اتحاد الدراسات الامريكية، الذي يعمل في الجامعات وفي الكليات في الولايات المتحدة، هو اتحاد متطرف في ارائه، متوسط في حجمه ومحدود في نفوذه. لقرارها بفرض مقاطعة على مؤسسات اكاديمية في’اسرائيل توجد قيمة عملية محدودة، اذا كانت توجد على الاطلاق. ورغم كل هذا، فان البيان الذي نشره الاتحاد أمس، حول تصويت اعضائه الى جانب ‘دعم واحترام نداء المجتمع المدني الفلسطيني بمقاطعة المؤسسات الاكاديمية في اسرائيل’، يشكل انجازا رمزيا وهاما لحركة المقاطعة العالمية، ويرفع اشارة تحذير بارزة لاسرائيل ومؤيديها. يحطم القرار حواجز ويشكك في المسلمات. وهو يدخل الجدال على فرض المقاطعة الى قلب المؤسسة الاكاديمية في امريكا. وهو يحول المقاطعة السابقة، التي فرضها اتحاد الدراسات الآسيوية المحيط الهادىء الامريكية في نيسان من هذا العام، من حادثة هامشية الى ظاهرة حقيقية. لا يكمن الخطر فقط، بل وليس بالاساس، في أن تقف اتحادات اخرى الان في الطابور كي تنضم الى المقاطعة. فاتحاد الدراسات الامريكية ليس الاكبر والاكثر تأثيرا بين الاتحادات الاكاديمية، حتى مقارنة بالاتحادات الموازية التي تعنى في مجالات الدراسة المشابهة، مثل اتحاد الدراسات التاريخية الامريكية. ويعتبر اتحاد الدراسات الامريكية متطرفا نسبيا حتى بالمعايير الاكاديمية الليبرالية. فالروح التي تسود الاتحاد في العقود الاخيرة تتجه نحو ‘تحطيم الاساطير’ حول تفوق الانسان الابيض وتميز امريكا، تعظيم رواية النساء، السود والمهاجرين في التاريخي الامريكي الدارج، والاحتجاج والانتقاد للنهج الامريكي تجاه العالم الثالث وكنتيجة لذلك تجاه الفلسطينيين ايضا. ان بيان ادارة الاتحاد، قبل نحو عشرة ايام في أنه سيطرح على التصويت قرار المقاطعة، أثار موجة من الشجب والاحتجاج على طول وعرض العالم الاكاديمي في امريكا. واحتجت المنظمة العليا للمحاضرين في الجامعات على مجرد حق الاتحاد في فرض مقاطعة اكاديمية جماعية، بينما آخرون، بمن فيهم رئيس هارفرد السابق لاري سامرز، الصديق المقرب من الرئيس براك اوباما، وصفوا المقاطعة، ‘باللاسامية عمليا’. لا يفترض بقرار الاتحاد ان يضر باكاديميين اسرائيليين افراد. كما أن الفرص العملية لدى الاتحاد لفرض ‘مقاطعة مؤسساتية’ على مؤسسات اسرائيلية نادرة جدا. ان الضرر الاساس للقرار هو في مجرد اتخاذه: فهو من شأنه أن يجعل اسرائيل والبحث مع او ضد المقاطعة، مادة حامية الوطيس على طول وعرض العالم الاكاديمي في امريكا. وهو سيجند المنظمات اليهودية والطلاب المؤيدين لاسرائيل في حرب ابادة ضد الاتحاد وممثليه، والى ردود فعل مضادة، بالطبع، من جانب مؤيدي المقاطعة في اتحادات اخرى ايضا. ان اسرائيل ستقف، في غير صالحها، في عين العاصفة. وهي ستتحول من اجماع الى موضوع مختلف عليه. وهي ستقتلع من مكان مريح، يوجد فيه لها اساسا ما تخسره، وستعلق في ساحة بدأت فيها، كما أسلفنا، حركة الاحتجاج الكبرى المؤيدة للمقاطعة والمناهضة لنظام الابرتهايد في جنوب افريقيا. اذا لم يوجد السبيل لوقف حالة الزخم، فان تأييد شرائح واسعة في نخب المستقبل الامريكية، سيكون، مثلما كان في حينه، في خطر حقيقي.’