مقاه للنساء وصالونات تجميل للرجال…انتهاكات بالجملة في الجزائر: فضاءات وردية في زمن التحرّش!

إنّه الوحش المخيف، الذي يزداد ويتقوى، كلما تقدّمنا وكلما تعلمنا وكلما انفتحنا على المجتمع والمؤسسات والعالم. تريد المرأة أن تخرج من قمقم القمع والسلطة الأبوية الجائرة المجحفة.
عذرا للآباء ولأصحاب الهمم الذين ساهموا في تحرير البنات والنساء ووقفوا أمام الجدران العازلة والوعي الأخرق الأصم الأبله، الذي حول المرأة لملكية صامتة جميلة كانت أم قبيحة تعبث بها رياح التزمت. طاقات نسائية هدرت وضاع حقها في التعليم وتحصيل المعارف، وكان بإمكانها أن تقود أمما بأكملها. مرعب تكبيل المبادرات وطاقات التحدي الكامنة.
تظهر بوادر انفراج للنساء اللواتي يرتدن الأماكن العامة وخرجن من سجن الأسر والقبائل والأعراف البالية إلى سجن كبير يقطر رطوبة وكمدا يسمى الفضاء العام، ينفجر كالبركان في وجه النساء. التحرش ومشتقاته. لكل تجارة تكتب عليها السلعة ومشتقاتها فللبيض مشتقات وللزجاج مشتقات وللرخام مشتقات. على وزن الحليب ومشتقاته، كذلك للتحرش مشتقات وسوابق ولواحق وآثار على المرأة والمجتمع برمته.
فكرة المقاهي النسائية التي بدأت في الظهور في مناطق عديدة في الجزائر، في مناطق داخلية، شمالا وجنوبا، مرورا بالمدن. كما هو الحال في ولاية الجلفة، فالأمر هنا يعتبر كثورة في مجتمعات ترفض أن يكون للنساء مقاه. وكيف للمرأة أن يكون لها مزاج في ارتشاف القهوة في مكان غير البيت، في مكان ذكوري، يتطاير منه دخان السبسي والسجائر. هذا ما يجعل المخيال الجماعي غير متقبل لفكرة ارتياد النساء للمقاهي وتضييع الوقت بها، وتملك فضاء ذكوريا بامتياز.
قد يكون المقهى فكرة استثمار مختلف لصاحبته التي كانت مغتربة، كفضاء استرخاء ودردشة بين النساء في ديكور جميل. وكم تكون النساء بحاجة لمثل هذا الاسترخاء من أعباء الحياة اليومية. وليس المقهى للاستهلاك والاسترخاء، بل للقراءة، مشروع الشقيقات الثلاث في بريكة في الشرق الجزائري خصصن فضاء مقهى وكتاب للنساء، تجسيدا لحلم والدهن لتشجيع الشباب والشابات على القراءة جسدن المشروع في قاعة بسيطة من أجل النساء في ظل الحصار المضروب على النساء وانعدام المرافق العامة، فوجدت الكثيرات ضالتهن في المكان المفعم بالراحة والثقافة والذي يفتح على ندوات ونقاشات تخصص لفكرة أو لظاهرة ما. هكذا تتكرر التجارب من الشرق إلى الجنوب الغربي في أدرار ومقهى ومطعم “لك سيدتي” استثمارات نسائية لاستقطاب النساء ولتلوين الفضاء العام واخراجه من قتامته ولو نسبيا. محاولات تستحق التنويه والتشجيع.
قد تستمتع المرأة للحظات بالهدوء من المضايقات الكثيرة المتكررة، التي لم تعد تطاق، في الشارع، في الأسرة وفي مؤسسات العمل. في كل الأمكنة والفضاءات مهما بلغت درجة عقلنتها وشياكتها وعفتها الظاهرة فهي لا تلبث أن تتحول أماكن مشبوهة على النساء، تنزع منهن إنسانيتهن وتعامل في أقدس المؤسسات، التي ساهمت في رقي الفكر ومسارات النساء الصاعدة الواعدة. تعامل كمجرد إناث، تجرد من الألقاب ويرمى بفكرها في سلة فضلات مقيتة.

وسائل نقل نسائية وردية

تحتاج المرأة لتاكسيات وردية تقودها نساء ولنقل عام وردي ولفك الحصار، الذي يزداد يوما بعد يوم عليها. أمام صمت وتواطؤ الجميع لا بد من أن تمسك المرأة مقاليد الفضاء العام وتعدل سير الطرقات وتؤمن الجلوس في الحافلات. لا داعي للصراخ وللقول إنّها عودة لـ”الحرملك” أو “حريمية” جديدة، فالأسوأ جربته المرأة التي لا ينظر لفكرها ولما تتجه من معارف وخدمات بل تخترقها الأشعة فوق البنفسجية والحمراء ما إذا كانت جميلة لذيذة طيعة لتفتح أمامها السبل وتفرش لها الزرابي الحمراء المسننة بالأشواك.
لا ننادي بفصل جنسي عنصري يرجع بالمرأة للوراء، لكن نطالب بمزيد من الاحترام وجعل المرأة تتنفس دون أن تكتم انفاسها إلى الأبد. أن نتجنب ذئبية الرجل وافتراسيته. كيف وصلنا إلى هذا الحد. المرأة أنثى وضحية وهي سبب المصائب الواقعة عليها، بحجاب أو خلف جلباب أو بجينز أو تنورة قصيرة. طفلة أو شابة أو امرأة أو عجوز. هل انحرفت المعايير والقيم إلى هذه الدرجة. هل فرغت عيون الرجل ولا شيء يملأها. أم أصبح وجود المرأة في حد ذاته مصدر إزعاج وأرق لعيون ذكورية لا تنام. كان المتحرش يشار له بالبنان في المجتمع التقليدي، وأصبح اليوم المهذب من يغض بصره “الدقة القديمة” هو الاستثناء.

الذكورة في الميزان

شباب يتهافت على تسريحات الشعر الغريبة الملعونة، وأطفال يوبخون من طرف المعلمين والأساتذة. القزع والفزع في كل مكان. للأمانة وللتاريخ تسريحات الشعر كثير منها عاد وكانت تسريحات شعر تقليدية وغابرة في القدم. مثلما عادت تسريحات النساء البوستيشات ووَصْل الشعر والجدائل المعلقة في الصالونات والتي تباع بآلاف الدينارات كانت تباع مثلها وتصنع منذ قرون وتعرض في الأسواق العامة، ونزلت فيها نوازل فقهية …الخ

الرجال ينافسن النساء على التزين

التهافت بلغ أقصاه،اعتناء بالبشرة وتنظيف الوجه بالصالونات و”البوتوكس”. كل ما كان حكرا على النساء استحوذ عليه الرجال. الدنيا دوارة.
“الجزائرية وان” ومنذ عدة أشهر تتابع من خلال برامجها، كـ”القصة وما فيها”، تسريحات الشعر الغريبة والجديدة وطرق التجميل الرجالية. من صالونات متواضعة بتقنيات رفيعة. صالون “المغراوي” في ضواحي العاصمة وتقنية الفتلة التي تعلمها في ليبيا أثناء العشرية السوداء في الجزائر. نتف الشعر بالخيط الضرورية في صالونات الحلاقة في ليبيا.
يقول المغراوي عن تقنية الفتلة إن لم تكن موجودة في صالونك في ليبيا لن يأتيك الزبائن، تعلمها هناك وأدخلها للجزائر، ويمارسها باحترافية وسلاسة منذ 2003. في المقابل وغير بعيد عن صالون المغراوي صالون عمي محمد التقليدي في أدواته، لكنه أكثر اتساعا وإضاءة ومهارة فهو من المعارف، التي لا يمكن أن يتخلى عنها وهو في سن الثمانين، يحتفظ هذا الحلاق بالأدوات التقليدية للحلاقة، التي يتكلم عليها بامتنان لأنه وبفضلها بنى بيته وربى أولاده. في زمن كانت مصاهرة الحلاق تماثل مصاهرة الوزير. إلى هنا وكل شيء معقول وضمن المتعارف عليه. لكن دخل المجتمع الجزائري المحافظ بوابات التغيير من خلال ما يرسله الفضاء المفتوح من تغيرات وأشكال موضة تسري كالنار في الهشيم. شباب يساير طوعا أو كرها تقليعات غير معتادة. هي قوة دورة الموضة، الحلقة التي تدور ولا تستقر في مكان ومعها يدور الشباب ويدوخ المجتمع.
بحجة الله جميل ويحب الجمال تتكاثر صالونات التجميل الرجالية وتنتشر التعليقات المستنكرة، والتي تدق ناقوس الخطر المحدق بالرجولة والميل للسلوكات الأنثوية، ابتداء من التنافس على مواد التجميل إلى استعمالها والظهور بمظهر لا يليق بالرجولة. تتساءل صحافية في قناة “الأيام 24” هل نحن أمام مفاهيم جديدة للرجولة بعد استفحال الظاهرة في المغرب وكل بلداننا؟
المفارقات تزداد بين خشونة السلوكات ورقة المظهر. تختلط مفاهيم الذكورة والأنوثة باختلاط المواد المستهلكة في التعامل مع الجسد، الذي يتغير ويتقولب ويبقى الشكل شكلا وقد لا يعبر عن المضمون نهائيا. قالها الأوائل: “ليس كل المتحزمة مرا وليس كل المتشمل رجلا”. فالمرأة لم تكن تمشي دون حزام، زنار والرجل لم يكن ليخرج دون أن يضع شملة على رأسه. كل شيء مستورد السترات والعورات.

كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية