فجر الجمعة الثالث من الشهر الجاري، وصل مطار بغداد الدولي الجنرال قاسم سليماني، زعيم فيلق القدس الإيراني، قادما من دمشق. حال خروجه من المطار باتجاه العاصمة العراقية/ أستهدفت طائرة أمريكية مُسيّرة، عجلتين مدنيتين كانت إحداهما تقله وعددا من مساعديه ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية.
ويبدو أنه قدم على عجل من دمشق، بعد قصف الميليشيات العراقية المرتبطة به قاعدة أمريكية شمال بغداد، قُتل فيها متعاقد مدني أمريكي. وردّت القوات الأمريكية على الحادث بقتل أكثر من 25 عنصرا من ذلك الفصيل. تبع هذا التطور الدراماتيكي، قيام حشود من الميليشيات بالتجمهر أمام السفارة الأمريكية في بغداد، فحرقوا قاعة الاستقبال فيها، وحطموا الأبواب والنوافذ. ويبدو أن حدود الرد والرد المقابل سوف تبقى نهاياتها مفتوحة إلى حين.. لكن أين؟ ومتى؟ وما طبيعة فعل الرد الإيراني المقبل؟
التحرك الإيراني المقابل سيكون حتما بمستوى وقيمة الشخصية التي تم استهدافها. فالرجل هو الشخصية الثانية في النظام الإيراني بعد المرشد الأعلى، ومقرب منه الى درجة كبيرة. كان صانع قوس النيران الممتد من طهران فبغداد إلى دمشق ثم بيروت، ومهندس نزاعات طهران في الشرق الأوسط. وأينما كان النشاط الإيراني موجودا، نرى قاسم سليماني موجودا فيه، وكل الحروب بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط كان سليماني وراءها. وعندما تكون الخسارة بهذه القيمة الاستراتيجية، يصبح الانتقام أو الثأر مضاعفا في كل الأحوال، لذلك كان المرشد الأعلى، لأول مرة، يرأس اجتماعا لمجلس الأمن القومي الإيراني، دلالة على أهمية الحدث.
في الثقافة الشرق الأوسطية القادر على الرد يخيف الآخرين، ومن لا يرد تسقط هيبته. صانع القرار السياسي والعسكري الإيراني، يفضل النمط الحالي من حروب الشرق الأوسط، الحرب غير التماثلية، التي تعتمد بشكل أساس على الاغتيالات والمفخخات والحروب عبر الوكلاء والأذرع، وليست الحرب التماثلية بمعنى الاشتباك بين الجيوش. وربما هو محظوظ في هذا الجانب، لأن الخريطة التي أمامه فيها نخبة من الأهداف الأمريكية ذات الأهمية العالية. ولأن هنالك إعلانا متعمدا من قبل الأمريكيين عن قيامهم بقتل قاسم سليماني، ولكونه شخصية رسمية مسؤولة في النظام، وليس زعيما لمنظمة إرهابية لادولتية، فإن الرد سيكون مباشرا من قبل طهران، وستعترف به أيضا، ومن المؤكد ستكون للأذرع الأخرى في المنطقة وخارج المنطقة أدوار أخرى ساندة للرد المركزي، حيث قال المرشد الأعلى والرئيس روحاني بأن الجميع سينتقمون لمقتل سليماني.
صانع القرار السياسي والعسكري الإيراني، يفضل الحرب التي تعتمد أساسا على الاغتيالات والمفخخات والحروب عبر الوكلاء والأذرع
في البُعد البحري، قد يكون الرد الإيراني تعطيل حركة الشحن الدولي في مضيق هرمز، من خلال مهاجمة ناقلات النفط والسفن التجارية، وبذلك تكون هذه ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي، حيث يمر من هذا المضيق حوالي 22.5 مليون برميل نفط يوميا. وفي الجانب البري هنالك إحدى عشرة قاعدة أمريكية في العراق، والعديد من القواعد الأخرى المنتشرة في المنطقة، يضاف إليها التواجد العسكري الأمريكي في سوريا. ربما سيكون هنالك استهداف للبعثات الدبلوماسية والشركات والمواطنين الأمريكيين. وقد تتحرك بعض الخلايا النائمة التابعة لحزب الله اللبناني على وجه الخصوص، في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبلدان أخرى، للقيام بتفجيرات ضد الأصول الامريكية، حيث تبين أن لهذا الحزب نشاطات مشبوهة في العديد من بلدان أوروبا، ما دفع هذه الاخيرة للقيام بحملة لتقييد ومنع ممارسة نشاطاته على أراضيها، إضافة الى دخول الحرب السبرانية على خط الرد أيضا، لتعطيل مصادر الطاقة والمياه وشبكات النقل في البلدان المستهدفة، فلطهران إمكانية واسعة في هذا المجال. كما لا يمكن إغفال الرد في الحقل الدبلوماسي، حيث ستستفيد إيران من حالة الاستياء والتململ الدبلوماسي في أوروبا والصين وروسيا، من الخطوة الأمريكية، التي بدلت قواعد الاشتباك. فهذه الدول تدعي بأن النظام العالمي القائم على قواعد اشتباك حربي متفق عليها، قد تضرر بسبب المنطق الأمريكي الجديد، الذي اعتمد الاغتيال السياسي.
ومع كل هذه الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، تبقى مسارات الرد الإيراني بعد خط الشروع غير تلك التي ستكون في لحظة الانطلاقة الاولى. فوسائل وطبيعة الانتقام الايراني في المرحلة التالية ستتغير تبعا للرد الامريكي على تحركهم الثأري. فالرئيس الامريكي كان واضحا في القول دماء مواطنينا مقابل دماء مواطنيكم، لذلك يمكن أن يكون هنالك استهداف إيراني للجنود الامريكان، لكنه سيكون بالطريقة التي لا تجرهم الى حرب واسعة ومباشرة. فخامنئي حريص على الانتقام، لكنه في الوقت نفسه أكثر حرصا على ديمومة واستمرارية النظام القائم. وهي معادلة صعبة جدا، كي يكون الرد بحجم الخسارة، مع أن تكون الحسابات قائمة على عدم الانجرار الى حرب كبرى. طهران تعلم جيدا أنها مهما امتلكت من قوة ومن رباط الخيل، لن تكون بمستوى ما تملكه واشنطن، وأن التصعيد من جانبها سيكون عندما تضرب مصالح أمريكية من داخل أراضيها. هنا ستختلف قواعد الاشتباك كثيرا، أعلن البيت الأبيض أن هنالك 52 هدفا منتخبا سيتم ضربها داخل إيران. كما أن رفع الجهوزية العسكرية الامريكية مؤخرا يضع الرد الايراني في خانة الأقل ضررا. وهنا سوف يجعل صانع القرار في طهران، ربما يجنح الى التصعيد من خلال الأدوات في المرحلة الثانية، فينتقل الرد الإيراني من مستوى استهداف القواعد الأمريكية والسفارات، الى مستوى استهداف المصالح والأشخاص الذين لهم علاقة بالجهد الامريكي في المنطقة.
إن حادثة قتل قاسم سليماني كانت عملية استخباراتية وعسكرية ناجحة تماما من حيث تحقيق الهدف المتوخى منها، هي تفوق بكثير من حيث الأهمية الاستراتيجية والآثار المترتبة عليها أيضا عمليات أخرى، مثل مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وزعيم «تنظيم الدولة» أبو بكر البغدادي وكل القيادات الأخرى، الذين قتلوا على أيدي الجهد الاستخباراتي والعسكري الأمريكي في السنوات والأشهر الماضية. وكما أنها تعد تصعيدا دراماتيكيا لموقف خطير هو موجود أصلا في الشرق الاوسط، ما يدفع باتجاه إثارة مضاعفة للعنف من الخليج حتى شواطئ البحر المتوسط، وهي في الوقت نفسه تسلط حزمة ضوء كبيرة، على الدور الذي لعبته مصادر المعلومات العراقية، في تسهيل قتل هذه الشخصية. فمن هو بمستوى قاسم سليماني كشخصية استراتيجية مهمة، يفترض أن يكون على مستوى عال من التحصين والحماية، لذا يبدو أن هنالك خرقا كبيرا قد حصل، على الرغم من أن الإيرانيين قالوا إنه كان يتحرك بدون حمايات وبشكل علني. هذا القول يخالف الواقع تماما وهي مداراة لفشل استخباراتي كبير.
إن حوادث الاغتيال المعروفة عبر التاريخ أشعلت غالبيتها حروبا واسعة وكبيرة. وأن موضوع الانتقام والثأر في الشرق الاوسط خاصة، حالة معقدة ولها القابلية على البقاء في حالة تفاعل لفترات طويلة، من دون أن تمحى من الذاكرة. لانها ترتبط بمعاني كثيرة تتشكل منها الشخصية الذاتية والمعنوية للشعوب والدول في هذه المنطقة.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
شكراً دكتور مثنى على هذا التحليل الرائع.
.
حبذا و نتمنى عليك، توسيع هذا التحليل إلى تأثير هذا الاغتيال على الواقع العراقي و ما هي السيناريوهات المحتملة له ان امكن و أيها ترجح.
كنت انتظر ان اصل إليها، و لكن المقال انتهى مسرعاً.
ننتظر ذلك منكم بفارغ الصبر.
.
كل التقدير و الاحترام
شكرا جزيلا أخي د. أثير على التعليق. منذ فترة ونحن لانسمع لك صوت , كما نقول بالعراقي . يبدو أنك لم تعد تقرأ في السياسة . المقال أنتهى مسرعا لاننا ملزمين بعدد محدد من الكلمات. وماطلبته جاهز وتحت اليد أن شاء الله تقرأه في الاسبوع القادم . خالص التقدير مع الود
خضع العراق للاحتلال الايراني بالكامل. شكلت انتفاضة تشرين خطراً داهما لايران ولم يكن
بالامكان تصديع الانتفاضه رغم آلة الموت والفتك الايرانيه. لابد من استهداف القواعد الامريكيه
لحرف المسار. هكذا رأينا الأستثمار الغير مسبوق في التشييع. لم يعد الحديث عن الانتفاضه كما كان.
لقد قبل محور (المقاومة) بإنسحاب الأمريكان من المنطقة مقابل سليماني! أي أن إيران ستنتظر الإنسحاب مع خوفها من ردة فعل ترامب على أي هجوم ضد الأمريكان!! ولا حول ولا قوة الا بالله
تراكم استفزاز حرس ثوري إيران للعالم سيقود لتكاتف دولي لتدمير كامل بنية إيران الإرهابية وإبعادها عن جنوب وغرب إيران لفصل سواحل شرقي الخليج العربي وشط العرب وبحر عمان بعمق 300كم وطول 2400كم وإعادة تلك المناطق وثرواتها الهائلة لمواطنيها عرب وبلوش كما كانت قبل إهداءها لإيران من بريطانيا العظمى بفترة استعمار وقصر إنفاق ثرواتها لتحسين عيش مواطنيها، وسيسرع ذلك بسقوط نظام إيران وقطع تمويله وانهيار أذرعه الأمنية واستعادة باقي شعوب إيران لحريتهم وكرامتهم وحماية أمن الطاقة والملاحة البحرية والتجارة الدولية
تحية للقدس العربي
مع الاستعداد الأمريكي ومع التحذير الصارم فأغلب الظن سيكون الرد الإيراني مثل رد حزب الله الاخير على إسرائيل.
واما الرد الحقيقي فسيكون في اتجاه مزيد من القتل في سوريا والعراق واليمن .
قدم سليماني للولايات المتحدة خدمات ثمينة لم يقدمها لها حتى اقرب الحلفاء..فمحاربة المقاومة السنية للاحتلال الامريكي، ومن بعدها القضاء عل القاعدة، ثم داعش،وانقاد نظام بشار، وزرع المليشيات، كلها خدمات كونت لسليماني شبكة من ” الاصدقاء” داخل البنتاغون والCIA ،حمته وجعلته يتحرك في اطمئنان تام..لكن انتفاضة الشعب العراقي هددت بنسف كل ما بناه سليماني، ودفعته إلى ارتكاب خطءا قاتلا بهجومه على السفارة الامريكية، مما حرك داخل ترمب وإدارتها دكرى الهجوم على السفارة في ليبيا ومقتل السفير الامريكي، فكان قرار ترمب الحاسم باغتيال الجنرال الايراني..
ولنتذكر تصريح البنتاغون ” تمت عملية اغتيال سليماني بقرار من الرءيس”.
ان قاسم سليماني رجل شجاع قل نظيره وكان يتحرك بشكل علني ومكشوف لا يخاف احدا ولا يخشر دركا وكان يرفض التستر ومرافقة اية حماية له لذلك ليس هناك من خرق لجدار حمايته فهو بلا حماية اصلا وباعتراف الامريكان انفسهم فقد صعد الى طائرة مدنية من دمشق ونزل منها وحيدا فريد وكان في استقباله ابو مهدي المهندس وبدون مجموعة مسلحة لحمايتهما والشاهد في ذلك انهما ركبا سيارة واحدة وخرجا من المطار غير ان البعض يحاول ان يسلب الرجل الشهيد بسالته وفروسيته في تحدي المخاطر الجمة التي كانت تحيط به عبر الادعاء بان هناك فشل في حمايته وفشل استخباراتي من قبل دولته
هذا لا يدل في هذا الزمن على بسالة و شجاعة و فروسية (إن صح) و إنما يدل على غباء و تهور و غطرسة
هل نحن في زمن السيف و الرمح و الحصان أم في عصر الدرون و الولايات المتحدة الأمريكية؟!
كفى اسباغ اوصاف غير واقعية على قاتل متغطرس يؤمن بتفوق عرقه و دولته و عقيدته على الآخرين كما عبر هو وصرح منذ عقود
هذا رجل كاره للعرب سكان الصحارى و كاره لدين الصحابة و آل الييت الحق، و يعمل لمصلحة نظام دموي لا يتورع عن استخدام كل الوسائل الشرعية و غير الشرعية و إراقة دماء الملايين من أجل أحلامه التوسعية المريضة و ادانه في ذلك كان هذا القتيل و نجح بالفعل ايما نجاح، و اكبر نجاح حققه برأيي، هو هذا الانبطاح و التبعية المرضية و العبودية الصارخة له ممن يعتبرهم بشر من الدرجة الثانية لا يستحقون الا ان يكون خدم و اتباع للعرق الفارسي تحت وهم انهم يخدمون الدين و المذهب
هذا هو اعظم نجاح حققه الرجل و لكنه كأي طاغية و مجرم… كان صرحاً من خيال فهوى.