ما كاد يلفظ الموسم الكروي أنفاسه الاخيرة حتى بدأت مغامرات رحيل المدربين، ما بين اشاعات أو أنباء مؤكدة تشير الى اقالات أو استقالات، أو في بعض الحالات ما بين وبين.
غريب كيف تغير العالم الكروي، من المدرب التقليدي الذي كان معدل بقائه على رأس عمله نحو 5 سنوات قبل 20 سنة، وبين مدربي اليوم، الذين لا يتخطى معدل بقائهم أكثر من سنة ونصف السنة في مناصبهم، التي أصبحت أصلاً مبتورة ومشوهة، ما بين مجرد مدرب فني لا تتخطى صلاحياته أكثر من وضع خطط للفريق، وبين مستشار يكون على رأس مجموعة وكوكبة من الاختصاصيين، بناء على رغبة المالك أو ادارة النادي، ولهذا كان طبيعياً أن نشهد هذا الكم الهائل من الاقالات والاستقالات في عالم كروي بات يتجه أكثر الى الشق الاقتصادي والتجاري منه الى الرياضي، وباتت القرارات الادارية تؤخذ بناء على الوضع المالي وليس الكروي.
منذ نهاية صراعات الدوري الانكليزي الاحد الماضي، تأكد رحيل 5 مدربين لأسباب مختلفة، فالألماني يورغن كلوب ترك ليفربول مرفوع الرأس بعدما نجح خلال 9 سنوات في صنع حقبة ذهبية، تكللت بالفوز بكل الألقاب الممكنة، وعددها 7، ولولا وجود مدرب «فلتة» اسمه غوارديولا لأصبحت الغلة أضعاف هذا الرقم. وسبب الرحيل أنه تشبع وبات يشعر بالارهاق. لكن في المقابل فاجأ تشلسي الجميع باعلان رحيل مدربه ماوريسيو بوتشيتينو، رغم النهاية القوية للفريق في الدوري، لكن مصادري تؤكد أن الرغبة كانت متبادلة في فك الأرتباط، فادارة تشلسي الحالية صاحبة العقلية الاستثمارية لم تعجب بالمركز السادس الذي احتله الفريق في النهاية، فيما كان المدرب الأرجنتيني مستاء من تقييد يديه في سوق الانتقالات، فكان الاتفاق على فك الارتباط لكن الاختلاف على من يأخذ القرار، لان الاقالة ستعني تعويضات باهظة لبوتشيتينو ومساعديه، والاستقالة تعني الرحيل المجاني، فكان التوافق على الرحيل مع دفع الرواتب كالمعتاد الى أن ينتهي العقد السنة المقبلة، أو يجد المدرب الأرجنتيني عملا آخر. برايتون أيضا سمح لمدربه المرغوب دي زيربي بالرحيل المجاني على عكس عادة النادي الذي يبحث عن تعويضات للتخلي عن مواهبه، لكن مصلحة الفريق اقتضت أخذ القرار لافساح الوقت لايجاد بديل، خصوصاً بعدما أبدى المدرب الايطالي امتعاضه من التشكيلة ورغبته بضم لاعبين من نوعية معينة لا تتماشى مع سياسة النادي. ديفيد مويز أيضا ترك وستهام بعدما أحرز أكبر لقب في تاريخ النادي منذ 42 سنة، فاستعان النادي اللندني بالاسباني لوبيتيغي. وحتى الهابط بيرنلي، ورغم خيبة موسمه، الا ان مدربه كومباني بات مطلوبا عند الكبار وأبرزهم بايرن ميونيخ. وبحلول وقت قراءة المقالة يكون قد سمعنا عن خبر اقالة مدرب مانشستر يونايتد ايريك تن عاغ بغض النظر عن نتيجة المبارة النهائية للكأس أمام الجار السيتي.
قي بقية أنحاء القارة الأوروبية، كانت الاقالات والاستقالات مستمرة، فأكد برشلونة اقالة مدربه تشافي بعدما فشل في الفوز بأي لقب هذا الموسم، رغم أنه سيشرف على الفريق في مباراته الأخيرة اليوم عندما يحلّ ضيفاً على إشبيلية في المرحلة الأخيرة للدوري. وارتفعت أسهم هانزي فليك مدرب منتخب ألمانيا وبايرن ميونيخ السابق في خلافة تشافي، الذي على ما يبدو دفع ثمن تصريحات «غير مسؤولة» أغضبت الادارة. علما أنه في كانون الثاني/يناير، قال إنه سيغادر في نهاية الموسم، ولكن بعد سلسلة من النتائج الجيدة، اتفق هو والرئيس لابورتا في نيسان/أبريل على البقاء للموسم المقبل.
وفي ايطاليا، أقال يوفنتوس مدربه أليغري بصورة غريبة، بعدما أحرز مسابقة الكأس، لكن القريبين من «السيدة العجوز» كانوا يعلمون أن الامر مسألة وقت، وان تصرفات أليغري الغريبة عقب الانتصار في النهائي أمام أتالانتا، لم يكن سوى العذر الذي استندت عليه الادارة، والآن بات قريبا من تعيين موتا المتألق مع بولونيا. كما أعلن ميلان، فسخ عقد مدربه بيولي الذي قاده للفوز بالدوري للمرة التاسعة عشرة في تاريخه عام 2022. ويمهّد هذا الانفصال الوديّ الطريق لوصول البرتغالي باولو فونسيكا، مدرب ليل الفرنسي.
لكن أكثر الاستقالات أثراً، عندما ودّع المدرب المحنّك كلاوديو رانييري كالياري وأسدل الستار على مسيرةٍ تدريبيةٍ دامت نحو أربعة عقود. حيث بدأ رانييري مسيرته عام 1986 وسُرعان ما قاد كالياري بالذات إلى الدرجة الثانية عام 1989 بعد عامٍ واحدٍ على استلامه تدريبه، قبل أن يصعد به إلى الدرجة الأولى في 1990 ليبقيه بين أندية النخبة في العام التالي. واشتُهر رانييري بإنجاز قيادته ليستر إلى التتويج بالدوري الإنكليزي للمرة الأولى في تاريخه عام 2016، كما أنه يُعدّ شخصية محبوبة في العديد من الأندية التي درّبها رغم قلة الألقاب. وتُوّج بكاس إيطاليا مع فيورنتينا (1996) وكأس الملك (1999) والكأس السوبر الأوروبية (2004) مع بلنسية الإسباني. ودرّب العديد من الأندية الكبيرة في إيطاليا مثل نابولي ويوفنتوس وروما والإنتر، كما له تجارب في إنكلترا أبرزها مع تشلسي، بالإضافة إلى تدريبه بلنسية وأتلتيكو مدريد وموناكو ونانت.