ما قاله وزير الدفاع للجمهور أمس سمعه كل من شارك في جلسات الكابنيت مثلما سمعه صحافيون وصحافيات كانوا حاضرين في الإحاطات الإعلامية المغلقة. إذا ما كررنا خلاصة أقواله، فإن الوزير غالانت يعتقد أن “اليوم التالي” لحماس لن يتحقق إلا من خلال سيطرة محافل فلسطينية بمرافقة دولية. هذا هو البديل السلطوي لحكم الشر الذي تثبت وتعاظم في غزة. بزعمه، هذه مصلحة قومية إسرائيلية، وليس أقل أهمية: غياب القرار في الموضوع يؤدي بحكم الأمر الواقع إلى إقامة حكم عسكري ومدني في القطاع. واقع كهذا، حسب غالانت، “خطير لإسرائيل استراتيجياً وأمنياً”.
ظاهراً، يوجد منطق ما في أقوال غالانت، ولا شك أن الأصوات إياها قالتها الأسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة. غير أن غالانت، الذي يعرف المعطيات كما يعرف أطياف غزة أيضاً، يعرف أن الأمور أكثر تركيباً بل وحتى متعذرة. كما أن البديل الذي تعود فيه السلطة الفلسطينية للحكم في غزة غير ذي صلة قبل أن تهزم حماس.
عملياً، أي قوة تدخل مع وجود حماس في الميدان بأي شكل كان، ستكتشف بأن لديها جملة خيارات لكيفية إنهاء حياتها: شنقاً أو إلقاء من السطح أو برصاصة في الرأس.
لقد استعرض غالانت في أقواله الأعمال المتفرعة في الضفة. لعله بحاجة إلى تذكير بقدرة السلطة المحدودة للعمل في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم؟ فلئن كان ينبغي الاستخلاص من الوضع في الضفة، فإن السلطة لن تصمد حتى 24 ساعة أمام مسلحي حماس. فإذا كانت إسرائيل بحاجة إلى سلاح من الأمريكيين، تخيلوا ما هي احتياجات أجهزة الأمن الفلسطينية. والآن، اخرجوا واحسبوها، ماذا سيكون مصير عشرات آلاف البنادق التي سيحتفل بها الجمهور المؤيد لأحداث 7 أكتوبر بنسب صادمة.
إن جهاز الأمن وفي إطاره قيادة الجيش، لا تفكر بصوت واحد في الموضوع. الحجج ثقيلة الوزن وجديرة ببحث معمق. ولكن مهما يكن من أمر، نحمل ندبة الغرور والاعتداد بالنفس التي أدت إلى الخطأ الكارثي في قراءة نوايا حماس وقدراتها. محافل في هيئة الأركان وخارجها والتي يتحدث غالانت باسمها، تفعل هذا انطلاقاً من فهم مهني والتزام وطني حقيقي. لكن بعض التواضع أيضاً لن يضرها في ضوء قصور الماضي، والتذكير بالمستوى الموصي والمستوى المقرر.
الحقيقة لم تتغير منذ أصبحت غزة معقل إرهاب غير مسبوق: لن يقاتل أحد في حربنا بدلاً منا، ولن يتطوع للتضحية بنفسه أو بعائلته من أجلنا. لهذا الغرض قامت الدولة التي احتفلنا باستقلالها أول أمس: الدفاع عن أنفسنا بقوانا أنفسنا. لن يدخل أحد القطاع، وبالتأكيد لن ينجح في إدارته قبل سقوط حماس. عدو بعث 3 آلاف مخرب ليذبحوا ويغتصبوا ويخطفوا مواطنات ومواطنين هو جهة لن تبقى منها حتى ولا ذرة غبار. لم نفعل هذا في “الرصاص المصبوب” و”الجرف الصامد”، والآن لم يتبقَ بديل، والأثمان كانت وستكون باهظة جداً.
لا يوجد إسرائيلي واحد إلا يتمنى اليوم الذي نتوقف فيه عن النزف في غزة، وأن تهدأ الجبهة الشمالية وتعود حياتنا إلى مسار معقول، لكن لا يوجد شرق أوسط بديل، والنار التي تعود “لتنقط” في بلدات النقب الغربي تشهد على أن المهمة لم تنته. لنفترض أننا انتصرنا غداً وازدادت النار، فماذا سنقول لسكان “سديروت” والغلاف وربما أيضاً عسقلان؟
لأسفنا، بسبب سلوك فاشل قبل الحرب وإدارة إشكالية للحرب في ظل تعاظم الضغط الأمريكي عقب الإخفاقات، علقنا في وحل مغرق، لكن الغرق فيه ليس هو الحل: الأعداء والحلفاء المحتملون ينظرون ويقيسون كل حركة، والفشل قد يجبي منا ثمناً اعلى من ذاك الذي ندفعه حتى الآن. وما لا يقل خطورة هو الفجوة بين التضحية لأفضل أبنائنا، الجيل الذي لا يقل عن مقاتلي الـ 1948 الأسطوريين، وبين القيادة المنشغلة بالمناورات حول ضائقة التجنيد وإطلاق التهديدات في المؤتمرات الصحافية. إذا بدأت السنة الـ 77 للدولة على هذا النحو، فمن المفزع أن نفكر كيف ستنتهي.
بقلم: يوسي يهوشع
يديعوت أحرونوت 16/5/2024