مقهى لبناني 80 ٪ من عماله ذوو إعاقة

حجم الخط
0

 بيروت ـ الأناضول: فور دخول الزبائن مقهى «أغونيست» في أحد المجمعات التجارية شرقي بيروت، يستقبلهم جورج (24 عاماً) المصاب بمتلازمة داون بابتسامة عريضة، ويهرع للاهتمام بهم بشكل كامل.
يقول: «بدأت العمل نادلاً في أغونيست منذ عام تقريباً.. وأسعى إلى تقديم الفرح للزبائن من خلال خدمتهم بحب ورفق واهتمام».
في 2018 انطلق العمل في مقهى أغونيست في منطقة الزلقا شرقيّ بيروت، مع طاقم كامل من ذوي الإعاقة، غالبيّتهم من المصابين بمتلازمة داون أو مرض التوحد أو متلازمة أنجلمان وغيرها من الحالات.

قدرات فكرية

ويذكر صاحب المقهى وسيم الحاج: «خلال عملي معالجاً فيزيائيّاً مع أشخاص من ذوي الإعاقة، لاحظت أن لديهم قدرات فكرية وجسدية هم في حاجة لإظهارها في المجتمع، ولاحظت شغفهم لأن يكونوا منتجين كغيرهم».
ويتابع: «انطلاقة المقهى كانت في ديسمبر/ كانون الأول 2018 حيث افتتحنا فرعنا الأول في منطقة الزلقا، وبعدها بـ3 سنوات افتتحنا فرعاً آخر في مجمع تجاري في الحازمية في الضاحية الجنوبية لبيروت».
وعن المخاطرة التي رافقت هذا المشروع الأول من نوعه في لبنان، يوضح الحاج: «في البداية كنا قلقين من أن تكون نظرة الناس سلبية للمقهى».
ويستدرك: «إلا أن المجتمع اللبناني أظهر العكس، خاصةً جيل الشباب، الذي أظهر محبّته وقدّم الدعم لهذه المبادرة، اليوم صارت الناس تقصدنا لعيش هذه التجربة المميزة».
وعن طريقة اختيار الموظفين، يلفت صاحب المقهى قائلاً: «في البداية تعاونّا مع «الجمعية اللبنانية لتثلث الصبغية «غير الحكومية، وبدأنا العمل مع 6 موظفين فقط، وبعدها بدأت تردنا طلبات التوظيف بكثرة.
وحسب الحاج، يخضع الموظف للتدريب على مهام المقهى كافة لمدة 3 أشهر، ومن لا يتمكن من تسلم مهمّات صعبة كتحضير المشروبات، يتوقّف دوره على تقديم الطعام والمشروبات للزبائن.
ويوضح: «بعد خبرتنا في المقهى خلال السنوات الماضية عدّلنا قليلاً في سياستنا، فبدل أن يكون طاقمنا كاملاً من أصحاب الإرادة الصلبة، أصبح 80 ٪ وذلك من أجل تسهيل العمل أكثر خاصة عند الازدحام».
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، دفع العجز عن الصمود بعشرات المطاعم والمقاهي إلى تصفية أعمالها والإقفال، وعن سرّ بقاء «أغونيست» يقول الحاج: «استطعنا الصمود خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب البركة في الشبان والشابات الموظفين لدينا».
ويتابع: «كما قدّمت جمعيات عدة يد العون والمساعدة، من خلال دفع إيجار المحلات ورواتب الموظفين لتخطّي الأزمة، والآن استطعنا العودة للانطلاق والوقوف من جديد». وعن الفرق بين «أغونيست» وأي مقهى عادي، يلفت الحاج إلى أنه «لا فرق بالشكل، إنما الإضافة تكمن بالفرح والحب المجّاني الذي يحصل عليه الزبون، وهذا ما يجذب الناس إلينا».

تأثير إيجابي للاندماج

غيّر المقهى حياة أصحاب ذوي الإعاقة بطريقة جذرية، فالكثير منهم لم يسبق لهم أن عملوا، ولم تكن لديهم فرصة للاندماج في المجتمع.
وهنا، تقول فرح (33 عاماً) مصابة بمتلازمة أنجيلمان: «بدأت العمل في أغونيست منذ 3 سنوات، واليوم أصبح هذا المكان كعائلتي الثانية، لأنه استطاع إعطائي القوة في الحياة، في السابق لم يكن لديّ أي عمل».
وتتابع: «الناس والزبائن تحبّنا وتتعامل معنا بلطف وبشكل رائع، وبدورنا نمنحهم الفرح والإيجابية لأننا نعمل من كلّ قلبنا». ما تعيشه فرح من إيجابية ينطبق على سائر موظفي المقهى وهنا يشير الحاج إلى أن «هذا العمل كان له وقع إيجابي على نفسيات ذوي الإعاقة».
ويقول: «عائلاتهم أخبرتنا أنهم كانوا يعيشون في إحباط قبل إيجاد وظيفة، لكن بعدها تغيرت حياتهم بشكل تامّ».
ويضيف: «يشعرون أن هذا المقهى هو حلمهم الذي تحقق، لذا نخاف من التأثير السلبي عليهم في حال أقفلنا يوماً ما».
وعن اندماج هذه الفئة من المواطنين في سوق العمل، يقول: «بعد تجربتنا تبيّن أن سوق العمل قابل لدمج أصحاب الاحتياجات الخاصة، حتى إننا ساعدنا البعض على إيجاد وظائف لهم في شركات أخرى».
ولا شكّ أن مقهى «أغونيست» غيّر حياة العديد من الشبان والشابات في لبنان، من خلال دمجهم في المجتمع ومنحهم دوراً ليُظهروا مهاراتهم وليظهروا أنهم قادرون على الإنتاج كأي شخص عادي.
حسب حقوقيين لبنانيين، لا حقوق لذوي الإعاقة في البلاد على أرض الواقع، فالقانون 220/2000 الخاص بهذه الفئة من المواطنين غير مطبّق في معظمه حتى الآن.
القانون يضمن (على الورق) «حق السكن والتنقل والتعليم، ويخصّص كوتا توظيف في القطاعين العام والخاص بنسبة 3 ٪ في كلّ منهما، والحق في الصحة والبيئة المؤهّلة، والإعفاء من بعض الضرائب والخدمات العامّة، إضافة إلى الحقوق السياسية والرياضية».
إضافةً إلى عدم تطبيق القانون، لم يصدّق لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2006 كأول اتفاقية عالمية لحقوق الأشخاص المعوقين، رغم أنه شارك في صياغتها.
ويقول حقوقيون إن لبنان يتعامل مع حقوق الإنسان عامّة وذوي الإعاقة خاصةً على أنها «ليست أولوية» رغم أنهم يشكلون 15 ٪ من عدد السكان، حسب تقرير البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.
ووسط هذا التهميش الرسمي والأوضاع الاقتصادية المزرية، يجد ذوو الإعاقة أنفسهم في مواجهة حياة يصعب فيها حتى تأمين لقمة العيش.
لكن وزارة الشؤون الاجتماعية تقدم عدة خدمات لهذه الفئة، حيث تتعاقد مع 102 مؤسسة رعاية منتشرة على الأراضي اللبنانية كافة، لرعاية 8500 شخص من ذوي الإعاقة.
من ذلك «بطاقة معوق» التي يستفيد حاملها من خدمات نصّ عليها قانون المعوقين، ويتعلق جزء منها بالإعفاءات وجزء بالحوافز، وجزء آخر بخدمات إعانة، مثل كرسي متحرك وأطراف صناعية، وسمّاعات أذن، وحفاضات وأمصال، وتقديمات سُلف مالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية