غزة– “القدس العربي”:
هاجم تقرير صادر عن إحدى منظمات الأمم المتحدة العاملة في الأراضي الفلسطينية سلطات الاحتلال، بسبب الأوضاع الانسانية المتردية التي خلقها الحصار المشدد المفروض ضد قطاع غزة، منذ 15 عاما.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الانسانية “أوتشا”، في تقرير جديد له، أن الحصار يثير القلق إزاء العقوبات الجماعية وانتهاكات محتملة أخرى بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وطالب برفع الحصار عن غزة بالكامل وفقًا لقرار مجلس الأمن 1860.
وأشار التقرير إلى أن نحو 2.1 مليون فلسطيني في قطاع غزة محاصرين، وأنه بموجب إجراءات الاحتلال “لا تملك الغالبية الساحقة منهم القدرة على الوصول إلى بقية أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي”، مما يحد من إمكانية الحصول على العلاج الطبي الذي لا يتوفر في غزة ومؤسسات التعليم العالي والتمتع بالحياة الأسرية والاجتماعية والعثور على فرص العمل والفرص الاقتصادية.
ويؤكد التقرير الدولي أنه كان للقيود، التي لا تزال إسرائيل تفرضها على الحركة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وشدّدتها بعد استيلاء حماس على غزة في يونيو 2007 “بحجة الدواعي الأمنية”، أثر عميق على الأحوال المعيشية فيها، حيث قوضت وحدة الأرض الفلسطينية المحتلة، ومزقت النسيج الاقتصادي والاجتماعي فيها.
وأوضح أن الأشخاص المؤهلين للحصول على تصاريح الخروج يمثلون أقلية ضئيلة، وهم في معظمهم من العمال ورجال الأعمال والمرضى وموظفي المنظمات الدولية، لافتا إلى أنه في حين خفّت عزلة غزة إلى حد ما، بفضل إعادة فتح معبر رفح من جانب مصر منذ العام 2018، فإنه أوضح أيضا أن التنقل عبر المعبر لا زال مقيدًا، ويلف الغموض المعايير السارية على المسافرين.
وأشار تقرير “أوتشا” إلى أن القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على الوصول منذ أمد بعيد، أدت إلى تقويض اقتصاد غزة، مما تسبب في ارتفاع مستويات البطالة وانعدام الأمن الغذائي والاعتماد على المساعدات، وتحدث عن القيود المفروضة على تسويق البضائع في الضفة الغربية وإسرائيل، وإدخال بضائع معينة إلى غزة ووصول الناس إلى الأراضي الزراعية ومناطق صيد الأسماك في غزة نفسها، لافتا إلى أن أثر القيود المفروضة على الوصول بفعل الجولات المتكررة من الأعمال القتالية، التي أسفرت عن ضياع الأصول وإصابة أشخاص بإعاقات طويلة الأمد، وأزمة الطاقة الحادة واستمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني تتعاظم.
وأكد أن القيود المفروضة على إدخال البضائع، التي تعدّها إسرائيل أصنافاً “ذات استخدام مزدوج”، لا تزال قائمة بحجة المخاوف الأمنية، ما يقوض جودة الخدمات الأساسية، ويعيث الجهود المبذولة لمعالجة احتياجات الإسكان.
وحسب التقرير الدولي، فإن القدرة المحدودة على الوصول إلى مواد البناء والمعدات الضرورية منذ العام 2007، تسبّبت في تأخير بناء المنازل والبنية التحتية اللازمة لمعالجة النمو السكاني المرتفع والدمار الناجم عن الأعمال القتالية المتكررة والتأخر في إصلاحها وترميمها.
كما أفضى هذا الأمر إلى تراجع نوعية الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات المياه والصرف الصحي المتاحة في غزة، وإطالة أمد تهجير أولئك الذين فقدوا منازلهم جراء الهجمات العسكرية، موضحا أنه على الرغم من أن الآلية المؤقتة لإعادة إعمار غزة يسّرت دخول مواد البناء المقيدة بعد الأعمال القتالية التي اندلعت في العام 2014، لا يزال إدخال أصناف مقيدة أخرى، وخاصة تلك التي تلزم مشاريع المياه والصرف الصحي، يشكّل تحديًا رئيسيًا.
وقد استعرض التقرير بعض الأرقام التي أظهرت حجم الألم الذي يعاني منه سكان غزة بسبب الحصار، لافتا إلى أنه في شهر يونيو 2007، وعقب الاستيلاء العسكري لحماس على غزة، شددت السلطات الإسرائيلية القيود المفروضة على التنقل إلى حد بعيد، مما أدى إلى عزل القطاع عزلًا تامًا تقريبًا عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم، فيما زاد الحصار البري والبحري والجوي من حدة القيود السابقة بدرجة كبيرة تحد من عدد الفئات المحددة من الأشخاص والبضائع التي يُسمح بدخولها عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل.
وأوضح أنه قبل اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000، سُجل خروج نحو نصف مليون شخص، لا سيما العمال، من غزة إلى إسرائيل، في شهر واحد، وحين قارن الأمر بفترة ما بعد الحصار، قال إنه خلال الأشهر السبعة الأولى من فرض الحصار، انخفض هذا العدد إلى ما يزيد عن 4,000 بقليل في المتوسط، ثم ارتفع إلى 10,400 شهريًا على مدى السنوات الثمانية التالية.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تصادق من بداية العام الجاري، إلا على 64 بالمائة من الطلبات التي قدمها المرضى لمغادرة غزة من أجل الحصول على العلاج التخصصي أساسًا في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، في المواعيد المقررة لعلاجهم. لافتا إلى أنه خلال السنوات السابقة، توفي مرضى وهم ينتظرون الرد على طلباتهم.
وذكر أن السلطات المصرية أغلقت معبر رفح مع غزة لفترات طويلة بعد العام 2014، في أعقاب الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر، وأنه حاليا لا يزال المعبر مفتوحًا في معظم الأوقات منذ منتصف العام 2018، وأنه فُتح لمدة 95 يومًا من أصل 151 يومًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2022.
ويشير التقرير الدولي إلى انه عقب فرض الحصار انخفض عدد الشاحنات التي تغادر غزة محملةً بالبضائع إلى شاحنتين فقط في المتوسط شهريًا في العام 2009، وأنه بعد تصعيد الأعمال القتالية في العام 2014، استؤنفت عمليات النقل التجاري من غزة إلى الضفة الغربية، كما استؤنفت الصادرات إلى إسرائيل بدءًا من مارس 2015. وأنه في أغسطس 2021، استُهل التصدير إلى مصر للمرة الأولى، مما رفع المتوسط الشهري للصادرات إلى 787 شاحنة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2022، فيما كان المتوسط الشهري يصل إلى 961 شاحنة قبل فرض الحصار.
ويوضح تقرير “أوتشا” أن عدد الشاحنات التي دخلت غزة محملة بالبضائع خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 8,000 شاحنة في الشهر، وهي أقل بما نسبته 30 بالمائة من المتوسط الشهري خلال النصف الأول من العام 2007 قبل فرض الحصار، رغم أنه منذ ذلك الحين، ازداد عدد السكان بما يربو على 50 بالمائة.
وأشار التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية تفرض قيودًا جمة على الوصول إلى المناطق الواقعة على مسافة 300 متر على جانب غزة من السياج الحدودي مع إسرائيل. ولا تنعم المناطق التي تبعد عدة مئات من الأمتار عن هذا السياج بالأمان، مما يحول دون مزاولة الأعمال الزراعية فيها أو يعطلها، كما تقيد القوات الإسرائيلية الوصول قبالة ساحل غزة، ولا تسمح حاليًا للصيادين إلا بالوصول إلى 50 بالمائة من مناطق الصيد المخصصة لهذه الغاية بموجب اتفاقيات أوسلو.
وحين تطرّق التقرير إلى مستويات البطالة في غزة، ذكر إنها من بين الأعلى في العالم، حيث وصل معدل العاطلين عن العمل خلال الربع الأول من العام 2022 إلى 46.6 بالمائة، بالمقارنة مع المتوسط الذي كان يبلغ 34.8 بالمائة في العام 2006. ووصل معدل البطالة بين الشباب (الفئة العمرية 15-29 عامًا) إلى 62.5 بالمائة خلال الفترة نفسها، لافتا إلى أن نحو 31 بالمائة من الأسر في غزة تواجه صعوبات في الوفاء باحتياجات التعليم الأساسية، كالرسوم المدرسية والكتب، بسبب شح الموارد المالية، فيما تسبب الحصار في حاجة 1.3 مليون من أصل 2.1 مليون فلسطيني في غزة (62 بالمائة) إلى المساعدات الغذائية.
وأوضح أن محطة توليد كهرباء غزة، لا تستطيع بقدراتها التشغيلية الحالية، إنتاج سوى 80 ميغاواط، وتكملها 120 ميغاواط من الكهرباء تم شراؤها من إسرائيل، حيث لبى ذلك نحو 50 بالمائة من الطلب على الكهرباء في غزة، فيما تعتبر ما نسبته 78 بالمائة من المياه المنقولة بالأنابيب غير صالحة للاستهلاك البشري.