تطورت خطط لعب كرة القدم بصورة مذهلة في السنوات الاخيرة، فاندثرت خطط اعتدنا عليها، مثل 4-4-2، والتي كانت غالبية الفرق في العالم تعتمدها على مدى عقود طويلة، ومنها برز “الجناح” الذي يتميز بالسرعة الفائقة والقدرة على تطبيق العرضيات بصورة مثمرة، مثل رايان غيغز اسطورة مانشستر يونايتد السابق، قبل أن يتحول هذا النموذج الى مساند مهاجم وهداف ضمن 4-3-3 و4-2-3-1، ليختفي الجناح ويبرز نوع جديد من الاجنحة المهاجمة على غرار كريستيانو رونالدو. واليوم وبتطور المزيد من أساليب اللعب أصبح مركز اللاعب رقم عشرة، الذي يلعب خلف المهاجم، اما كصانع ألعاب متقدم او مهاجم ظل، مهدداً في الاختفاء وربما الاندثار.
عندما عين ليونيل سكالوني مدرباً للارجنتين بعد كارثة مونديال 2018، اعتبر ان اللعبة أصبحت أكثر سرعة والاسلوب المباشر هو الانجع، وهو ما سيطبقه على المنتخب، لكن بعد سنة من قيادته ظلت نتائج المنتخب مهزوزة ودون المتوقع، لكن في الشهور الاخيرة انقلب الحال، بعد بناء الفريق على طريقته مثلما وعد، لكن بدون نجمه الأول الموقوف ليونيل ميسي، فبعد مشاركة مخيبة في كوبا أميريكا، رغم التأهل الى الدور قبل النهائي، انتصر الفريق على المكسيك 4/0 وتعادل مع ألمانيا 2/2 وتبعه بانتصار ساحق على الاكوادور 6/1، قبل أن يعود ميسي الى التشكيلة، بعد قضائه فترة عقوبة الايقاف الشهر الماضي، ومن المثير معرفة أيضاً أن أفضل فترة للمنتخب الارجنتيني كان بغياب “رقم عشرة” الآخر باولو ديبالا. ورغم أن المنتخب الارجنتيني جرب العديد من خطط اللعب كي يجد مركزاً مناسباً لافضل لاعب في العالم، الا انه من المؤكد استفاد من عدم وجود صانع ألعاب متقدم، ففي غياب ميسي لعب لياندرو باريديس كصانع ألعاب متأخر من العمق، وظهر الفريق أكثر خطورة من أي فترة سابقة.
ربما نجم أرجنتيني آخر اشتهر من الاجيال السابقة باللعب في مركز “الرقم عشرة”، وهو خوان ريكيلمي، وكان بروزه مصاحباً لأساليب لعب جديدة مطلع الألفية، لكن هذه الأساليب تغيرت كثيراً اليوم، ولهذا نجد معاناة حقيقة لاصحاب مراكز اللاعب “رقم عشرة” اليوم، وأبرزهم مسعود أوزيل وخاميس رودريغز وفيليب كوتينيو وايسكو وخوان ماتا، والذي يجمع بينهم، أن كل فرقهم بحثت، أو ما زالت، عن طريقة للتخلص منهم، وحتى ديبالا، المتألق، كان مدرب يوفنتوس ماوريسيو ساري يريد بيعه قبل شهور، لان لا مكان لهذا المركز، وحتى رونالدو نفسه اضطر الى اعادة تقييم نفسه، وانتقل من جناح/صانع ألعاب، الى مهاجم تقليدي صريح كي يواكب التطورات.
وكل اللاعبين المذكورين، عانوا في العامين الاخيرين، وأجبروا اما للعب على الأجنحة او البقاء على مقاعد الاحتياط، أو كان مصيرهم البيع او الاعارة، فالمركز الذي كان يشغره اللاعب “رقم عشرة”، أصبح اليوم مملوكاً لأصحاب “الرقم 8″، أي بمعني آخر، صانع اللعب المتأخر، أو الأجنحة العصرية التي تقوم بمهام عدة هجومية ودفاعية، فأساليب لعب 4/3/3 ليست بحاجة لصانع ألعاب متقدم، على غرار ليفربول، الذي يعتمد أكثر على ظهيريه، أو مانشستر سيتي وريال مدريد المعتمدان على صانعي لعب متأخرين كدي بروين ومودريتش، وفي بعض الأحيان يقوم المهاجم الوهمي (رقم 9) بدور صانع الألعاب المتقدم او الرقم 10 (فيرمينو)، لتصبح هذا الطريقة هي الأنجع، ويطبقها بطل أوروبا ليفربول ووصيفه توتنهام، وحتى بطل اليوروبا ليغ تشلسي، وعندما يرفض اللاعب القيام بهذه الادوار، مثل أوزيل، سيفقد مكانه في الفريق وسيقل الاهتمام به من الفرق الأخرى.
قبل عقدين، كان صانع اللعب المتقدم مثل ريكيلمي، متعة وموهبة جاذبة للجماهير، وكان زملاؤه يحتملون أسلوبه ويعملون على تغطية عيوبه الدفاعية، لكن اليوم أصبح صانع اللعب الحديث، مطلوب منه بذل الكثير من الطاقة والجهد وأن يتميز بقوة جسدية، وكي يقبل كصانع لعب متقدم او مهاجم وهمي عليه ان يتحلى بقوة جسد وطاقة عالية، على غرار ديلي آلي لاعب توتنهام او مايسون ماونت لاعب تشلسي.
من المحزن رؤية هذه المواهب تندثر من فرقنا، بسبب ما تملكه من مواهب فطرية، ولكنهم يدفعون ثمن أصحاب الرئات الأربع الذي يركضون ولا يملون في وسط الملعب، لكن الكرة دوارة، ومثلما كانت مواهب “الرقم عشرة” نكهة المباريات، وأصبحت غير مرغوب فيها اليوم، فان في وقت ما قد تعود بصيغة أو أسلوب آخر.