لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته لويزا لافلاك قالت فيه إن اعتراف الرئيس جو بايدن المثير هذا الأسبوع بأن الأسلحة الأمريكية التي أرسلتها إلى إسرائيل ربما كانت مسؤولة عن قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة، هو على ما يبدو نقطة تحول في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، وجاءت بعد أيام بعد تحرك الجيش الإسرائيلي نحو مدينة رفح، وقبل التقرير المرتقب من وزارة الخارجية حول التزام إسرائيل بقوانين الحرب في غزة.
وقالت لافلاك إنه في الوقت الذي عبرت فيه إدارة بايدن أكثر من مرة عن قلقها من مقتل المدنيين في غزة، إلا أن بعض المسؤولين السابقين يقولون إن الإدارة لديها القوانين والسياسات التي تمنع استخدام السلاح الأمريكي بطريقة تنتهك القانون الإنساني والدولي.
وجاءت نقطة الانكسار في السياسة الأمريكية عندما أمر الجيش الإسرائيلي 100 ألف مدني فلسطيني بالنزوح من جنوب رفح وأغلق المعبر مع مصر، محذرا أنه سيستخدم القوة المفرطة ضد المتشددين في المناطق المدنية.
وقال بايدن في مقابلة أجرتها معه يوم الأربعاء شبكة سي إن إن “كنت واضحا أنهم لو ذهبوا إلى رفح فسأتوقف عن إمدادهم بالسلاح”.
وتعلق الصحيفة أن طريقة تطبيق الولايات المتحدة القانون الدولي ومحاولتها موازنة مظاهر القلق على حقوق الإنسان بالسياسة الواقعية ظلت انتقائية.
لكن استمرارها في دعم الحرب الإسرائيلية في غزة أدى لردة فعل عامة من المسؤولين السابقين، الذين يقولون إن الإدارة تجر قدميها في تطبيق القوانين التي شرعت للحد أو اشتراط المساعدة العسكرية للدول الأجنبية.
وقضت منظمات حقوق الإنسان أشهرا وهي توثق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، حيث ساهمت الأسلحة الأمريكية في قتل المدنيين في التجمعات السكنية والمؤسسات الصحية والصحافيين.
ويقول جوش بول، مسؤول وزارة الخارجية السابق، الذي استقال احتجاجا على موقف الإدارة من الحرب: “فقط ومن منظور القانون الأمريكي المحلي، هناك مجموعة واسعة من الشروط التي تم تجاهلها الآن”. وكان بول مسؤولا عن صفقات الأسلحة الأمريكية للدول الأجنبية في الخارجية. ويجب على وزارتي الدفاع والخارجية تقديم تقرير إلى الكونغرس يقيم مصداقية الاتهامات بأن الولايات المتحدة زودت أسلحة استخدمت لخرق القانون الدولي أو بطرق لم تقدم الحماية للمدنيين.
ويتم تقديم التقرير بموجب مذكرة الأمن القومي -20 الصادرة في شباط/فبراير، وقد تم تأخيره، حيث قال المتحدث باسم الخارجية ماثيو ميلر يوم الأربعاء إنه تأخر وسيصدر قريبا. وكشف المحللون وآلاف من التقارير عن حوادث بعينها في غزة، ونشرها، في الشهر الماضي، فريق من الخبراء المستقلين، أن الجيش الإسرائيلي “أظهر وبشكل منظم تجاهلا للقانون الدولي الإنساني وشن هجمات متكررة رغم الضرر غير المتناسب على المدنيين والمنشآت المدنية”.
كشفت آلاف التقارير أن الجيش الإسرائيلي أظهر وبشكل منظم تجاهلا للقانون الدولي الإنساني وشن هجمات متكررة رغم الضرر غير المتناسب على المدنيين والمنشآت المدنية
ووجد التقرير أن السلاح الأمريكي استخدم في عدد من الحالات، وهو ما ورد في تقارير منظمات حقوقية.
وقال تشارلس بلاها، الذي عمل مدير مكتب الأمن وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية ما بين 2016- 2023: “عندما تنظر إلى هذه المباني المنهارة التي علق تحتها الناس، فهناك احتمال أن الموت والدمار تسببت به الأسلحة الأمريكية”. وأضاف “لم يتبق أي سبب لعدم توضيح [مذكرة الأمن القومي-20] وبدقة إساءة إسرائيل استخدام السلام الأمريكي”.
وقال بريان فينوكين، من مجموعة الأزمات الدولية وعمل سابقا كمستشار في مكافحة الإرهاب للحكومة الأمريكية، إن تقرير مذكرة الأمن القومي- 20 يحتوي على تأكيدات أن إسرائيل التزمت بالقانون الدولي: “يعني مواصلة الموقف الأمريكي القائم على دعم إسرائيل، وتقديم الدعم بدون شروط والمصادقة على الحصانة من العقاب”.
وقتل حتى الآن في غزة 35 ألف فلسطيني، في وقت زعمت فيه إسرائيل أنها قتلت 13 ألف مقاتل، كما وحملت حماس مسؤولية القتلى المدنيين، مع أن القانون الدولي يطلب من المتحاربين التفريق بين المقاتل والمدني أثناء الحرب. وبحسب تحليل “واشنطن بوست” العام الماضي، فقد شنت إسرائيل غارات جوية قرب المستشفيات في شمال غزة وعلى مدى شهرين ونصف. وفي عشر حالات على الأقل، الحفر العميقة التي خلفتها الغارات تظهر أن القنابل التي أسقطت وزن الواحدة منها 2000 رطل هي أمريكية الصنع. واستخدمت هذه القنابل عدة مرات وفي وضح النهار ضد مجمعات سكنية في مخيم جباليا. وقتل في الهجوم الذي شنته إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر وقالت إنه استهدف قياديا في حماس 110 فلسطينيا.
وسجل موقع “إنسكيورتي إنسايت” 839 حادث عنف ضد عمال الصحة أو منع دخول العناية الصحية إلى غزة. وفي تحقيق لواشنطن بوست بواحد منها، حيث تم استهداف فريق اسعاف أرسل لإنقاذ طفلة عمرها 6 أعوام، حيث أطلقت صواريخ مضادة للدبابات عليه من دبابة ميركافا والتي قدمت الولايات المتحدة قطع غيار مهمة لها.
وارتبط السلاح الأمريكي بهجمات عدة على عمال الإغاثة ومخازن المساعدات الإنسانية. ووجد تحقيق قامت به عدة وكالات للأمم المتحدة تورط السلاح الأمريكي بهجوم شبه قاتل في كانون الثاني/ يناير على مجمع سكني يعيش فيه عمال الإغاثة الإنسانية واستخدمت فيه “قنبلة ذكية” زنتها ألف رطل، واطلعت عليه الصحيفة.
وكشف تحقيق لمنظمة أطباء بلا حدود وفريق استقصائي مستقل أن دبابة الميركافا قد استخدمت في 20 شباط/فبراير للهجوم على مركز ضيافة لأطباء بلا حدود وقتل اثنين مع عائلتيهما.
وتعلق الصحيفة أن أول قرار اتخذه بايدن بعد وصوله إلى البيت الأبيض هو تجميد صفقة أف-35 مع الإمارات وصواريخ دقيقة مع السعودية، وذلك بعد عدة تقارير عن ارتباط الصواريخ بالضحايا في الحملة التي قادتها السعودية في اليمن. وتم اتخاذ القرار بناء على قانون نقل الأسلحة التقليدية (كات) والذي يطلب من الحكومة وقف عمليات النقل عندما يتم التوصل إلى أن “هناك احتمالا كبيرا وليس لا” استخدامها لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني.
وبحسب مشروع بيانات اليمن، قتل في اليمن خلال الحرب التي مضى عليها أكثر من تسعة أعوام 9 آلاف مدني. فيما قالت وزارة صحة غزة إن 10 آلاف طفل قتلوا خلال السبعة الأشهر الماضية.
وتذكر بول أن وقف السلاح للسعودية كان “قرارا اتخذته به إدارة بايدن وحتى قبل أن تبدأ عملها الرسمي وقامت بالتواصل معنا مباشرة بعد 20 دقيقة من أداء القسم. ونبع معظم النقاش حول تسليح السعودية من سياسة كات”. ويقول بلاها إن إرشادات السياسة المعدلة التي أصدرتها إدارة بايدن في بداية 2023 “فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني كانت أبدا من أفضل سياسة لنقل الأسلحة التقليدية”، مضيفا أن “مشاهدة عدم تطبيقها [في غزة] وبعد أن فعّلت هذه الإدارة العمل بها هو أمر لا تفسير له بالنسبة لي”.
وقف السلاح للسعودية بسبب حرب اليمن كان قرارا اتخذته إدارة بايدن حتى قبل أن تبدأ عملها الرسمي، ومشاهدة عدم تطبيق ذلك في غزة هو أمر لا تفسير له
وقالت أونا هاثاوي، التي عملت ولسنوات كمستشارة قانونية لوزارء الدفاع الأمريكية “لا أعتقد أن هناك شيء اسمه استثناء” و”عندما تسمح لدولة بالتورط في أفعال، على الأقل يراها البعض غير متناسقة مع القانون الدولي الإنساني، فإنها تترك أثرا”.
وهناك سلسلة من القوانين الأخرى للرقابة على نقل الأسلحة والمعروفة بقوانين ليهي، والتي تقضي بوقف فوري للمساعدة الأمنية لوحدات عسكرية أجنبية تورطت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان حتى تتم معاقبة الفاعلين بطريقة مناسبة أو “تم علاجها”. وتم تطبيقها عام 2022 على أذربيجان وقرغيستان والمكسيك وسانت لوشيا في الكاريبي. ويرى المسؤولون السابقون أن إدارة بايدن تحاول تجنب اتخاذ قرار في معاقبة وحدات للجيش الإسرائيلي متهمة بانتهاكات في غزة، حيث يوازن وزير الخارجية أنتوني بلينكن الموضوع. وقال مسؤولان على معرفة بالأمر إن الوحدة المعنية هي نتساح يهودا المعروفة بسمعتها السيئة والوحشية بين منظمات حقوق الإنسان والمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية. ووثق “معهد الديمقراطية الآن في العالم العربي” ومقره واشنطن 12 مثالا على الانتهاكات الخطيرة للوحدة العسكرية. وتضم عمليات قتل واستخدام الصعق الكهربائي ضد معتقلين وخمس حالات ضرب واعتداء جنسي.
وفي الوقت الذي وجهت فيه اتهامات ضد جنود في الصفوف الدنيا إلا أن القيادات العليا لم تطالهم العقوبات. وفي رسالة لرئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون إلى بلينكن واطلعت عليها الصحيفة، قال فيها إنه في الوقت الذي تورطت فيه الوحدة بجرائم حقوق إنسان ولم يتم معاقبتها بطريقة مناسبة إلا أن الولايات المتحدة قد تساعد في “تحديد طريق لمعالجتها”. ووصف بلاها هذا الكلام من جونسون، بأنه غريب ولم ير شيئا مثله. وقال إن “عبارة البحث عن “طريق” لعلاجها لم يذكر أبدا في قانون ليهي” و”لم أشاهد أبدا استخدامه”.
التبادل الدبلوماسي مع الدول الأخرى أصبح مشحونا بسبب المواقف الأمريكية، إذ خيّم على الحوارات اتهام المعايير المزدوجة
وتواصل واشنطن دعم الحملة العسكرية في إسرائيل مع أنها تشجب انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق نزاع من أوكرانيا إلى السودان “بشكل يقود مصداقية الولايات المتحدة وهي تحاول الترويج للعدالة الجنائية الدولية والمحاسبة”، كما يقول فينوكين من مجموعة الأزمات الدولية.
وقال دبلوماسي أمريكي إن التبادل الدبلوماسي مع الدول الأخرى أصبح مشحونا بسبب المواقف الأمريكية: “جلست في حوارات خيم عليها وبشدة [اتهام] المعايير المزدوجة”.