تجرأ السفير الأمريكي في إسرائيل، توم نايديز، أول أمس، قبل ثلاثين يوماً على انتهاء فترته، على التغريد بتغريدة حقيقية؛ فقد ذكر في الوقت نفسه (يصعب تصديق هذه الجرأة) ضحايا الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين مع ضحايا العملية في “عيلي”. جاء الغضب الإسرائيلي على الفور: السفير مايك هرتسوغ، الذي لا نسمع منه الكثير، قال من واشنطن “إدانة متوازنة لا تحترم الضحايا”. وعنونت “يديعوت أحرونوت” أقوال السفير “مقارنة مثيرة للغضب”، وكأن الأمر يتعلق بحقيقة وليس بموقف مشكوك فيه، أما اليمين فصرخ كالعادة.
لم يتأخر تراجع السفير؛ ففي اليوم التالي أدان نايديز بشكل منفرد القتل غير المنطقي في “عيلي”، وبهذا وضع حداً للخلط الممنوع في إسرائيل بين قديسينا والأنجاس. في جنين هؤلاء مخربون، أما من يسكنون مستوطنة “عيلي” فهم أصحاب الأرواح الطاهرة، بكلمات أخرى، يهود.
سديل نغنغية، وهي فتاة عمرها 15 سنة، وقفت فوق سطح بيتها في مخيم جنين مع والدها عدنان لمشاهدة ما يحدث. أطلق جندي إسرائيلي النار على رأسها أمام ناظري والدها، وأمس توفيت متأثرة بجروحها. لماذا محظور على السفير الأمريكي ذكرها في نفس الوقت مع المستوطن نحمان شموئيل مردوف، الذي يكبرها بسنتين وقتل في “عيلي”؟ هل دمه أكثر حمرة؟ وهل قتله إجرامي أكثر؟ بماذا؟ لماذا اعتقد السفير هرتسوغ أن المقارنة بينهما لا تحترم الضحايا؟ بسبب الخلط بين الدم اليهودي والدم الآخر؟ كانت سديل ضحية عملية هجومية متوحشة ومنفلتة العقال ارتكبها الجيش الإسرائيلي، والذي في “عمليات الاعتقال” التي يقوم بها والتي في معظمها لا جدوى لها أو شرعية، على قناعة بأنه مسموح له فعل أي شيء، بما في ذلك إطلاق النار على كل شيء يتحرك.
قتلت سديل أثناء مقاومة مخيم جنين للاجئين لغزو جنود الجيش الإسرائيلي، ومحاولة الدفاع عن أنفسهم وعن المخيم من العدوان الإسرائيلي، الذي يشمل اختطاف أشخاص من بيوتهم وزرع الرعب في المخيم. ليس كل قتل لفلسطيني مشروعاً، خصوصاً أثناء عملية عسكرية حتى لو كانت للجيش الإسرائيلي. وليس كل مقاومة غير شرعية.
كان نحمان ضحية لعملية عنيفة لمقاتلين فلسطينيين كانتقام على عملية القتل في جنين وكمقاومة ضد مستوطنة “عيلي”. المطعم ومحطة الوقود أقيما على أراض فلسطينية مسروقة. من الأفضل عدم التدقيق في نظرية الأخلاق ونسأل أي قتل كان هو الأكثر إجراماً. من الأفضل القول بأنهما، سديل ونحمان، كانا ضحيتين صادمتين ولا يمكن تجنب ذلك لواقع لا يطاق، والذي يجب إنهاؤه.
إسرائيل لا تهتم إلا بالضحايا الإسرائيليين، وتتجاهل الضحايا الفلسطينيين السبعة في جنين، الذين لم يكن لهم اسم أو سيرة ذاتية أو صورة أو تراث إنساني. جميعهم كانوا “مخربين”، هذه هي كل القصة. “داغو”، الكلب في الجيش الإسرائيلي الذي أصيب وتم علاجه في المستشفى إلى جانب الشاويش ي. بعد اجتياز فحوصات متقدمة، حصل على نشر صورته وعلى اهتمام أكبر من الاهتمام الذي حصلت عليه سديل عند موتها.
سديل كانت فتاة جميلة ولدت وترعرعت في مخيم جنين، والدها مدير الصيانة في مسرح “الحرية” في المخيم. المدير السابق للمسرح، يونتان ستانتشك، الإسرائيلي الذي يعيش الآن في السويد، قام بالحداد على سديل أمس. عائلتها كانت جارة قريبة منه خلال عشر سنوات، التي عاش فيها هو وعائلته في المخيم. في الصيف الماضي، استضاف عدنان في مزرعته في السويد.
قال ستانتشك إنه لم يسمع في أي يوم من الأب أي أقوال غاضبة على اليهود أو الإسرائيليين، رغم أنهم هدموا بيته ثلاث مرات وقتلوا شقيقه، وابنه الآن في السجن، وأمس قتلوا ابنته. كانت سديل صديقة ياسمين ويميرو، ابني عائلة ستانتشك، كانت تلعب الليغو مع ياسمين وترعى يميرو. كتب ستانتشك أمس بأن سديل كانت بنتاً رائعة. أحياناً لعبت مع ابنته وكأنهما تجلسان في مقهى، لم يكن موجوداً في مخيم جنين وحتى كان من الصعب الحلم به.
جدعون ليفي
هآرتس 22/6/2023