عمان ـ «القدس العربي»: مسألتان أساسيتان لا يمكن إسقاطهما من حسابات البيدر السياسي عندما يتعلق الأمر بأي رؤية تشخيصية وليست نقدية لواقعة قمة العقبة الأمنية وما سبقها من نقاش أو ما أعقبها من جدال وتحذيرات خلال الأسبوع الماضي.
المسألة الأولى هي حتمية الانطباع الرسمي المتداول بان الأردن حقق فعلا حزمة من المكاسب دبلوماسية الطابع من خلال استضافة واحتضان تلك القمة بصرف النظر عن نتائجها. والثانية هي تلك التي تشير إلى ان الأردن دخل في بعض الزوايا الحرجة بصرف النظر عن مستوى ومنسوب وحجم تلك المكاسب والفوائد الدبلوماسية جراء اشتباكه واقتحامه أو اختراقه كما جاء على لسان مصدر مسؤول لترتيبات قمة العقبة، والتي انتهت من حيث المضمون والنتائج عمليا بعبارة «لا شيء محددا» خصوصا وان أركان حكومة اليمين الإسرائيلي التي وافقت على حضور القمة والتوقيع على نص بيان بروتوكولها أصلا هي التي سارعت لنعي النتائج وإعلان عدم الالتزام بها بدءا من بنيامين نتنياهو إلى وزراء الخارجية والمالية والأمن القومي في طاقمه. حيث سارع كما توقعت تماما المؤسسة الأردنية العميقة، اليمينيون المتشددون في حكومة ائتلاف نتنياهو إلى التنصل والتبرؤ من تلك القمة ومضمونها ونتائجها.
هنا لم يعد سرا في أوساط نخب عمان العاصمة ان حالة التنصل اليمينية من الحكومة ينظر لها في الخارجية الأردنية باعتبارها مكسبا كبيرا بالمعنى الدبلوماسي وليس بالمعنى السطحي السياسي المباشر، لأن الأردن يعرف مسبقا بان نجاح مقررات أي لقاء يعقده مرتبطة إلى حد ما بالالتزام والتنفيذ.
وما يقصده الأردنيون هنا عبر عنه الوزير السابق محمد المومني، فالعالم الذي كان مشوشا ويتبنى «مقولات الإسرائيليين» يعرف الآن أكثر وبسبب الاختراق المثير في قمة العقبة الأمنية هوية الطرف الذي يعرقل ويعطل الأمور.
السلطة الفلسطينية كانت موجودة ممثلة بجنرالات ومسؤولين كبار فيها وأظهرت مرونة في القيام بالواجب الأمني الذي تتحدث عنه إسرائيل، وبرزت كشريك محتمل بدعم من الأردن ومصر وسط شهود بينهم مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية أيضا. ولا يعني ذلك وفقا للمومني وآخرين إلا ان المجتمع الدولي بعد قمة العقبة الأمنية يستطيع ان يفهم مسبقا اليوم حقيقة الوضع الداخلي في فلسطين المحتلة وحقيقة صعوبة إلزام أو التزام الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية التي تحكم تل أبيب وذلك مكسب لم يكن من الممكن تسجيله بمعنى فضح اليمين الإسرائيلي وتعريته حتى أمام المؤسسات الأمريكية لو لا قمة العقبة، مع أن سؤالا استفهاميا ينطوي على بعض الاستنكار سمعته «القدس العربي» على لسان الدكتور مروان المعشر لاحقا: «نريد أن نعرف من فضح من؟».
والمغامرة الدبلوماسية الأردنية في العقبة جنوبي البلاد كان يمكن ان تنتهي بواحدة من حالين.
الأولى هي إنتاج خطوات فعلية وأرضية تسمح بتثبيت برنامج التهدئة الأمريكي المقترح.
والثانية إذا لم تحصل الأولى تذكير الجميع بحقيقة الوضع المضطرب ودفع المجتمع الدولي للانتباه أكثر وهنا مكسب في عرف الدبلوماسية الأردنية يمكن الرهان عليه لبناء حسابات جديدة ومختلفة.
التهدئة إذا ساهمت فيها قمة العقبة المشار إليها تشكل مدخلا معقولا ومنطقيا بالنسبة للأردن باتجاه الانتقال إلى مسار النمو الاقتصادي الإقليمي.
ويعني ذلك وفقا لتفسير أو قراءة سمعتها «القدس العربي» من مختصين في الدولة الأردنية ان عمان تربط ضمنا بين مسارات التنمية الاقتصادية وتفاعلات مؤتمر النقب 2 وبين جهود سياسية وأمنية للتهدئة على الأرض. وهذا الربط بحد ذاته يعبر عن ذكاء وألمعية حسب تفسيرات محلية بطبيعة الحال بصيغة تعيد التركيز على ان فصل المسارات في القضية الفلسطينية خطوة في غاية العبث وغير منتجة، فنجاح الأمريكيين في ترتيبات النقب 2 تتطلب تهدئة في الأراضي المحتلة من جهة الإسرائيليين، ونجاح التهدئة شرط موضوعي لمسار النقب بحضور وفد فلسطيني.
بالمعنى السياسي والتنفيذ الأمني يتطلب وجود شريك فلسطيني ووجو وتوفير طاولة العقبة للتذكير بوجود شريك فلسطيني مما ينبه الأمريكيون إذا أرادوا إنجاح مشاريع التنمية الاقتصادية عبر النقب 2 أو غيره بأن عليهم ضبط إيقاع المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية.
وهنا تعتقد أوساط القرار الردني ان متوالية هندسية سياسية بهذا المعنى تم تكريسها.
وبالتالي يبرز المكسب الثالث الأساسي. أما المكسب الرابع فهو الذي أتاح وبصرف النظر عن نتائج اللقاء التشاوري في العقبة للأردن ولأول مرة وبدون حسابات أو حساسيات أو حتى تردد الجلوس بصفة راعي لقاءات إسرائيلية وفلسطينية برفقة مظلة أمريكية أيضا أو بحضور أمريكي بدلا من شرم الشيخ أو الشقيق المصري فقط ودوما.
وتلك نقطة كانت بالعادة في غاية الحساسة بالنسبة لحسابات الأردنيين السياسية وتم الآن تجاوز تلك الحساسية بعودة الأردن كطرف يمثل أضنة دبلوماسية لمشاورات ضمن حالة تقاسم مع المصريين في هذا السياق.
تلك عمليا المكاسب المفترضة وجزء منها بطبيعة الحال لا يمكن إسقاطه من الحساب أو نكرانه، لكن السؤال هو ماذا عن المخاسر المفترضة أيضا والتي تحقق بعضها فورا؟
سؤال صعب لأن الإجابة عليه بالتشخيص تتطلب فهم منطق المغامرة في تأسيس قمة العقبة الأمنية وتجاوز منطق المكاسب الاستراتيجية على حساب المخاسر التكتيكية السريعة.
وهنا برز بان جرعة القلق عند الشعب الأردني زادت فورا جراء إستضافة لقاء العقبة والسبب برأي محللين بارزين هو ان هذا اللقاء بعد أسابيع قليلة من استقبال بنيامين نتنياهو في عمان مؤشر خطر على مخاطر مسار التكيف الذي أصبح عنوانا لأداء بوصلة القرار الأردني، فالتحضير للمشاركة في النقب توازى معه الاسترسال في التطبيع مع حكومة يمينية متطرفة في نهاية الأمر. ومستوى المخاوف على المصالح الأردنية والهوية الوطنية الأردنية يتناسب طرديا الآن مع كل خطوة يقطعها الأردن في الاشتباك الدبلوماسي مع حكومة إسرائيل الحالية وذلك مخسر في رصيد الطاقم الذي يدير الأمور في الدولة الآن، بلا شكوك يوازيه مخسر آخر حيث برز إسم العقبة لأول مرة في بيانات فصائل المقاومة الفلسطينية وبحذر شديد، وهو ما لم يحصل سابقا وبالمقابل صدرت بيانات لقوى سياسية وحزبية أردنية تندد بالعقبة ومؤتمرها باعتباره سلوكا تطبيعيا مخيفا يدلل على ان الحكومة الأردنية يبدو انها في إتجاه المسارات الإبراهيمية.
في المحصلة ثمة مكاسب «غير مقبوضة» أو مدعاة و«مخاسر» ملموسة، لكن نهاياتها لا تزال مفتوحة.