عواصم – «القدس العربي»: قُتل 11 مقاتلاً من المجموعات الموالية لإيران جراء ثلاثة استهدافات جوية منفصلة طالت في أقل من 24 ساعة شاحنات في شرق سوريا بعد عبورها تباعاً من الجانب العراقي، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي قال إنها كانت تقل أسلحة.
وتعد المنطقة الحدودية بين شرق سوريا والعراق من أبرز مناطق نفوذ إيران والمجموعات الموالية لها في سوريا، وبينها فصائل عراقية. وتعرضت على مر السنوات شاحنات كانت تقلّ أسلحة وذخائر ومستودعات ومواقع عسكرية تابعة لتلك المجموعات إلى ضربات جوية، بينها ما أعلنت عنه واشنطن وأخرى نُسبت إلى إسرائيل.
ورجح مختصون في الشأن الإيراني تحدثوا لـ”القدس العربي” أن يكون “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن هو الجهة التي تقف خلف الغارات التي استهدفت ليل الأحد/الإثنين قافلة شاحنات تابعة للميليشيات المدعومة من إيران، بالقرب من مدينة البوكمال شرق دير الزور، وذلك في إطار الرد على الهجوم الأخير الذي تعرضت له قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي، الأسبوع الماضي.
طائرات مجهولة
وليل الأحد/الاثنين، استهدفت طائرات مسيرة “مجهولة” شاحنات في بلدة الهري عقب دخولها سوريا من العراق، ما أسفر عن تدمير 6 شاحنات، ومقتل وإصابة من كانوا فيها، وفق مصادر محلية.
ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، ما فتح باب التساؤلات حول وقوف إسرائيل أو “التحالف الدولي” خلفه، ويستبعد الخبير العسكري والباحث المختص بالشأن الإيراني ضياء قدور، وقوف إسرائيل وراء الهجوم، ويقول لـ”القدس العربي”: إنه “يمكن ملاحظة أن شرق سوريا يخضع لمهام التحالف الدولي، بموجب التفاهمات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
ويوضح قدور، أن الضربات الإسرائيلية تركزت في العام 2022 على جنوب سوريا (دمشق، درعا، القنيطرة) والوسط (حمص، حماة والساحل (اللاذقية/ طرطوس)، والشمال السوري (حلب) بدرجة أقل، أما شرق سوريا، حسب الباحث، فهي من صلب اهتمام “التحالف الدولي”.
مصدر عسكري قال لـ “القدس العربي” إن الغارات استهدفت خلال الساعات الماضية، 7 برادات شحن في قرية الهري بريف مدينة البوكمال، قادمة من العراق.
وحسب الضابط المنشق عن النظام السوري فإن “الطيران الإسرائيلي نفذ غاراته الأولى الليلة الماضية مستهدفاً براد شحن محملاً بالأسلحة، ثم نفذت الطائرات غارة ثانية بفاصل دقيقتين، مستهدفة ثلاثة برادات في معبر السكك غير النظامي في البوكمال، وفي الغارة الثالثة عاود الطيران يوم الاثنين استهداف الشاحنات قرب ساحة الأسطورة، بعد إصرار الميليشيات الإيرانية على إدخالها”.
ورجح المصدر أن يكون الطيران الحربي هو من نفذ الغارات، لا المسير، مدللا على ذلك بأن “الغارة الأولى كانت عبارة عن طلقات رشاش تحذيرية من الطائرة، أذنت للسائقين بالهروب وترك السيارات، تبعها غارة ثانية استهدفت ثلاثة برادات، بينما استهدف الطيران الحربي الاثنين قافلة مؤلفة من 4 برادات شحن محملة بالأسلحة”.
ضربة ثالثة
وغداة استهداف طائرات مسيّرة قافلة شاحنات في ريف البوكمال، بعد عبورها من العراق، ما أوقع سبعة قتلى من القوات الموالية لطهران، وفق المرصد، استهدفت طائرة مسيّرة صباح الاثنين سيارة رباعية الدفع في المكان ذاته. وأدى القصف إلى “مقتل قيادي في مجموعة مقاتلة موالية لإيران مع اثنين من مرافقيه من جنسيات غير سورية”، بينما كانوا يتفقدون موقع الاستهداف ليلاً، حسب المصدر ذاته. وبعد ساعات عدة من الهجوم الثاني، استهدفت طائرة مسيرة صهريج نفط رجح المرصد السوري أنه كان يقل أسلحة وذخائر، ما أدى إلى انفجاره ومقتل مقاتل موال لإيران.
ولم يتمكن المرصد من تحديد جنسيات القتلى في الهجمات الثلاث، ولا هوية الجهات التي نفذتها. ولم يعلن أي طرف مسؤوليته حتى اللحظة. إلا أن مصدراً سورياً في معبر البوكمال، رفض الكشف عن اسمه، نفى أن تكون الشاحنات المستهدفة محملة بأسلحة.
وقال لوكالة فرانس برس الإثنين إن “قافلة مؤلفة من 25 شاحنة مبردة كانت قد حازت على ترخيص مسبق للدخول تباعاً الى سوريا، وقد تعرضت لثلاثة استهدافات منذ ليل الأحد”. وأوضح أن “الشاحنات محملة بمواد غذائية مقدمة كمساعدات من إيران الى الشعب السوري”.
وبدأت الضربات ليلاً باستهداف ست شاحنات تبريد فور دخولها من العراق، وكانت تقل أسلحة إيرانية وفق ما أفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن فرانس برس. ولم يصدر أي تعليق رسمي من دمشق، لكنّ إذاعة “شام إف إم” المحلية المقربة منها ذكرت أن طيراناً “مجهول الهوية استهدف بعدد من الغارات ست شاحنات تبريد” أثناء توقفها شرق البوكمال “بعد اجتياز البوابة الحدودية المشتركة مع العراق”.
وفي العراق، أكد مسؤول من سلطات الحدود لفرانس برس أنّ “الشاحنات التي قصفت داخل سوريا عراقية لكنها لا تحمل أي بضائع عراقية”. وقال إنّ “الشاحنات تقلّ بضائع إيرانية باتجاه سوريا وقد عبرت من منافذ غير رسمية”، مرجحاً استخدام شاحنات عراقية عوض الإيرانية لتلافي تعرّضها للقصف. وحسب المرصد، دخلت قافلتان على الأقل خلال هذا الأسبوع من العراق، أفرغتا حمولتهما في مدينة الميادين، لافتاً إلى نقلها “أسلحة متطورة” الى مجموعات موالية لطهران.
15 ألف مقاتل
وتعدّ إيران داعماً رئيسياً لدمشق. وقدمت لها منذ بدء النزاع في العام 2011 دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وقد بادرت في العام 2011 إلى فتح خط ائتماني لتأمين احتياجات سوريا من النفط بشكل خاص، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم الجيش السوري في معاركه. وقد ساهم هؤلاء في ترجيح الكفة لصالح القوات الحكومية على جبهات عدة. ومحافظة دير الزور مقسمة بين أطراف عدة، إذ تسيطر قوات النظام ومقاتلون إيرانيون ومجموعات موالية لهم على المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى جزءين، فيما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي فصائل كردية وعربية مدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على المناطق الواقعة عند ضفافه الشرقية.
ويقدّر المرصد انتشار نحو 15 ألف مقاتل من القوات الإيرانية من المجموعات الموالية لها في المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال والميادين. وتتعرض المنطقة بين الحين والآخر لضربات جوية، استهدفت إحداها في تشرين الثاني/نوفمبر قافلة تضم صهاريج محروقات وأسلحة بعد عبورها من العراق. وأسفر القصف الذي أعلنت اسرائيل مسؤوليتها عنه لاحقاً، عن مقتل 14 مقاتلاً موالين لطهران.
ومنذ بدء النزاع عام 2011، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية في سوريا، مستهدفة مواقع لقوات النظام وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله. ونادراً ما تؤكّد تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وأقر التحالف الدولي مراراً بتنفيذه ضربات ضد مقاتلين موالين لطهران.
نصف مليون قتيل
وتشهد سوريا منذ عام 2011 نزاعاً دامياً متشعب الأطراف، تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وقال الباحث بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي إن الضربات الأخيرة تأتي في الغالب رداً على استهداف منطقة التنف في 20 كانون الثاني/يناير الحالي، وتبني ميليشيا عراقية مرتبطة بإيران الهجوم. وقبل أيام، أعلنت ميليشيا عراقية مسلحة تطلق على نفسها اسم “تشكيل الوارثين” الهجوم على قاعدة التنف العسكرية التي تتمركز فيها القوات الأمريكية وفصائل محلية، مؤكدة أن “الهجوم يأتي لأن الولايات المتحدة تتخذ من التنف قاعدة لإدارة عملياتها في العراق”.
وقال بيان صادر عن “تشكيل الوارثين”: “لا يستطيع أحد إيقاف عملياتنا أبداً، وحذرنا كثيراً من التهاون والركوع أمام الاحتلال الأمريكي في المنطقة، ومن لم يسمع صوتنا المطالب بإخراج المحتل سيركع أمام رصاص بنادقنا”، ولمح البيان إلى أن الهجوم يأتي في الذكرى الثالثة لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الذي قتل في 3 كانون الثاني/يناير 2020، بصاروخ أمريكي قرب مطار بغداد الدولي.
وفي حديثه لـ”القدس العربي”، أضاف النعيمي أن الضربات المتبادلة تأتي في سياق ردود الأفعال للقوى المتواجدة في سوريا. لكن الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، يستبعد أن تكون الضربات رداً على استهداف التنف، ويرى أن الهدف منها، منع وصول معدات عسكرية وقطع تجميع الطائرات المسيرة الإيرانية. وأضاف لـ”القدس العربي” أن المسيرات في سوريا باتت أمراً مقلقاً للتحالف الدولي والولايات المتحدة، حيث تزايدت في الآونة الأخيرة الهجمات التي تتعرض لها قواعد التحالف بالمسيرات.
واللافت أن الغارات الأخيرة كانت مزدوجة، حيث عاودت المسيرات استهداف مكان الرتل للمرة الثانية، ما أدى إلى مقتل قيادي إيراني لم تُعرف شخصيته، كان يتفقد الضربات، وفق شبكة “نهر ميديا”.
وتابعت الشبكة بأن الميليشيات استنفرت عناصرها بعد الضربات، مؤكدة أنه جرى إخلاء مقرات في مدينة البوكمال وبلدة السويعية. وفي السياق ذاته، قالت قناة “الميادين” اللبنانية المقربة من إيران، إن الشاحنات التي تعرضت للقصف إيرانية، وكانت تعبر الحدود العراقية باتجاه الأراضي السورية بشكل رسمي، وتحمل مساعدات غذائية.