مقتل سوداني دهسا خلال تظاهرات معارضة للحكم العسكري

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي» : شارك الآلاف من السودانيين، الأربعاء، في تظاهرة «مليونية المفقودين»، في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، حيث سقط قتيل «إثر إصابته بعبوة غاز مسيل للدموع في الرأس وتعرضه للدهس بعربة تتبع للقوات النظامية في مواكب مدينة الخرطوم»، وفق ما أكدت لجنة أطباء السودان.
وبهذا يبلغ العدد الكلي للضحايا بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول (117) قتيلاً، طبقا للجنة.
ورفع المحتجون صور عدد من المفقودين وشعارات تطالب بإسقاط الانقلاب وإيقاف عمليات الإخفاء القسري للناشطين السياسيين والمعارضين في البلاد.
وردّدوا هتافات مناوئة للحكم العسكري تطالب بعودة الحكم المدني.
ورفعوا لافتات عليها: «لا للحكم العسكري»، و«دولة مدنية كاملة»، و«الشعب أقوى والردة مستحيلة»، و«حرية، سلام، وعدالة»، و«نعم للحكم المدني الديمقراطي».
وأغلق المتظاهرون عددا من الشوارع الرئيسية والفرعية وسط العاصمة بالحواجز الإسمنتية وجذوع الأشجار والإطارات المشتعلة.

انتشار أمني

كما أغلقت السلطات الأمنية جسر «المك نمر» الرابط بين الخرطوم ومدينة بحري، والشوارع المؤدية إلى القصر الرئاسي ومحيط القيادة العامة للجيش تفاديا لوصول المتظاهرين.
وشهد وسط الخرطوم انتشارا أمنيا مكثفا خاصة في محيط القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش، ما أدى إلى تكدس السيارات والازدحام المروري.
وقالت لجان المقاومة في بيان إن المليونية «جاءت للمطالبة بحق الأشخاص الذين تخفيهم السلطات قسريا في وقت تتزايد فيه أعداد المفقودين في البلاد يوما بعد يوم».
وأكد عضو لجان مقاومة «الامتداد»، حمزة كندورة، رفضهم لدفن السلطات الجثث في المشارح، مؤكدا عدم ثقتهم في لجان الطب العدلي التي من المقرر أن تقوم بعمليات التشريح وفق قرارات السلطات الأخيرة، متهما الطب العدلي بالتورط في تزوير تقارير وإخفاء جثث المفقودين.
وقال خلال ندوة في دار المحامين في الخرطوم، مساء الثلاثاء، إنه وعدد من أعضاء لجان المقاومة كانوا شهودا على استبدال الطب العدلي جثثا بعد ثبوت شبهة جنائية، الأمر الذي فضحه إقرار أطباء شرعيين شاركوا في عمليات التشريح في وقت لاحقا واكتشاف جثث لمفقودين مخبأة في المشارح بينهم عضو لجان مقاومة الجريف محمد إسماعيل الشهير بـ«ود عكر».
واختفى ود عكر خلال مشاركته في تظاهرات  في 3 أبريل/ نيسان من العام الماضي، ومنذ أكثر من شهر ونصف وجدت جثمانه لجنة «مفقود» الناشطة في رصد ضحايا الإخفاء القسري في مشرحة التميز في الخرطوم، محملة الجهات المختصة مسؤولية المماطلة في تقديم الحقائق.
وكان النائب العام المكلف خليفة أحمد خليفة، قد أصدر قرارا بدفن (3000) جثة، في مشارح الخرطوم، مطالبا الطب العدلي بالشروع في تشريحها، وفق المعايير الدولية، ودفنها فورا.
في وقت أكد فيه مدير هيئة الطب العدلي في الخرطوم، هشام زين العابدين في تصريحات صحافية، أن نحو 300 جثة يعود تاريخ دخولها المشارح إلى عام 2019.
وفي 3 يونيو/ حزيران 2019، فض المجلس العسكري السوداني، اعتصاما يطالب بالحكم المدني، أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، وسط الخرطوم، مما أسفر عن مقتل وإصابة المئات، فضلا عن عشرات المفقودين، الذين لم يتم العثور على بعضهم حتى الآن.
وخلال أعمال القمع في أعقاب فض الاعتصام الذي عرف لاحقا بـ «مجزرة القيادة العامة»، تواصلت أعمال الإخفاء للمناهضين للحكم العسكري.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، أصدرت النيابة العامة قرارا بمنع دفن أي جثة مجهولة دون اكتمال عمليات التحقيق اللازمة، لشبهة وجود بعض المفقودين في مجزرة القيادة وما لحقها من أحداث بين تلك الجثث.
وكانت لجنة التحقيق حول اختفاء الأشخاص، والتي كونتها الحكومة الانتقالية، قد استعانت بفريق أرجنتيني من خبراء الطب الشرعي في أغسطس/ آب الماضي، لتشريح الجثث وإكمال التحقيق حول وجود شبهة جنائية بالخصوص، ولكن السلطات السودانية منعتها من الدخول إلى المشارح.
وبالتزامن شهد محيط مشرحة التميز وسط الخرطوم، اعتصاما ضم ناشطين وأسر مفقودين، طالب السلطات بالكشف عن هوية أصحاب الجثامين المكدسة هناك، وذلك بعد انتشار رائحة الجثث المتحللة في محيط المشرحة.
وقالت إدارة المشرحة وقتها إن الجثث لمجهولين، مشيرة إلى تحللها بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وتكدس جثث أكثر من سعة المشرحة.
وقالت عضوة مبادرة «مفقود»، سارة حمدان لـ «القدس العربي» إنهم رصدوا 25 مفقودا منذ مجزرة القيادة، 19 منهم فقدوا أثناء المجزرة والأيام التي تلتها، فضلا عن 6 فقدوا خلال التظاهرات عقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبينت عضوة المبادرة الناشطة في رصد ضحايا الإخفاء القسري، أن العدد السابق لا يمثل جملة المفقودين الذين يقدر عددهم بالمئات، ولكنهم من استطاعت المبادرة رصدهم عبر بلاغات قدمتها الأسر والذين اختفوا خلال مشاركتهم في الأعمال الاحتجاجية المناهضة للحكم العسكري.

بعد قرار السلطات دفن جثث قد تعود لمفقودي الاحتجاجات

ولفتت إلى العثور على مفقودين آخرين بعد أيام من تعرضهم للاعتقال والتعذيب من قبل السلطات، مشيرة إلى تعرضهم للتهديد، بالتعرض للمزيد للتعذيب حال كشفهم عما تعرضوا له من انتهاكات.
وشددت على أن المبادرة وأسر المفقودين يرفضون بشكل قاطع قرار السلطات بدفن الجثث في المشارح، مشيرة إلى أن دفن الجثث يحتاج إلى آليات تتضمن تشريح الجثث وأخذ عينات من جميع الجثامين عبر لجان معترف بها وموثوقة من قبل أسر الضحايا.
وكانت لجنة التحقيق في المفقودين وأسر الضحايا تثق في اللجنة الأرجنتينية، إلا أن السلطات رفضتها معتبرة إياها لجنة أجنبية، حسب سارة، التي تعتبر قرار دفن الجثث محاولة لطمس الحقائق في ظل وجود شبهة جنائية، مؤكدة أن السلطات تسعى إلى دفنها في مقابر جماعية. ولفت المحامي والناشط الحقوقي حسام البصري، لـ «القدس العربي» إلى ضعف التشريعات الوطنية بشكل عام وتشريعات الطب العدلي في البلاد، مشيرا إلى أن الطريقة المتبعة في السابق أن يخاطب مدير المشرحة وكيل النيابة في دائرة اختصاص المشرحة بأن لديه عددا من الجثث مجهولة الهوية تريد الشروع في دفنها وأن وكيل النيابة يقوم بالتصديق بذلك دون القيام بالإشراف على دفن الجثث.
وأضاف أن المشرحة تقوم بدفن الجثث دون إجراءات أو مراعاة للبروتوكولات الدولية بالخصوص، مشيرا إلى أن لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص التي تكونت عقب اختفاء العشرات في فض اعتصام القيادة بإصدار قرار يمنع دفن الجثث مجهولة الهوية.
وأشار إلى أن اللجنة التي كان عضوا فيها، أصدرت برتوكولا لدفن الجثث بإشرافها وكونت مجموعتين من الأطباء العدليين للقيام بهذا الدور، ولكنها لم تقم بمهامها لمشكلات داخل مؤسسة الطب العدلي.
وأكد على ضرورة استخدام الآليات الدولية للضغط على السلطات السودانية لإيقاف قرارات السلطات الأخيرة بدفن الجثث في المشارح، لأن قضية الجثث تتعلق بجريمة فض اعتصام القيادة العامة ومصير مفقودين لم يتم التوصل إلى أماكن وجودهم حتى الآن.
وعلى الرغم من مصادقة السودان في 23 فبراير/ شباط 2021 على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إلا أنها لم تقم بأي إجراءات فعلية لمواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقية، هذا ما قاله رئيس هيئة محامي دارفور، صالح محمود، مساء الثلاثاء، خلال مخاطبته ندوة نظمها المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام ومبادرة مفقود ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الخرطوم.
ولفت إلى أن الأجهزة الأمنية في السودان ظلت تستخدم الإخفاء القسري لعقود ضد الناشطين السياسيين والحقوقيين، مشيرا إلى بيوت الأمن السرية التي كان يخفى فيها المعارضون ويعذبون أحيانا حتى الموت في «بيوت الأشباح» وذلك دون السماح لهم بالاتصال بذويهم أو الكشف عن مكانهم.

حملات جماهيرية واسعة

دعا المدافع عن حقوق الانسان محمد عبد السلام، خلال مخاطبته الندوة إلى حملات جماهيرية واسعة لإعادة المفقودين، مؤكدا على ضرورة تعديل القوانين المعيقة للعدالة ورفع الحصانات.
وأبدت مسؤولة ملف سيادة القانون في مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الخرطوم، إسعاف بن خليفة، تحفظ المفوضية على الشروع في عمليات الدفن دون ضمانات فنية لحفظ الأدلة، مشيرة إلى وجود شبهة جنائية فيما يلي الجثث الموجودة في المشارح متعلقة بفض الاعتصام حسب إقرار السلطات المختصة.
وأشارت خلال الندوة إلى أنهم التقوا السلطات السودانية ضمن مجموعة من ممثلي المنظمات الدولية وقدموا نصائح حول استخدام بروتوكول مينيسوتا المتعلق بالتحقيق في حالات الوفاة التي يحتم أن تكون غير مشروعة.
وشارك في الندوة التي جاءت بالتزامن مع اليوم العالمي للاختفاء القسري عدد من أسر المفقودين. وقالت زينب عز الدين والدة المفقود محمد عبد المنعم (16 عاما) إنها فقدت ولدها منذ خروجه في تظاهرات 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مشيرة إلى أنها بحثت في كل المعتقلات وطرقت أبواب كل الجهات المختصة دون فائدة، محملة السلطات مسؤولية سلامة ابنها.
أما والدة وشقيق المكاشفي مهدي، المختفي منذ فض اعتصام القيادة العامة، فقالا إنهما فقط يريدان معرفة حقيقة ما حدث له وهل هو حي أو ميت، مؤكدين أنهما لم يستطيعا الحصول على أي معلومات عنه منذ فقدانهم الاتصال به.
وقالت لجنة الأطباء السودانيين في بيان، أن قرار النائب العام بدفن الجثث مجهولة الهوية في المشارح، منحى خطير يتعارض مع البرتوكولات والقوانين التي لها صلة بالأمر، مؤكدة أن الخطوة تأتي في إطار الأحداث المتعلقة بانتهاكات السلطة الانقلابية والسجل الخاص بتعامل الأجهزة العدلية مع ضحايا الثورة السودانية، واعتبرت القرار محاولة لدفن الأدلة الدامغة التي تدين القتل الممنهج عن طريق سلاح الدولة ووأد العدالة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية