة وزير الدفاع وزناً أكبر؛ لأن إقالته وانسحاب غانتس وآيزنكوت أو كليهما ستوفران للأمريكيين مبرراً لزيادة الضغط السياسي على نتنياهو، وربما تسريع عمليات ضد إسرائيل في “لاهاي”.

تقف في الخلفية أيضاً أزمة قانون التجنيد. “المناورة البارعة” التي حاكها نتنياهو أول أمس، تبين أنها مناورة نتنة. لا أحد، باستثناء بعض المحللين والمراسلين السياسيين، صدق مناورة نتنياهو عندما أعلن قرار تقديم مشروع القانون الذي بلوره غانتس كوزير للدفاع قبل سنتين تقريباً. أعلن غالانت أنه لن يدفع قدماً بالقانون بصفته وزيراً للدفاع، وقال غانتس إن الزمن تغير والأمر يحتاج إلى قانون يطلب من الحريديم الأكثر. مثله أيضاً، ولمبررات قانونية، تعتقد ذلك المستشارة القانونية للحكومة.

هذه الأجواء غير الصحية ليست من نصيب الحكومة. فالوضع في هيئة الأركان العامة ليس أفضل؛ لا بسبب فقط الإحباط من تقدم الحرب ومشاعر الذنب حول ما حدث في 7 أكتوبر. فالجيش يدور حول تعييناته، حتى أكثر من منظمات هرمية أخرى. أيضاً في ظروف أزمة وطنية ومآس شخصية فظيعة، وفي الوقت الذي ما زالت فيه هيئة الأركان تعيش الصدمة الجماعية، فإن الضباط الكبار ما زالوا ينشغلون بقضية الترقيات والإقالات.

على الفور بعد 7أكتوبر، كان الشعور العام يقول إن على الجميع، المستويين السياسي والأمني، الذهاب إلى البيت إزاء كبر الكارثة والإخفاقات التي أدت إليها. ليس هذا ما حدث بالفعل. كما هو معروف، رفض نتنياهو كلياً أن يتحمل المسؤولية، وتحمل الضباط الكبار وقيادة “الشاباك” المسؤولية علناً، لكن لم يطبقوا ذلك فعلياً حتى الآن باستثناء رسالة استقالة رئيس “أمان”، الجنرال أهارون حاليفا، الشهر الماضي (أيضاً قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، الذي قدم استقالته دون صلة بإخفاقات الحرب).

بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 17/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية