عمان – «القدس العربي»: ضربتان وجهتا مؤخراً بحكم الظرف الموضوعي لمعسكر الموالاة التقليدي في المعادلة السياسية والداخلية الأردنية وبدون أن يتعزز بالمقابل مسار وحضور المعارضة الكلاسيكية ممثلة بالإخوان المسلمين وبقايا اليسار والتيار المدني.
الضربة الأولى طالت عبر الانتخابات البرلمانية الأخيرة نحو 108 على الأقل من أعضاء البرلمان السابق، الذين أصبحوا اليوم خارج معادلة التشريع، سواء بخسارة الانتخابات أو بعدم الترشح لها أصلاً. وغالبية هؤلاء من نواب الماضي لديهم خبرة، وكان لهم دور فاعل في التصدي للمعارضة وحتى للحراك الشعبي، لكنهم الآن خارج الملعب وبدون صلاحيات أو وضوح في المشهد يخص القوى البديلة التي تسلمت زمام الأمور في مؤسسة التشريع وأغلبيتها تنطبق عليها قاعدة «سنة أولى برلمان»، وفقاً للناشط السياسي والحراكي محمد الحديد.
«تخفيف المعارضة» أم «تبديل» نقيضها؟
غالبية الوجوه الجديدة في مجلس النواب الأردني غير معروفة بالخبرة السياسية، وثمة ثقل عشائري ملموس لا يمكن نكرانه يختلط بكتلة ذات أفضلية عددية من المتقاعدين بالخبرة العسكرية، والهدف المفترض -بتقدير الحديد، كما فهمت «القدس العربي»- التجهيز للحلقة الجديدة من «اتفاقية السلام» رقم «2» في قراءة لا يوجد ما يسندها من القرائن الواقعية.
بمعنى آخر، «التركيبة» التي تقود مجلس النواب الجديد غامضة بالنسبة للمشتغلين في العمل السياسي والعام، وقد تذهب بكل الاتجاهات المحتملة وسط انطباع عام بإمكانية ضبط الإيقاع بكل الأحوال، وبدون ضمانات حقيقية بأن لا تظهر موجات فردية مزعجة للحكومة، خصوصاً النقاشات التي تثيرها خلف الستارة الاعتبارات «الجهوية» في تركيبة المناصب العليا.
بكل حال، الاعتقاد سائد بأن «التخفيف من المعارضة» والاعتماد على عناصر الموالاة الكلاسيكية في البنية العشائرية والمناطق والمحافظات هو العنصر المتقدم في حياكة المشهد الانتخابي الحالي، بناء على قانون يعرف الجميع أنه يقود إلى «نهايات معروفة» وبعد انتخابات تجاذبية شابتها الكثير من الملاحظات.
لكن رسوخ الاعتقاد بإمكانية السيطرة على إيقاع مجلس نواب بثقل عشائري ومنضبط وفيه العديد من رموز المولاة الكلاسيكية المستجدة، قد يؤدي بالنتيجة إلى تساؤلات في أوساط الموالاة المألوفة، التي أخرجتها الانتخابات الأخيرة من «المولد بلا حمص» ومن العباءة. وهؤلاء كثر، وبعضهم برسم الغضب والاحتقان.
وما قد تكسبه الحكومة الحالية برئاسة الدكتور بشر الخصاونة من جهة مع مجلس نواب جديد، قد تخسره بالمقابل من تركيبة «مجلس قديم»، خصوصاً أن الزحام على المقاعد والمواقع شديد، والمناصب يسيرة، كما لا يمكن ولا بحال من الأحوال إرضاء الجميع.
بكل حال، المشهد أقرب إلى»مغامرة»، وفي بعض التفصيلات يقترب من صيغة «مقامرة سياسية» وإن كان الهدف المتعلق بتوفير المساحة لوجوه شابة وجديدة قد تحقق بنسبة هندسية متألقة دون معرفة ما إذا كان الاحتواء ممكناً فعلاً بعدما يتوفر للنواب الجدد «أظافر أو مخالب» وأنياب يمكنهم بواسطتها بعد قليل من الخبرة استعمالها في «خدش أو نهش» الحكومة.
