خمسة ايام، فقط، تفصلنا عن يوم الانتخابات للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، في السابع عشر من شهرنا الحالي. خمسة ايام، في دول ومناطق كثيرة في العالم، هي مثل دقيقة من دقائق زمننا في هذا «الشرق الأوسط» المتفجّر. في بلاد كثيرة تحتل حالة الطقس المتوقعة في اليوم التالي عناوين ومانشيتات كبرى صحفها ووسائل الإعلام فيها، وأما منطقتنا فتخصص لحالة الطقس فيها أسطرا معدودة في صفحة داخلية، لتخلي عناوينها وغالبية صفحاتها وزمن بثها لقضايا متفجرة وفورية، قد تكون حاسمة في تأثيرها على ملايين من بشر هذا الشرق الأوسط المنكوب.
واحد من أسباب ذلك هو إسرائيل. بدايةً: إنشاؤها وإقامتها، ولاحقا: «توسعها» وسياساتها.
يروون عن وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، هنري كيسنجر، قوله بعد لقاء مع رئيسة الحكومة الإسرائيلية في حينه، غولدا مائير، قوله: «إن لإسرائيل سياسة داخلية، وهذه السياسة ترسم وتحدد سياستها الخارجية». بمعنى: أن الصراعات والاختلافات والخلافات بين أحزاب إسرائيل وفئات مجتمعها، هي التي ترسم وتفرض سياستها الخارجية، بكل ما لتلك السياسة من علاقة بالسلام والحرب والتحالفات وغير ذلك الكثير.
عرفت من صديق لي، قبل عقود، أنهم في الصين يتمنّون لِمَن لا يحبّونه «حياة حافلة». ونحن نعيش في هذه المنطقة من العالم، لسوء حظنا، «حياة حافلة». هذه حقيقة حياتنا منذ عقود كثيرة، حتى لا نقول منذ أكثر من قرن وربع قرن من الزمان. لكن هذه الحياة تصبح «حافلة جداً» في مواسم الانتخابات، حيث تتصارع وتتنافس القوى السياسية على أصوات الناخبين بمزايدات وإعلان مواقف متطرفة، مع كل ما في ذلك من انعكاسات على حياة مواطنيها وحياة شعوب الدول القريبة والبعيدة أيضا.
لكن هذه الحقيقة الثابتة بشكل عام، تصبح أكثر حدّة ووضوحا، وخطورة أيضا، عندما تكون معركة الانتخابات الإسرائيلية الحالية على ما هي عليه هذه الأيام، من حيث حجم الاستقطاب غير المسبوق في المجتمع الإسرائيلي، البالغ اليمينية والتطرف.
ما نراه من خطورة تفجر الأوضاع في هذه الأيام الخمسة المقبلة، التي تفصلنا عن الانتخابات الإسرائيلية، (وربما في الأسابيع التالية لها في حالة نجاح نتنياهو وحزبه في تشكيل الحكومة المقبلة، وهو أمر مشكوك فيه)، يعود لأسباب عديدة، لكن أهمها سببان:
1ـ شخصية وقناعات وإيديولوجية رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأكثر من ذلك بكثير: وضعه الحالي كذئب/ثعلب جريح، يواجه احتمال تقديمه الى المحكمة بتُهَم رشاوى وسوء ائتمان وغير ذلك. هذا الوضع الذي هو فيه، قد يدفعه الى جر إسرائيل الى مغامرات عسكرية، بدأت شراراتها الكثيفة منذ اسابيع، بالتحرش بإيران والعراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة. وكل ذلك على أمل أن تنقذه هذه التهويشات من مصيره، شبه المحتوم، بإدانته وسَوقه الى السجن.
2ـ شخصية وقناعات واسلوب قتال رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي، افيف كوخافي، الذي تسلم منصبه الحالي في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي. كوخافي هذا معروف بدمويته البالغة وتهوره. لا يعني ذلك أنه جنرال دموي يقود جيشا من الحِملان. فكل الجيش الإسرائيلي هو جيش احتلال واستعمار، موبوء بالعنصرية. الا أن كوخافي فاق غالبية الدمويين من جنرالات الجيش الإسرائيلي الآخرين بـ«إبتكاراته». يكفي للتدليل على ذلك انه عندما كان قائدا لسلاح المظليين في الجيش الإسرائيلي، سنة 2002، تم تكليفه بالسيطرة على مخيم بلاطة، قرب نابلس، اثناء ما سمّته إسرائيل «عملية الدرع الواقي»، التي بدأت يوم 29.3.2002.
إن الصراعات والاختلافات والخلافات بين أحزاب إسرائيل وفئات مجتمعها، هي التي ترسم وتفرض سياستها الخارجية، بكل ما لتلك السياسة من علاقة بالسلام والحرب والتحالفات وغير ذلك الكثير
في عملية السيطرة على مخيم بلاطة، «ابتكر» كوخافي ما سماه «الهندسة المعكوسة»، وذلك بدخول بيوت المخيم من خلال جدرانها، نعم جدرانها، وليس من خلال أبوابها او شبابيكها حتى، حيث استعان بآليات الجيش الهندسية لفتح ثغرات في جدران بيوت المخيم، ليدخل من خلالها جنود جيش الاستعمار الإسرائيلي، بدل استخدامهم لشوارع وأزقّة المخيم الفقير. بل وتفاخر كوخافي والجيش الإسرائيلي بهذا العمل التدميري البشع، الذي أقدم عليه جيش نظامي بالغ القوة والامكانيات، في اجتياح أهداف مدنية فقيرة، واطلقوا على هذا الاسلوب الإجرامي اسماً جديدا، هو «الهندسة المعكوسة»، حيث تعني الهندسة علميا البناء والتشييد، في حين يعني عِلم هندسة كوخافي الهدم والتدمير.
يجدر بنا هنا، ونحن نستعرض بعض تاريخ نتنياهو وكوخافي، أن نتذكر الدور الحاسم لقادة الجيش الإسرائيلي والموساد والشاباك، (المخابرات الإسرائيلية)، سنة 2012، الذين تصدوا لنتنياهو ووزير دفاعه، في حينه، ايهود براك، ومنعوا ما خطط له هذان الإثنان من مغامرة دموية، بقصف أهداف ومواقع إيرانية، بذريعة الحؤول دون تمكين إيران من انتاج قنابل ذرية، تردع بها إسرائيل، التي تملك ترسانة من تلك الأسلحة، (حسب مصادر اجنبية).
كل هذا في البال ونحن نتابع التطورات على الساحة الإسرائيلية. لكن ما هو دورنا كفلسطينيين، في هذا الأسبوع بالذات؟. وما العمل؟؟.
دور الفلسطينيين في داخل إسرائيل، (او قل «فلسطينيي داخل الداخل»، تمييزا لهم عن «فلسطينيي الداخل» في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعن «فلسطينيي اللجوء والشتات» خارج ارض فلسطين)، هو الأهم، حتى لا نقول الوحيد، في لعب دور فاعل ومؤثّر في بناء معادلة ما قد تسفر عنه هذه الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
تقول الإحصائيات: عدد أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل هو ستة ملايين و400 الف شخص. يقيم منهم في إسرائيل خمسة ملايين و800 الف شخص. يشكل اليهود بين هؤلاء 79٪، ويشكل العرب الفلسطينيون بينهم 16٪، (العرب الفلسطينيون في إسرائيل أكثر قليلا من 20٪، لكن أصحاب حق الإقتراع 16٪ فقط، لأن نسبة من هم دون سن الـ18 سنة، الذي يسمح بالإقتراع، أعلى منها مقارنة مع نسبة هؤلاء بين اليهود هناك). وأما الـ 5٪ الباقين فهم إسرائيليون مسيحيون وغير دينيين.
16٪ ممن يملكون حق الإقتراع، في هذه الانتخابات للكنيست، (البرلمان الإسرائيلي)، ذات الـ 120 مقعدا، تساوي 19.2 مقعدا. ما يعني أنه لو تساوت نسبة المصوتين بين اليهود والفلسطينيين في هذه الانتخابات، ولو صوت جميع المقترعين الفلسطينيين لمرشحين عرب فلسطينيين، فإنهم سيوصلون الى الكنيست 19 عضواً.
طبعا هذا غير ممكن عملياً، لأسباب عديدة، لا مجال للتوسّع فيها هنا. ولكن عدم التوسع لا يعفيني من تسجيل ملاحظتين:
أولاهما: أن العقل السليم، والمنطق البسيط السليم، يكمن في التركيز على الإيجابي في كل شأن من شؤون الحياة المليئة بالايجابي والسلبي. التركيز على نصف الكأس المليئة، وليس نصف الكأس الفارغة. لي، مثلاً، وجود أيمن عودة، (وخاصة بعد اطلاعي على ما قاله في مقابلة أجراها معه ناحوم برنياع قبل اسبوعين)، على رأس «القائمة المشتركة»، تدفعني بقناعة كاملة الى منح صوتي لها، رغم وجود عضو او اعضاء في تلك القائمة، لا اعتقد بانني أكون مرتاح الضمير عندما امنحهم صوتي. وقد، بل وبالتأكيد، هناك عشرات الآلاف من اصحاب حق الاقتراع الذين قد يكون تصويتهم للقائمة المشتركة بسبب وجود هذا العضو او غيره في تلك القائمة. هذا جيد. قرار النظر الى النصف المملوء من الكأس هو قرار حكيم.
ثانيهما: كل صاحب حق اقتراع من العرب الفلسطينيين حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية، يعرف بالتأكيد، أن «شيخ» العنصرية الإسرائيلية، هذه الايام، بنيامين نتنياهو، يضع كل العراقيل لمنع أكبر نسبة من العرب الفلسطينيين أصحاب حق الاقتراع في هذه الانتخابات، من حقهم في التصويت. وسؤالي هنا: كيف لقومي عربي ولوطني فلسطيني أن يسمح لنفسه بتنفيذ ما يتمناه ويعمل لفرضه نتنياهو ومن معه من العنصريين اليهود الإسرائيليين. لا أسعى بهذا الى إقناع أي كان من «شيوخ» المقاطعة بالمشاركة والتصويت. ما اسعى اليه هو دفع كل واحد من هؤلاء المقاطعين الى اعادة التفكير في قراره. وأعرف أن من تسعى لإقناعه بصوابية رأيك، وبخطأ وخطل رأيه، حتى وإن اقتنع، تبقى لديه مشاعر حقد عليك. هكذا يقول علماء ومتخصصون في علوم النفس. ما اسعى اليه هو دفع هؤلاء المقتنعين بصوابية قرارهم لمقاطعة الانتخابات في إسرائيل، الى الشك بصوابية قرارهم هذا، مع أمل كبير ان يصلوا الى القرار السليم.
كاتب فلسطيني
أعتقد أننا نمر الآن بمرحلة جديدة في صراعنا مع الصهاينة الذين يشنون حرب شعواء علينا في إستمرار بنائهم لإسرائيل الكبرى التي تبلع كل فلسطين واراض عربية مجاورة، وتحضيراً لنكبة جديدة وتطهير عرقي جديد. إنها حرب وجود وعلينا التصدي لها بكل الوسائل وكل الطرق. لذلك لا يوجد أي مبرر لأي فلسطيني لا يصوت للقائمة المشتركة. نتنياهو يحاول بأقصى جهوده لكي يخيف الفلسطينيين داخل أراضي ال 48 لكي لا يصوتوا، كما حاول في الإنتخابات السابقة، ومن خلال محاولات وضع كمرات تصور الذين يصوتون. يخوف النتنياهو الشعب الفلسطيني بالكاميرات؟ ولماذا يخيف ذلك الفلسطينيين من التصويت؟ أقترح على كل فلسطيني بعد أن يصوت أن يبحث عن الكاميرا (هذا إن كان هناك كميرات ولا أعتقد ذلك)