مقاطعة اسلاميي الاردن للانتخابات

رأي القدس ليس غريبا ان يواجه الاردن ازمة سياسية حادة، فالمنطقة العربية كلها مأزومة هذه الايام، ومن النادر ان توجد دولة لا تعاني من اضطرابات او احتجاجات او حتى حرب اهلية، والدول التي تعتقد انها محصنة تجلس على فوهة بركان سينفجر في يوم ما ان عاجلا او آجلا.الغريب في حالة الاردن هو طريقة معالجة السلطات للحراك الشعبي المطالب بالاصلاحات الديمقراطية الحقيقية، ونحن نتحدث هنا عن قانون الانتخاب الجديد الذي من المفترض ان تجرى على اساسه الانتخابات النيابية المقررة في مطلع العام الجديد.جبهة العمل الاسلامي التي تمثل حركة الاخوان المسلمين التنظيم الاكبر في البلاد اعلنت بالامس مقاطعتها للانتخابات النيابية على اساس هذا القانون الذي اقره البرلمان، وقالت انه قائم على ‘الصوت الواحد’ المجزوء الذي رأت انه ‘تأكيد على غياب الارادة السياسية للاصلاح’.كان لافتا ان الاحتجاج على قانون الانتخاب الجديد لم يقتصر فقط على الاخوان المسلمين، بل امتد الى الاحزاب القومية واليسارية التي اعتصم ممثلون عنها امام البرلمان ورشقوه بالطماطم، وهتفوا ضد رموز الدولة وطالبوا باسقاط الحكومة واعضاء البرلمان.ويصعب علينا ان نفهم اصرار السلطات الاردنية على اصدار قانون انتخابات يتعارض مع المطالب الشعبية، او نسبة كبيرة منها، في مثل هذا الظرف الحرج الذي يشهد فيه الاردن حراكا شعبيا يطالب بالاصلاح السياسي.مقاطعة احزاب المعارضة، وجبهة العمل الاسلامي على وجه الخصوص للانتخابات المقبلة، هي وصفة لتصعيد الاحتجاجات التي يمكن ان تتطور الى صدامات مع الامن، مما يشكل تهديدا لاستقرار الاردن راس مال البلد الابرز وان لم يكن الاوحد.هناك اجماع في الاردن على ان البرلمان الحالي هو احد ابرز وجوه الازمة السياسية، لانه برلمان مزور لا يجسد طموحات الشعب في الديمقراطية والتمثيل الحقيقي لفئات المجتمع الاردني والوان الطيف السياسي. وكان المأمول ان يؤدي قانون الانتخاب الجديد الى اصلاح هذا الخلل والتأسيس لبرلمان جديد اكثر تمثيلا خاصة للقوى الجديدة ويتناسب مع ثقل وحجم قوتين اساسيتين وهما التيار الاسلامي والاردنيون من اصل فلسطيني.قليلون هم الذين يؤيدون القانون الجديد حتى داخل البرلمان الاردني نفسه، ويتضح ذلك من تصويت 57 نائبا لصالحه من اصل 72 نائبا حضروا جلسة التصويت من مجموع اعضاء البرلمان البالغ عددهم 120 نائبا، مما يعني ان 48 نائبا قاطعوا الجلسة للتعبير عن معارضتهم الضمنية للقانون.فمن غير المنطقي ان يقر النواب 60 مادة في القانون الجديد في يوم واحد مما يعني ان الموافقة جاءت ‘مسلوقة’ ودون اي دراسة او تمحيص، وهو امر يعيد التأكيد على مدى ضعف هذا البرلمان وفقدانه للمصداقية التشريعية الحقة بالتالي.مجلس الاعيان، المعروف بمجلس الملك، هو الامل الاخير بانقاذ الموقف، وعدم التسرع باقرار هذا القانون في صيغته النهائية وبما يؤدي الى رفعه للقصر الملكي لاقراره، ولعل ما قاله السيد طاهر المصري رئيس المجلس امس من ان المجلس سيعطي هذا القانون وقته في التمحيص والتأمل والنقاش هو بارقة امل في هذا الخصوص.الاردن يحتاج الى اصلاح سياسي حقيقي وبرلمان قوي في تمثيله وادائه يمارس دوره في التشريع والمحاسبة، ولا نعتقد ان القانون الجديد في صيغته الحالية سيصب في هذه المحصلة، ونخشى ان تنجرف البلاد الى المزيد من الاضطرابات اذا لم يتم تدارك الامر بسرعة.Twitter: @abdelbariatwan

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية