إسطنبول: زلزال مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، في 20 أبريل/ نيسان الجاري، يثير قلق عدة أطراف داخلية وخارجية من ارتداداته الأمنية والسياسية ليس في تشاد وحدها بل على كامل دول الجوار ومنطقة الساحل.
متمردو “جبهة التناوب والوفاق”، المشكلة من أربع حركات، مازالوا يهددون باقتحام العاصمة نجامينا، رغم تعرضهم لهزيمة قاسية في معركة قرب مدينة نوكو، على بعد نحو 50 كلم من ماو، مركز إقليم كانم (غرب) بعد مقتل 300 عنصر وأسر 150 آخرين، في 17 أبريل، على حد زعم الجيش التشادي.
فإجمالي المتمردين الذين زحفوا من قواعدهم الخلفية بليبيا في 11 أبريل وسيطروا على بلدات محافظة تيبستي (شمال)، لا يتجاوز عددهم 500 مقاتل على متن 100 عربة مسلحة، بحسب وسائل إعلام.
ما يعني أن المتمردين خسروا معظم قوتهم الضاربة في معركة كانم لوحدها، إذا افترضنا صحة الأرقام الحكومية، ما يجعلهم عاجزين عن تطوير أي هجوم جديد نحو نجامينا.
لكن استمرار الاشتباكات يومي 18 و19 أبريل، وتأكيد المتمردين أنهم قاموا بهجمات مضادة في كانم، وأن الجيش انسحب منها مخلفا في صفوفه قتلى وجرحى وأسرى، يكشف أن هناك رتلا ثانيا للمتمردين في كانم لم يتعرض للكمين ومازال قادرا على الحركة وتهديد العاصمة.
إلا أنه في ظل استمرار الدعم اللوجيستي الفرنسي لنجامينا فمن الصعب على المتمردين الذهاب بعيدا، خاصة بعد أن اتهموا باريس بمساعدة الجيش التشادي في قصفهم جوا.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان واضحا في دعم رئيس المجلس العسكري بقيادة الجنرال محمد ديبي (37 عاما)، عندما قال إن باريس “لن تسمح” بما يمكن أن يهدد وحدة واستقرار دولة تشاد.
وقد يسمح مقتل ديبي للمتمردين بالتقاط أنفاسهم وانتظار تحرك المعارضة السياسية في نجامينا قبل الزحف مجددا نحو العاصمة عندما تسنح الفرصة.
رفض المتمردون الاعتراف بالمجلس العسكري الانتقالي وتوعدوا بمواصلة القتال، ما يهدد بمزيد من التوتر.
اتفق نحو 30 حزبا معارضا على توصيف تولي مجلس عسكري انتقالي بقيادة محمد ديبي، نجل الرئيس الراحل، السلطة بأنه “انقلاب”، وهددوا بانتفاضة شعبية، مما قد يفتح الأوضاع إلى مزيد من عدم الاستقرار.
وتستند المعارضة إلى الدستور، الذي ينص على أن رئيس البرلمان من يتولى رئاسة البلاد في حالة شغور المنصب، وأن ينظم الانتخابات في غضون 90 يوما.
وبذلك يكون تولي الجيش قيادة البلاد منافيا للنص الصريح للدستور، خاصة عندما يترأس نجل الرئيس الراحل المجلس العسكري، ما يرجح إمكانية توليه الرئاسة بعد انتهاء 18 شهرا من المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات لا تثق المعارضة في أنها ستكون نزيهة.
وتشير المعارضة إلى أن المجلس العسكري الانتقالي حلّ البرلمان والحكومة، وجمّد الدستور، وطبقا لوثيقة المرحلة الانتقالية فإن محمد ديبي، يترأس إلى جانب المجلس العسكري الانتقالي، مجلس الوزراء، والمجالس العليا، ولجان الدفاع الوطني، كما أنه يعين أعضاء المجلس الوطني الانتقالي (البرلمان المؤقت) الـ 69 عضوا.
فديبي الأب عندما أطاح بنظام حبري في 1990، سرعان ما تولى الرئاسة ولم يغادرها منذ ذلك التاريخ إلى غاية مقتله، رغم إجراء عدة انتخابات رئاسية فاز بها جميعها، لذلك تخشى المعارضة أن يعيد التاريخ نفسه.
إنها أشبه بعملية “توريث السلطة من الأب إلى الابن” بحسب رأي المعارضة، ما يرجح عودة المظاهرات والاحتجاجات إلى الشارع، في الوقت الذي دعا فيه زعيم المعارضة صالح كيزابو، الذي حل ثانيا في رئاسيات 2016، السلطات الجديدة إلى “الحوار الوطني”.
من المستبعد أن يسحب الجيش التشادي قواته من منطقة الساحل في المرحلة الحالية رغم أن الأزمات تحاصره من كل جانب.
والأمر راجع لحاجة محمد ديبي، لدعم فرنسا والدول الغربية للبقاء في الحكم، في ظل معارضة سياسية ومسلحة تضغط عليه بشدة للتخلي عن السلطة.
ناهيك عن الدعم المالي الذي تقدمه باريس والدول الداعمة لتشاد مقابل إبقاء قواتها في منطقة الحدود الثلاثة بالساحل.
ففي ظل أزمة مالية خانقة، فاقمها انخفاض أسعار النفط وتأثير جائحة كورونا، أبرمت نجامينا مع صندق النقد الدولي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، اتفاقا لتوفير قروض بقيمة 560 مليون دولار تقدم على مدى أربعة أعوام.
وأرسل الجيش التشادي، في فبراير/ شباط الماضي، نحو 1200 جندي إلى منطقة الحدود الثلاثة الملتهبة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بطلب من فرنسا.
وحتى بعد هجوم المتمردين من الشمال واستلائهم على بلدات: وور، وزواركيه، وزوار، وغوري، وزيغاي في محافظة تيبستي، وتقدمهم غربا نحو محافظة كانم (غرب)، لم يسحب الجيش التشادي قواته من منطقة الحدود الثلاثة.
وهذا المثال يُبين حجم تمسك تشاد بتحالفها العسكري مع فرنسا في الساحل، رغم التهديدات المصيرية التي تهدد النظام الحاكم.
حالة عدم اليقين من الوضع الذي ستؤول إليه البلاد، جعل المواطنين التشاديين في حالة ترقب وقلق من تفجر العنف مجددا، بحسب تقارير إعلامية، إذ قلت حركة الناس في نجامينا وبدأ بعضهم في مغادرتها إلى أماكن أكثر أمناً.
وهذا الوضع يدفع السودان هي الأخرى إلى ترقب موجة جديدة من اللاجئين التشاديين نحو ولاية غرب دارفور المضطربة، والتي فر منها قبل أيام نحو ألف شخص من أعمال العنف التي تسببت في مقتل العشرات.
وطيلة سنوات، نشطت على الحدود السودانية التشادية عدة حركات متمردة في البلدين.
وساهم تشكيل السودان وتشاد قوات مشتركة لتأمين الحدود، في السيطرة على الأوضاع الأمنية بدرجة ملموسة.
بينما تواجه ليبيا تحديا من نوع آخر، فانهيار أرتال المتمردين في غرب تشاد ونكوصهم إلى الشمال، قد يدفعهم إلى الجنوب الليبي، وممارستهم قطع الطرق أو تهديد حقول النفط.
وعودة المتمردين التشاديين مجددا إلى ليبيا من شأنه تهديد أمن البلاد، حيث من الممكن أن يتم تجنيدهم كمرتزقة لصالح خليفة حفتر، أو أن يتخذهم الأخير ذريعة لتعزيز سلطته في إقليم فزان (جنوب غرب ليبيا) كما فعل في 2019.
تقع تشاد بين مناطق نفوذ لشركة فاغنر الروسية في كل من ليبيا شمالا، وجمهورية إفريقيا الوسطى جنوبا، وأيضا السودان شرقا، وليس من المستبعد أن تحاول إيجاد موطئ قدم لها في هذا البلد الحبيس.
ولطالما كان إدريس ديبي حليفا مقربا لفرنسا، التي ساعدته في الوصول إلى الحكم والبقاء فيه طيلة ثلاث عقود.
وغياب رجل فرنسا في تشاد، واشتداد الضغوط السياسية والأمنية على القادة الجدد من شأنه أن يفتح المجال لموسكو لمزاحمة باريس في مركز نفوذها بقلب إفريقيا.
وكانت صفقات السلاح البوابة التي تسللت منها روسيا إلى عدة دول إفريقية، وهذا الوقت المناسب لعقد الصفقات مع تشاد.
وهناك من يرى أن فاغنر دعمت المتمردين التشاديين في ليبيا بسلاح نوعي لإسقاط إدريس ديبي.
وذكرت جبهة التناوب والوفاق، أنها تملك طائرات بدون طيار ومضادات للطيران أسقطت بها 3 مروحيات تشادية مؤخرا.
وهذه الأسلحة النوعية لا يمكن أن تحصل عليها المعارضة إلا من جهة خارجية داعمة لها، وفّرت لها المعدات وأيضا التدريب على استخدامها.
وسبق أن انتقدت الخارجية التشادية، في 3 أبريل الجاري، تصريحات السفير الروسي لدى بانغي، التي دعا فيها “جميع البلدان المجاورة لجمهورية إفريقيا الوسطى إلى تأمين الحدود من أجل وقف الحركة غير المشروعة للأسلحة والرجال”.
وقبل 5 أيام من هجوم المتمردين التشاديين، نفت السفارة الروسية، اتهام سفيرها لنجامينا بأي شيء، لكنها أكدت على أنها “تعتمد على دعم تشاد في استقرار الوضع بجمهورية إفريقيا الوسطى”.
ففي 2014، اتهمت الأمم المتحدة تشاد بتقديم دعم عسكري ومالي لمتمردي سيليكا (أغلبيتهم مسلمين) والذين تمكنوا في 2013، من الإطاحة بنظام فرانسوا بوزيزي، الأمر الذي نفته نجامينا.
بينما يرى فريق آخر أن موسكو تقف إلى جانب القائد الجديد لتشاد محمد ديبي، بدليل أن الكثير من المعدات العسكرية التشادية صناعة روسية، على غرار دبابات “T55” وطائرات سوخوي25 وميغ21، ومروحيات “مي24”.
أي تدهور أمني وسياسي في نجامينا من شأنه التأثير على الوضع في كامل الأطراف، وليس أقلها التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها بوكو حرام وتنظيم داعش في غرب إفريقيا، والذان ينشطان في بحيرة تشاد غير بعيد عن العاصمة.
ورغم أن الجيش التشادي تمكن من هزيمة جماعة بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد في أبريل 2020، وقضى على نحو ألف عنصر منها، لكنه بالمقابل خسر ما لا يقل عن 140 من جنوده خلال أسابيع من القتال.
وحتى وإن تمكن الجيش من تحرير المناطق التي احتلتها بوكو حرام، إلا أن جنوده يتعرضون بين الحين والآخر لكمائنها.
وفي حالة سقوط البلاد في مستنقع الاحتراب الداخلي، فمن شأن ذلك أن يتيح المجال لبوكو حرام وداعش التموقع في المشهد الجديد وتأسيس إمارات إرهابية، سواء في شمال تشاد أو في غربها.
لذلك فأي اضطراب سياسي وأمني في تشاد من شأنه أن يهدد كامل محيطها الجغرافي الممتد من ليبيا شمالا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى جنوبا، ومن السودان شرقا إلى موريتانيا غربا، وقد يدفع بدخول لاعبين دوليين جدد إلى المشهد التشادي لمزاحمة النفوذ الفرنسي المتجذر.
(الأناضول)