أغلب التقدير أن الخصاونة دون وقبل غيره من كبار المسؤولين ستتحمل حكومته تداعيات ونتائج تلك «المغامرة» تحت غطاء «التجديد والتنويع» في التمثيل الاجتماعي بمساحات الولاء التقليدية للدولة. وبالمقابل وبسبب الظروف الاستثنائية، اقتصادياً وإقليمياً وصحياً وفيروسياً، لا أحد يمكنه لا في المؤسسة الأردنية ولا خارجها الادعاء بأنه يمتلك «وصفة» منتجة.
الوصفة الوحيدة التي كانت منتجة، برأي القيادي الشاب في الحركة الإسلامية الأردنية الدكتور رامي عياصرة، هي التكثيف في العمل الإصلاحي والديمقراطي الحقيقي والعميق والجذري.
العياصرة تحدث في نقاش مع «القدس العربي» عن مزاج اجتماعي تحت الإرهاق والمعاناة الاقتصادية، وعن خلل ملموس في إدارة الأمور والمشهدية العامة وغياب لمنهجية الإنصاف الديمقراطي وجدل في منطقة «التمثيل»، وهي كلها عناصر قد تعني التخفيض من «شرعية» البرلمان الجديد وتقصير عمره لاحقاً.
بكل حال، بعيداً عن ما يقوله الإسلاميون وغيرهم، يمكن القول بأن «انحيازات واتجاهات مستحدثة ووجوهاً مستجدة» برزت مؤخراً في هوامش مناورات الولاء التقليدي والسعي للاستقطاب لصالح المسار الرسمي المرسوم عموماً.
لكن روح المغامرة موجودة في الأثناء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشعور أفقي يتنامى حتى في أوساط الموالاة اليوم بأن «الاصطفافات» المستحدثة لم تكن «منصفة» ولم تكن «مفهومة، لا بل كانت «متعسفة» وتثير الاحتقان في بعض الحالات وسط مجتمع تعبر الدولة بالعادةعن هويته السياسية ولا يعاني من مشكلات أنظمة الجوار أو من الانفصال عن الواقع.
«تخفيف المعارضة» كان ملموساً في السياق الأخير، لكنه اليوم محفوف ببعض المخاطر التي جازفت بإغضاب أو إقصاء كثيرين، خصوصاً من الشرائح التي لا يمكن حسابها على المعارضة ولا حتى على «الرأي المستقل».
الشيء نفسه حصل تماماً على صعيد «ملف المال» المقرب بالعادة من السلطات والرواية الرسمية، فبعد عملية «تسمين» استمرت لسنوات بجهد رسمي كان يخطط «للتنوع» في الاستثمار وحركة المال بحيث يستفيد الجميع، حضرت المداهمات والتحقيقيات والتدقيقات الرقابية العنيفة على نحو «عاصف ومفاجئ» وأخرجت العديد من رؤوس الأموال المقربة من السلطات والقرار من معادلة السوق.
تلك أيضاً رسالة «غامرت» نسبياً بحالة كانت قائمة وتوافقية، لكن أوراقها اختلطت الآن، الأمر الذي يفتح شهية السؤال بقسوة عن طبيعة وأهداف ما حصل مع الموالاة على جناحي التمثيل البرلماني والمسار المالي الاستثماري.
ذلك بحد ذاته قد يبدو استفساراً «ظالماً» أو ينطوي على التسرع.
لكن الملموس الواضح أن «المغامرة» إياها، التي «قلصت «إلى حد كبير ألوان المعارضة دون مراعاة توازنات المحاصصة المألوفة، ولدت وتمنهجت وحصلت ونضجت ثم اكتملت لـ»سبب ما» أو أنها حضرت في سياق «ترتيب ما». وسط التساؤلات الحائرة، الوقت فقط سيجيب على كل العالق ليس من الأسئلة، بل من الأجوبة أيضاً.