كان احتمال فوز اليمين المتطرف بالرئاسة في فرنسا مثار قلق بالغ لدى قادة الاتحاد الأوروبي. لهذا نشر المستشار الألماني أولاف شولز ورئيسا الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز والبرتغالي أنطونيو كوستا، قبل يومين من الدورة الثانية، مقالا في “لوموند” يناشدون الشعب الفرنسي عدم الاغترار بالأوهام التي تروجها مارين لوبان “المنحازة علنا إلى من يهددون حريتنا وديمقراطيتنا – أي القيم الأساسية التي أتتنا رأسا من التنوير الفرنسي”. ومصدر الخطر المقصود هو فلاديمير بوتين الذي “اتخذه الشعبويون واليمين المتطرف في جميع بلداننا مثالا إيديولوجيا وسياسيا، وصاروا صدى مرددا لمطالبه القومجية، حيث يستنسخون هجماته على الأقليات وعلى التنوع الاجتماعي ويشاطرونه الحلم بأمة ذات لون واحد وشكل واحد”.
أما أحدث الأدلة على أن المجتمع الفرنسي قد أوغل في التطبيع مع اليمين المتطرف فهو أن حوالي 10 بالمائة من الفرنسيين المقيمين في مختلف أنحاء تونس قد صوتوا للوبان
لكن رغم ما بين بوتين وقادة الديمقراطيات الليبرالية من العداء المتزايد، فإنه راعى أصول الدبلوماسية وانضم إلى بقية الحكام الأوروبيين الذين بعثوا رسائل تهنئة إلى إيمانويل ماكرون. صحيح أن نص التهنئة “لك أخلص أمنياتي بالعمل الناجح والصحة الموفورة” غريب شيئا ما، ولهذا علق أحدهم أنه عندما يعبر حليف مارين لوبان، ضابط الكي جي بي السابق ومجرم الحرب، عن تمنياته بصحة جيدة لمن انتصر على حليفته، فإن مجاملته هذه تكون بطعم النوفيتشوك (غاز الأعصاب الذي يستخدمه نظام بوتين في تصفية معارضيه). لكن الصحيح أيضا أن انفصال بوتين عن الواقع لم يبلغ به حد توهّم فوز حلفائه أو قطع شعرة معاوية مع أعدائه.
كل حكام أوروبا، بمن فيهم بوتين، هنأوا وجاملوا ولم يتخلف أحد إلا رئيس حكومة المجر… ذلك الدكتاتور الموتور المعذور بوتره. ذلك أن فيكتور أوربان (الذي استهزأ به رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان-كلود جنكر ذات يوم هاتفا: أهلا بالدكتاتور!) هو أحد أكبر الخاسرين في الرئاسيات الفرنسية. فقد كان يمنّي النفس بأن تفوز لوبان فتعزز حلف اليمين الانعزالي الأوروبي الذي يطمح هو لتزعّمه بعد إعادة بنائه. لكن رغم فوزه هو وحزبه أوائل هذا الشهر بالانتخابات البرلمانية في المجر، فإن حليفه في سلوفينيا قد انهزم الأسبوع الماضي. كما أن حلفاءه في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا والنمسا إما طردوا من الحكم أو لم يبلغوه. فلم يبق له إلا الحليف البولندي المتمزق اليوم بين مواقفه اليمينية المتطرفة وهجومه الممنهج على سيادة القانون واستقلال القضاء وحرية الإعلام، وبين ضرورة الانسجام مع مواقف الاتحاد الأوروبي من نظام بوتين.
لكن لا بد مع هذا من مواجهة الحقيقة المفزعة: اليمين المتطرف لن يندثر قريبا، بل إنه باق ويتمدد وسيكون له عودة. ولا ضامن بأن هذه العودة، في 2027، لن تكون مظفرة. فقد قرع باب الرئاسيات ثلاث مرات، وكلما فعل كلما ازدادت شعبيته: بدء من 12 بالمائة عام 2002 بلوغا إلى 41 بالمائة هذا العام. الأمر الذي يعني أن وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا ربما هو مسألة وقت ليس إلا. وإذا حكم فلن يكون المهاجرون والمواطنون من أصول مغاربية وإفريقية هم الضحية الوحيدة. إذ تكفي نظرة إلى سجل تصويت حزب لوبان في البرلمان الأوروبي للتأكد من رجعية مواقفه في جميع المسائل: فقد صوت في أكتوبر 2019 ضد مشروع قرار يهدف لإنقاذ المهاجرين من الغرق في مياه المتوسط، وفي يناير 2020 صوت ضد مشروع قانون للتعجيل بتضييق الهوة بين رواتب الرجال والنساء، وفي يونيو 2020 صوت ضد مشروع قانون يدين كل أشكال العنصرية ويعدّ الرق جريمة ضد الإنسانية، وفي سبتمبر 2021 صوت ضد تقرير يدين كل أشكال العنف ضد النساء، وفي نوفمبر 2021 رفض إدانة الجرائم التي ترتكبها ميليشيا فاغنر الروسية، وفي ديسمبر 2021 صوت ضد مشروع قرار يدعم استقلال أوكرانيا ويشجب الحشد العسكري الروسي على حدودها، وفي فبراير صوت ضد منح مساعدات لأوكرانيا بقيمة مليار ومائتي مليون يورو.
هذه هي حقيقة لوبان وحزبها. صحيح أنها أتقنت التنكر، أثناء الحملة الانتخابية، في صورة المرأة الرقيقة الحنون وأكثرت من نشر صورها وهي تعانق قططها. لكن الحقيقة أن حزبها هو وريث مذهب سياسي رجعي مناهض للثورة الفرنسية يمتد من المفكر جوزيف دوماستر قديما إلى الكاتب شارل موراس حديثا ويسعى لتقويض مكاسب التنوير وإعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789).
أما أحدث الأدلة على أن المجتمع الفرنسي قد أوغل في التطبيع مع اليمين المتطرف فهو أن حوالي 10 بالمائة من الفرنسيين المقيمين في مختلف أنحاء تونس قد صوتوا للوبان، بل إن نسبة المصوتين لها في جزيرة جربة (التي ستستضيف قمة الفرانكوفونية) قد تجاوزت 33 بالمائة..! إنها لغرائب يحتار فيها العقل. مقيمون عندنا لكنهم يصوتون لمن هو ضدنا. مقيمون عند العرب ويريدون أن يؤول الحكم إلى من يبغض العرب!
٭ كاتب تونسي
و ما رايك في عرب بعيشون عندهم و يصوتون ضدنا
حقيقة لم أفهم، هل مفهوم (الديمقراطية) هو من ليس معنا، فهو ضدنا، على أرض الواقع، أم ماذا، يا أهل مهنة الإعلام، وآلته المهنية، في دولة الحداثة/الأتمتة؟!
لا اجد اي غرابة في تصويت فرنسيين في تونس او في غيرها للوبان او لمن على شاكلتها ما دام الاستعمار حالة ذهنية يمكن توارثها هي أيضا!
العنصريون في اروبا هم افقر اهلها فكرا و معرفة و ثقافة بالشأن السياسي الدولي و تداخلاته المستترة و حتى الظاهر منها! حينما يحكمون سيصحون على حقائق تصفعهم و يتراجعون!!
من نحن لكي يصوتوا ضدنا
هل نحن نشكل حزبا سياسيا
فمواقف ساساتنا و مثقفين ضد أوروبا و المهاجرين الأفارقة في بلداننا و ضد غير المسلمين
فهناك تحالف استراتيجي فكري و مذهبي
أصبحت فرنسا علامة تعجب وكذلك علامة استفهام
كلام في الصميم ,لكن العلمانيين التونسيين ينهجون نفس نهج لوبان بتقربهم للفرنسيين في معتقداتهم و سلوكاتهم السلبية و يتنكرون لقيمهم الاسلامية مع ذلك الفرنسيين يمقتونهم لأنهم عرب و مسلمين