مغزى اشتباك نابلس

حجم الخط
9

من اللافت أنه في الوقت الذي تجري فيه زّفة إقليمية ودولية لورشة البحرين الاقتصادية، كتوطئة لإعلان صفقة القرن، وإعلان معارضة السلطة الفلسطينية في رام الله لها حتى الآن و»بحزم»، وقع اشتباك مسلح بين قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقوة من الأمن الوقائي الفلسطيني، وذلك في فجر يوم الثلاثاء، الأول من أمس، في مدينة نابلس، ووقعت على إثره إصابتان بسيطتان بين أفراد الأمن الوقائي الفلسطيني.
ما لبث جيش الاحتلال أن أعلن، أن الاشتباك وقع نتيجة خطأ في التشخيص، وذلك بعدما ظنّت عناصر من قواته بأن هؤلاء مسلحون معادون، بمعنى آخر أن الاشتباك وقع مع قوات صديقة، ثم أكد الجيش عن رغبته في التحقيق في الحادث من خلال التعاون مع قوات سلطة رام الله في ذلك، وأعلنت أكثر من جهة إسرائيلية من اليمين والوسط واليسار، عن ضرورة عدم التفريط، وضرورة مواصلة التنسيق الأمني الذي أنقذ وينقذ حياة الكثيرين من الإسرائيليين من عسكريين ومدنيين.
باعتقادي المتواضع أن المبادرة إلى هذا الاشتباك كانت موجّهة من درجات عليا عسكرية وسياسية في إسرائيل، قصد الاحتلال من خلالها تذكير سلطة رام الله بعاقبة وقف التنسيق الأمني، الذي تلوّح به بين حين وآخر، خصوصًا في الشهرين الأخيرين، وذلك ردًا على خصم حكومة الاحتلال حصة من أموال الضرائب المُعادة للسلطة، تعادل الأموال التي تقدمها السلطة لعائلات الأسرى والشهداء، والتي تقدر بـ42 مليون شيكل شهرياً، إضافة لتلويح سلطات الاحتلال بخصم أموال أخرى كتعويضات لعائلات إسرائيليين أصيبوا في حوادث قام بها فلسطينيون، وذلك أن السلطة بنظرهم هي المسؤولة عن كل حادث وتتحمل نتائجه، ويجب أن تدفع تعويضا عنه، هذا يعني أن الطلبات الإسرائيلية في تفاقم مستمر.
جاء هذا الاشتباك الموجّه لتذكير السلطة الفلسطينية بأحداث الانتفاضة الثانية عام 2000، التي استشهد وجرح خلالها الآلاف من العسكريين والمدنيين الفلسطينيين، ودُمّرت فيها معظم منشآتهم المدنية، وذلك عندما اقتحمت قوات الاحتلال الضفة الغربية والمقاطعة في رام الله، وتعاملت مع قوات الأمن الفلسطينية شبه العزلاء، كما لو كانت جيشا نظامياً كبيرا،ً مستخدمة كل أنواع الأسلحة الثقيلة والطيران.

المسألة معقدة فهناك آلاف العائلات التي باتت مرتبطة معيشياً بالأجهزة الأمنية وحل السلطة يعني نشوء أزمة إنسانية واسعة

كذلك ليس من المستبعد أن تكون هناك بالفعل بادرة لوقف التنسيق الأمني في نقطة معيّنة، بمعنى أن هناك من رفض التعاون في حالة عينية، فجاء هذا الاشتباك لتذكير القاعدة من الأمن الوقائي وكذلك القيادة الفلسطينية بأن وقف التنسيق الأمني يعني اعتبار كل مسلح هدفا معادياً، وما يترتب على ذلك من نتائج وضحايا. إضافة إلى هذا، ليس مستبعداً أن يكون هذا الاشتباك والإعلان الذي تلاه عن مواصلة التنسيق الأمني، ليفطّن بأن السلطة ما زالت متعاونة أمنياً، وبناء عليه لا مبرر للبعض في مقاطعة ورشة المنامة الاقتصادية، ويبدو أن قرار المشاركة في الورشة جاهز لدى البعض، ولكنه ينتظر تلك الدفعة الصغيرة لإعلانه.
هذا الاشتباك الصغير لم يسفر عن ضحايا، إلا أنه يكشف حدّة المأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية، وسوف يحتد أكثر وأكثر، كلما اقتربت لحظة الحقيقة والحسم التي تعني، إما القبول بصفقة القرن وإملاءات المستوطنين ومواصلة التنسيق الأمني مهما حصل، أو رفض التنسيق ووقفه، وهذا يعني نهاية دور السلطة، واعتبار السلاح الذي بحوزتها معاديا ومن ثم العمل على الاشتباك لإسقاط السلطة. لا يوجد خيار ثالث، فإما التمسك بهذا السلاح واستمرار التنسيق الأمني، أو رفض التنسيق واعتبار السلاح معادياً من قبل الاحتلال، الأمر الذي يعني حملة عسكرية واسعة ومدمّرة. ليس بعيداً ذلك اليوم الذي ستصبح فيه أسلحة الأمن الوقائي ذريعة وسبباً لهجوم كبير على السلطة، بافتعال اشتباك مثل هذا الذي حدث في نابلس وتطويره وجر الفلسطينيين إلى الرد في معركة غير متكافئة. إذن ما هو الحل لهذه المعضلة؟ هل تتمسك السلطة بالسلاح والتنسيق، رغم كل ما جرى ويجري وسيجري رغم إرادتها؟ أم توقف التعاون وتنتظر استفزازات الاحتلال ومصادرة أموالها بذرائع جديدة، ومن ثم جرّها إلى مواجهة غير متكافئة، وارتكاب مجازر بحق عناصرها المسلحة بذريعة المواجهة العسكرية؟ أم تسعى إلى حل ثالث وهو تسليم هذا السلاح الذرائعي إلى الجهات التي منحته بوساطة ورقابة وحماية دولية؟
لا شك في أن المسألة معقدة وليست بهذه البساطة، فهناك عشرات آلاف العائلات التي باتت مرتبطة معيشياً بالأجهزة الأمنية وغيرها من أجهزة السلطة، وحل السلطة يعني نشوء أزمة إنسانية واسعة، ورغم ذلك، فإن الواقع الحالي لن يستطيع الاستمرار طويلا، فلا دولة ولا حلّ، ولحظة الحسم والحقيقة قد أزفت، وباتت تقرعُ أبواب المقاطعة، لا بل أبواب كل الفلسطينيين.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الشعب الفلسطيني بغزة العزة تحرر من الصهاينة, ولا يتجرأ الصهاينة على دخول غزة إلا بملابس النساء!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    لماذا لا ترجع المقاومة للضفة؟ أين أبطال شهداء الأقصى؟ أبطال حماس بسجون الإحتلال بسبب التنسيق الأمني!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول كمال - نيويورك:

    انها رؤية تشاؤمية و تعكس الوضع الراهن و الخيارات التي أحلاها مر. أقترح تغير الرؤية و التفكير خارج الصندوق و أن نبادر في العمل و الفعل بدل أن نكون في وضعية رد الفعل لفعل يحاول دائما تقزيمنا و قهرنا. فمثلا تنظيم مسيرة عودة مليونية للاجئين الفلسطينيين عبر حدود دول الطوق إلى مدنهم و قراهم في الداخل الفلسطيني و حتى لو قتل الآلاف منهم في هذه المسيرة و خلق واقع جديد. ربما احلم و لكن لابد من عمل فعال و أسلوب خلاق لتغيير الموازين. “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين”

  4. يقول Nazeera:

    ماذا نقول وقد عقد السنانا هذا المقال التحليلي لواقع مرير ..بندقية امام دبابة ..هذا في الضفة الغربية ..الضفة الغربية ليست قطاع غزة ..فكل قرية في الضفة الغربية محاصرة بمستوطنات ..وامثر المستوطنات على قمم جبال او هضاب ..واغلب القرى محاطة بشوارع شقتها اسرائيل في السنوات الاخيرة واسعة ونظيفة وغير مستعملة ..
    صفقة القرن مخطط لها منذ سنوات طويلة ..ومانت في ارشيفات واظهرها ترامب ..
    حال فلسطين يذكرني بحال نيلي كريم في مسلسل اعز الناس او لأعلى سعر ..
    هذا ليس سرا ..انما ما تنفع بندقية امام دبابة ..ربما يبتسم ذاك المناضل الرائع في جنين ويقول لي ..حجر وقف امام دبابة ايام اجتياح جنين ..وأقول وما يجدي حين يشتري الماء دون البئر ذاك العطشان ..
    سلام التسعينات كان اكبر ضحك على الذقون مقابل كرسي وبندقية ..الا انه كان املا ..ونورا في اخر النفق ..
    والآن شبابنا اكثر وعيا ..ومنطقا ..امام المغريات ..
    اللهم الهم ولاة امورنا سبل الرشاد امين امين

  5. يقول Nazeera:

    اعدت قراءة المقال ثانية ..احيانا اسأل نفسي ..دولة دون عملة خاصة بها جيش متكامل خاص بها ..سلطة وطنية تستفزني كثيرا ..وصي على يتيم هكذا تلعب هذا الدور اسرائيل ..هي الوصي الذي يعطي مصروف الجيب ..
    هل هي ولاية ؟ الولايات المتحدة في اميركا مستقلة عن بعضها البعض..كلما امعن النظر في حال فلسطين ..اجدها ولاية تحت وصاية غير مستقلة ماديّا ..وكثيرا ما تجادلت مع اسرائيليين من أجل ذلك ..نقاط التفتيش الحواجز ..لا أفهم هذه الدولة ولا استوعب ما يحدث ..وكلما تعمقت في القراءة والفهم اجد نفسي محاطة بأسئلة كثيرة ..وأجابات كثيرة في كتابنا العزيز القرآن الكريم ..اللهم الطف بنا وبأمور عبادك في الأمة العربية جمعاء ..
    مقال مثير للجدل ورائع بورك فيك استاذ سهيل ..

  6. يقول ختام قيس:

    مساء الخير
    اعتقد ان اللعبة السياسية التي تطبق على أرض الواقع لا تسري عليها أية قوانين انسانية ففي الوقت الذي تذبح ناس وتدمر بيوت هنالك مناصب تشغل وولائم تقام على ارواح هؤلاء المساكين،انا شخصيا شهدت في السنة الماضية عرضين مختلفين على ارض واحدة من جهة كانت تقام الحفلات بادي ملطخة بالدم وتحتها في الطابق الاول مركز الاسعاف الذي نقل العديد من الجرحى وحاول اخفاء جثث لموتى لكي لا تؤخد رهينة ،اعتقد ان السياسة تحرق الاخضر واليابس،بات الانسان مهدد في عقر بيته.
    دمت بخير انت وجميع القراء استاذ سهيل كيوان

  7. يقول رسيله:

    مساء الورد لك استاذ سهيل ولكل القراء والمعقبين ؛ مقاله تحليليه عميقه الفكره قمت كاتبنا بهيكلتها باساس متين من مقدمتها حتى خلاصتها واستنتاجاتها مستشهدا خلالها بالكثير من الحقائق والبراهين الاثباتيه.
    سأبدأ من النهاية مقتبسة قولك: ” فلا دولة ولا حلّ، ولحظة الحسم والحقيقة قد أزفت، وباتت تقرعُ أبواب المقاطعة، لا بل أبواب كل الفلسطينيين ” والتساؤل الذي يطرح نفسه منذ اتفاقية أوسلو اي دولة تلك التي تنتهك حدودها وتغتصب أراضيها ويفرض عليها الحصار والجوع وقلة الموارد والصادرات والواردات ويقتل فيها كل من يتجرأ على رفع رأسه او النطق بشهادة حق والإيمان بقضية أرض وحق شعب او يقضي حياته اسير السجون واي دولة تلك التي تملأها حواجز الجنود وفي كل بضعة كيلومترات يطلب منك فيها اثبات الهويه والوجود ؟؟حدا غدوت تشعر بأنك مطارد في كل مكان فلا الشرق يقبلك ولا الغرب يصفح عنك ! والسؤال الذي يطرح نفسه : من المستفيد من وراء كل ذلك ؟( يتبع)

  8. يقول رسيله:

    ( التكمله) والمقال ثري بالجواب وساعاود الاقتباس مرة أخرى: ” لا شك في أن المسألة معقدة وليست بهذه البساطة، فهناك عشرات آلاف العائلات التي باتت مرتبطة معيشياً بالأجهزة الأمنية وغيرها من أجهزة السلطة” اذا فإن في بقاء السلطه أناسا مستفيدين ينعمون بالثراء والغنائم وهم معنيون ببقاء التنسيق الأمني مع النظام الحاكم بهدف ضمان مصالحهم الشخصية ، وماذا عن باقي الشعب الكادح هل هو قادر على الثورة وعلى قرع ابواب المقاطعة ام انه كما يقول المثل :” بين حانا ومانا ضاعت لحانا” هنالك من يشعر بضرورة اشعال فكره من أجل ضمان مصالحه الشخصيه وهنالك من يفضل إشعال أحاسيسه من أجل ضمان العيش بكرامة وعز ايمانا منه بقضية ما، وكما غنت الرائعة شرين مؤخرا :” يا بتفكر يا بتحس لا ما فيك توقف بالنص ولا فيك تاخد كلشي نقي واحد منن بس يا بتفكر يا بتحس”.
    استاذ سهيل رائع جدا ما قرأت كروعة ان تحب ارضك وتحيا حرا عزيزا كريما في رحاب جبالها سهولها ووديانها وانهارها مستنشقا هواءها دمت كاتبا فلسطينيا مناضلا من أجل قضايا شعبه باحثا عن الحقيقة الكامنة فينا .

  9. يقول رؤوف بدران -فلسطين:

    لقد استفزني مقالك هذه المرة اخي الغالي سهيل, لاننا نستشف من خلال سطوره وكأننا (نحن الفلسطينيون) مقيدين بسلاسل الاحباط وتصرفات العبيد ؟!!
    عشت في نابلس وترددت عليها ما يقارب السنتين, واكاد اجزم ان شباب نابلس من اكثر المخلوقات شجاعة وفهم, فَهم اذكياء نبهاء وشديدي المراس في آنٍ واحد, وهم اي الامن الوقائي لا لقمع اهاليهم في الضفة ولكنهم كالاسود متربصون للانقضاض على فريستهم (عدوهم) عندما تحين الفرصة لذلك !!! هناك في حي القصبة وسوق البصل وحارة الياسميني في نابلس مدينة جبل النار وجرزيم هناك ترقد الاسود وتفتل الزنود من اجل ازاحة الضيم عما هو موجود,!!
    لا كثرة الوعود ولا تعداد المؤتمرات ولا قرارات الوزارت تبدل من بديهيات الامور وحتمية المصير وهو العودة الى ما كان وليس التقوقع بأي مكان والسلام.

إشترك في قائمتنا البريدية