زار يوري شارابوف، مدير معهد الماركسية اللينينية في موسكو، منزل ستالين، عام 1957، في مهمة لمراجعة كتب الزعيم السوفييتي الشهير، الذي كان قد توفي قبل أربع سنوات، لضمها إلى مكتبة المعهد. خلال تفتيشه وجد مكتبة خشبية سويدية طويلة مليئة بكتب في كثير منها مساطر تأشير. كانت أدبيات كتبها مهاجرون وأعضاء في «الحرس الأبيض»، من المعارضين الذين كان ستالين يعتبرهم خصومه الأيديولوجيين وأعداءه. علّق شارابوف على ما رآه قائلا: يجب أن أعطي ستالين التقدير الذي يستحقه: لقد قرأ كل هؤلاء باهتمام كبير!
اكتشف شارابوف أن ستالين كان مهتما بالتاريخ، أكثر من كتب التنظير الاستراتيجي. «كانت صفحات الكتب القديمة التي شرحت الحروب التي قام بها الآشوريون والإغريق والرومان مليئة بملاحظات كتبها». كان هناك قسم في المكتبة للروايات، وهناك سيعلّق شارابوف بازدراء على ما كتبه ستالين عام 1930 على نسخة من كتاب مكسيم غوركي «الموت والعذراء»: «هذا المقطع أهم من جملة غوته في «فاوست» (الحب ينتصر على الموت)».
في كتابه «مكتبة ستالين»، يقدم جيفري روبرتس، المتخصص بالأدب الروسي، سيرة شاملة للديكتاتور الشهير عبر الكتب التي جمعها، وكتب ملاحظاته المعجبة أو انتقاداته عليها، بما فيها سيرته الذاتية الرسمية، التي رفض نشرها عدة مرات، إلى أن أقنعه «صديقه» الروائي الفرنسي هنري باربوس بالإشراف على كتابة إحداها. منعت سلطات هذه السيرة لاحقا، بسبب تضمنها شخصيات كانت مقربة لستالين وحوكمت أثناء حقبة التطهيرات الشهيرة في الثلاثينيات، بتهم «خيانة الشعب» و«عداوة الدولة»، وصار اعتياديا تعديل نسخ سير ستالين الرسمية لاحقا، عبر الحذف المتواصل بالتوازي مع الحذف الذي يجري للأشخاص في الواقع!
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو الحذف الذي طال مقالة لستالين نشرت عام 1918، وقال فيها إن مجمل العمل لتنظيم التمرد تم تحت «القيادة العبقرية» لقائد سوفييت بتروغراد الرفيق تروتسكي، الذي يقول ستالين إنه لولا تأثيره على عمال المدينة لما نجحت الثورة.
على كتب خصومه الأيديولوجيين، كان ستالين يترك أحيانا عبارات مثل: غبي ـ خنزير ـ ها ها، غير أن روبرتس يؤكد أنه كان يمحّص كثيرا في ما يقرأه ويتعلم حتى من أعدائه الذين يحتقرهم. يظهر الكتاب أيضا أن تروتسكي كان أكثر تطرفا من ستالين في قضايا ديكتاتورية الحزب وعسكرة المجتمع والمعامل، ويورد تصريحا يفتي فيه تروتسكي بأولوية الحزب «لكونه الأداة الوحيدة في يد الطبقة العاملة» مؤكدا: «مع حزبي مصيبا أو مخطئا»!
في أحد مجلدات سيرة ستالين الرسمية الذي يغطي أعوام 1934-1940 توقف المسؤولون عن النشر أمام مشكلة، ما يجب فعله بالمراسلات التي جرت بين ستالين وأدولف هتلر، خصوصا ما يتعلق بتصريح ستالين عن «الصداقة بين شعبي ألمانيا والاتحاد السوفييتي، مدعمة بالدم، وفيها كل أسس البقاء والصلابة». طلب ستالين حذف هذه المراسلات وإبراز المراسلات التي جرت مع الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل.
يشير الكتاب إلى أن جوزف كان تلميذا نجيبا، وأن أساتذته يصفونه بلقب (بلبل) (اللفظة العربية نفسها التي انتقلت على ما يبدو للغة الجورجية)، ولعلّ أحد النقاط التي تضيء علاقة ستالين بالكتب (وهو أمر ميّز مجمل القادة البلشفيين على أي حال) هي اتخاذه لقب «كوبا» اسما حركيا في بداياته، مستلهما بطلا في أعمال روائي جورجي يدعى الكساندر كازبيغي.
مسرح نابوليون واهتمامات أسامة!
يقدم مؤلف «كتاب عن قوائم الكتب» قوائم مثيرة لكتب، منها قوائم شخصيات شهيرة أثرت في تاريخ العالم، وقوائم الكتب التي أحرقها النازيون، التي يتركها الناس خلفهم في الخنادق، أو ما قرأه الجنود في خنادق القتال، أو ما يطالب الناس، أو السلطات بمنعها، أو التي نفدت لرواجها، أو التي لم يبتعد الناس عن قراءتها.
ضمت قائمة كتب نابوليون بونابرت المتنقلة أعمالا مسرحية لكاميل وراسين وفولتير، وأعمالا في الشعر والسرد والتاريخ والسياسة والميثولوجيا لغريسيه وبيرني وموليير وبيرون ومونتسكيو وغيرهم. اعتبر نابوليون، حسب الكتاب، من أكثر الأباطرة قراءة للكتب، وأن أحد كتبه المفضلة خلال منفاه في جزيرة سانت هيلين كان «بول وفرجيني»، وأنه كان يقرأ خلال معاركه ولذلك كان يملك عدة مكتبات متنقلة. حاولت التفتيش عن أحد كتبه، المسمى «غراميات دافني وكلوي» ووجدت طبعة أولى يعادل ثمنها 10 آلاف جنيه! من الغريب، ربما، أن يبدأ جونسون كتابه بقائمة كتب أسامة بن لادن، بالقائمة الطويلة للكتب الإنكليزية التي وجدها أفراد القوات الخاصة الأمريكية الذين هاجموا مجمعه السكني في أبوتاباد في باكستان، وبعد تدقيقها وتحليلها تم عرضها للعموم، توضح القائمة اهتمام بن لادن بكتب مرجعية تنتقد الولايات المتحدة. تضم القائمة كتبا مثل «قتل الأمل: تدخلات أمريكا والسي آي إي العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية»، و»الدولة الشريرة: دليل للقوة العظمى الوحيدة» لوليام بلوم، و»الأوهام الضرورية: السيطرة على الفكر في المجتمعات الديمقراطية» و»السيطرة والبقاء: بحث أمريكا عن السيطرة العالمية» لنعوم تشومسكي، و»صعود وهبوط القوى الكبرى» لبول كينيدي، كما تضم كتبا عن هجمات أيلول/سبتمبر، وعن تنظيم «القاعدة»، وعن مشروع إيران النووي، وعن الحرب الحديثة. أحد الكتب المثيرة هو «غطرسة إمبريالية: لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب» لمايكل شوير، الذي كان مديرا لوحدة تعقبت بن لادن في وكالة المخابرات الأمريكية.
ضمت القائمة كتب السياسة والقانون ونظريات المؤامرة، ومنها كتاب عن تنظيم «الإلوميناتي» Illuminati وهي مجموعة علمية سرية مناهضة للكنيسة، ويقال إن كوبرنيكوس وغاليليو كانا من أعضائها، (استخدم الروائي الشهير دان براون هذه المنظمة موضوعا لروايته «ملائكة وشياطين»)، وأيضا عن التنظيمات السرية التي تدير أمريكا، وطرق التأثير الخفية في السياسة الأمريكية مثل «العدو الأمثل الذي يمكن للمال شراؤه»، و»أحسن ديمقراطية يمكن شراؤها»!
تفتح هذه المكتبات وقوائم الكتب والاهتمامات أبوابا واسعة للتحليل التاريخي والسياسي والنفسي والاجتماعي، وهي تحيل بالقدر نفسه ربما، إلى فكرة الأثر الهائل للكتب على أفراد لعبوا أدوارا خطيرة في تاريخ العالم، كما تحيل، بالدرجة نفسها، إلى دور هؤلاء في انتقاء تلك الكتب التي اختاروها، بحيث تقوم بتدعيم الهواجس الهائلة التي تسيطر عليهم.
كاتب من أسرة «القدس العربي»