عمان- «القدس العربي» : تبدو خطوة محسوبة على الأرجح ضمن محاولة ناشطة لاحتواء الجدل ثم طي صفحة الانتخابات المثيرة التي جرت مؤخراً في الأردن، ولاحقاً الاستعداد لاستئناف فعاليات الاستحقاق الدستوري. تقرر الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات الإعلان عن صنفين من القضايا تمت إحالتهما إلى النيابة للتحقيق.
الصنف الأول يخص وقائع مشتبهاً فيها بالمعنى القانوني حتى الآن تحت بند المال السياسي والرشوة الانتخابية، حيث أشرطة فيديو تم تداولها بكثافة لمرشحين أو أنصار لهم يتفاوضون مع ناخبين على شراء الأصوات. وفي الصنف الثاني، بعض المرشحين الذين خسروا الانتخابات وأعاقوا سير الفرز في بعض مراكز الاقتراع، وحاولوا التشكيك بعمل الهيئة وإنجازها وبسير العملية الانتخابية، كما أفاد الناطق الصلب باسم الهيئة جهاد المومني.
لا مستمسكات… ونواب فائزون للتو إلى النيابة مع مترشحين «شوهوا» الصورة
طبعاً، تتجه الهيئة إلى هذا المسار وهي تمارس حقها الأخلاقي وصلاحياتها القانونية في الدفاع عن سمعتها والحرص على عدم اعتبار التشكيك بنزاهة الانتخابات موجة عادية يمكن أن يركبها من شاء. تلك، بتقدير المطبخ السياسي في الدولة، خطوة أساسية الآن للمضي قدماً، خصوصاً وأن الطعن بالانتخابات له قنوات قانونية معروفة، وينبغي أن لا يتواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي. لكن النتيجة في جانبها السياسي تقول ضمنياً بأن بعض الفائزين في الانتخابات من أعضاء البرلمان وبعض الخاسرين معاً يخضعون للتحقيق للنيابة الآن، وقد أقر المومني بذلك بعد تزايد أشرطة الفيديو التي تؤشر على شبهة الرشوة الانتخابية.
حصل ذلك فيما فائض من تلك الأشرطة أنتج في الأسواق، والعديد من الخاسرين في الانتخابات بدأوا يزعمون عبر المنصات والإعلام بوجود توثيقات لديهم حول عمليات عبث وتدخل تضر بسمعة النزاهة التي يصر الكثير من الأردنيين اليوم على انها توفيت ودفنت لكن كالعادة بدون ادلة او قرائن .
تجازف هنا السلطة السياسية بالانتقاص من قيمة وسمعة مجلس النواب الجديد قبل حتى أن يبدأ مشواره الدستوري.
وهي مجازفة تكتمل أركانها مع الصورة العامة السلبية التي نتجت عن ابتهاجات واحتفالات النتائج في عدة مناطق، حيث مخالفات محرجة لأوامر الدفاع ولتقنيات الحظر الشامل حاول رئيس الوزراء النشط الدكتور بشر الخصاونة، بدوره، احتواءها بمزيد من أوامر الدفاع تحت عنوان تغليظ العقوبات، التي قد تصل إلى السجن ثلاث سنوات في حدها الأقصى ضد كل من يقيم احتشاداً من أي نوع ولأي سبب. وفي الموازنة الباطنية لمسار الأحداث، يبدو أن كلفة من صنف التضحية قليلاً بسمعة النواب وشرعيتهم وصورتهم العامة قبل انعقاد دورتهم الأولى تم الإقرار بها من أجل حماية المنجز الذي قامت به الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات.
تلك في حد ذاتها موازين واتجاهات تعكس قدراً من التعقيدات في ملف الخيار الانتخابي برمته، لأن الإطار المرجعي كان قد أعلن، ومنذ نحو عام، حرباً شرسة على المال السياسي، فيما يزعم مرشحون خاسرون وأحياناً مراقبون بأن السلطات التنفيذية غضت الطرف قليلاً عن بعض المتاجرات الانتخابية في ساعتي التمديد للاقتراع، الأمر الذي تقول اليوم بوضوح الهيئة المستقلة ودفاعاً عن نفسها إنها تستطيع التصدي له، لا بل لا تقبله بدون أدلة قاطعة، ولكن في إطار صلاحيات التحويل القضائي للنيابة.
المشهد عموماً مرتبك وفي زاوية أقرب تقارير مزعجة جداً في غرف العمليات عن الكلفة الفايروسية للإصرار أصلاً على إجراء الانتخابات وعن نتائج التفشي الوخيمة لمظاهر الاحتشاد والاحتفال والاعتراض التي رافقت العملية أو أعقبتها.
في تلك الغرف مخاوف أفقية لوزير الصحة الدكتور نذير عبيدات وطاقم الوبائيات، قيلت بوضوح في اجتماعات سيادية مغلقة، أما نسبة الخوف بعدما جرى من احتشاد في الانتخابات من انهيار النظام الصحي أو تراجعه، فزادت بكثير. وسط هذه الحالة الضبابية الغامضة، وبعيداً عن التلاوم الموسمي، تحاول المؤسسات المعنية جميعها المضي قدماً وعلى أساس أن البلاد تمكنت رغم كل شيء من إجراء انتخابات لا يوجد «مستمسك» على حصول عبث وتدخل فـيها.
وعلى أساس أن بعض مضار الهندسة التي حصلت، على حد تعبير المعارض الشيخ مراد العضايلة، يمكن احتمالها، مع أن المؤسسات الرسمية نفسها تفعل ذلك بصورة منفردة ومنعزلة عن بعضها وبالقطعة والتقسيط؛ تجنباً لمزالق اتهامها سواء من قبل الرأي العام أو من قبل مركز القرار، مما سيؤدي بالنتيجة لاحقاً إلى توسيع قواعد التلاوم بعد أن ينفض الغبار العملياتي ويبدأ 100 نائب جديد على الأقل بمحاولة حثيثة لاستعادة هيبتهم مبكراً وقبل أن يهدر الشارع دمهم السياسي مسبقاً.
ذلك اتجاه ستدفع الحكومة ثمنه بالتأكيد عندما تبدأ بمغازلة السلطة التشريعية تحت عنوان المضي قدماً. لكن قبل الاشتباك بهذه الجزئية، حيث توقعات وسيناريوهات لا يمكن ضبطها إطلاقاً، من المرجح أن تتواصل تداعيات الاحتقان والتجاذب، كما يلاحظ السياسي المتابع مروان الفاعوري.