ملايين المصريين الذين واجهوا الرصاص والمدرعات وحملوا على اكتافهم الشهداء والمصابين لن يفرطوا في حلمهم بالحرية

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ نشرت الصحف الصادرة يوم الخميس 13 مارس/اذار عن الاجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية عدلي منصور مع قادة الأحزاب وطمأنتهم على سلامة إجراءات الانتخابات الرئاسية، وتوافق مادة تحصين نتيجة اللجنة العليا للانتخابات لها مع الدستور، وحضوره الاحتفال بعيد القطن وتقديم وزير المالية الدكتورهاني دميان مشروع قانون لمجلس الوزراء بفرض ضريبة جديدة قدرها خمسة في المئة على كل من يزيد دخله السنوي عن مليون دولار، لمدة ثلاث سنوات فقط.
واستمرار مظاهرات طلاب الإخوان في بعض الجامعات واشتباكات خارجها وداخلها لكنها كلها كانت تحت السيطرة، واستمرار إضراب الأطباء والصيادلة بسبب اللائحة، وجولات رئيس الوزراء على المؤسسات وفي الشوارع، والى بعض مما عندنا..

فن الأراجوز أحد أهم
أشكال الدراما الشعبية

ونبدأ بالمعارك والردود ويبدأها من يوم الاثنين زميلنا في ‘الأسبوع’ صالح أبو مسلم بالهجوم على الإعلامي باسم يوسف الذي يقدم مساء كل جمعة على قناة ‘أم بي سي مصر’ برنامج البرنامج الذي يحظى بنسبة مشاهدة عالية، وتعرضه إلى موجة من الهجوم. وقد قارن صالح بين الأراجوز القديم وشخصية باسم يوسف الذي وصفه نفسه من قبل عندما كان يقدم برنامجه على قناة ‘سي بي سي’ أيام حكم الإخوان بأنه أراجوز قال صالح: ‘عرفت مصر عبر تاريخها نماذج وقوالب مسرحية كان منها فن الأراجوز، كأحد أهم أشكال الدراما الشعبية التي تعتمد على العرائس والدمى التي وجدت منها نماذج ضمن الآثار الفرعونية التي تؤصل لمصر، في الأراجوز الذي أزدهر مع فن خيال الظل وصندوق الدنيا في العصر المملوكي. وأصبح الأراجوز من أشهر فنون الفرجة على الإطلاق، ويعتبر فنا مصريا أصيلا في الآونة الأخيرة لقلة فنانيه وانحصار دوره لسطوة وسائل فنية أخرى، أما ما نلحظه الآن في برنامج ‘البرنامج’ الذي يقدمه باسم يوسف باعتبار أن ما يقدمه مشابه لنمر الأراجوز، كما يرى ويكتب البعض عن جهل أو تعمد، فإن ذلك يعتبر مغايرا للحقيقة وظلما جائرا للأراجوز المصري الذي عرفناه، لأن الفرق كبير بين هذا وذاك، فرق بين الفن والسفه فرق بين الحق والباطل بين الظلام والنور فرق بين القيمة والآفة فرق بين الأراجوز البطل، والأراجوز المخنث، فرق بين الوطني والعميل فرق بين أراجوز كان يشحذ الهمم ويمجد رموزه الوطنية وبين أراجوز مستعار يهين الوطن ورموزه’.
اييه.. اييه.. ذكرني صالح بالذي كان عندما كنا نجري في الحواري التي ولدنا ونشانا فيها وكبرنا لنرى الأراجوز مقابل ملاليم ندفعها، وكان أشهر من قدم أغاني الأراجوز الفنان الراحل محمود شكوكو في أغنية الأراجوز النوز.. النوز يا سلام سلم محمود شكوكو المتكلم، كما قدمه زميلنا الشاعر الراحل الموهوب صلاح جاهين في أوبريته الخالد، حتى الآن، الليلة الكبيرة في فقرة العمر، وهو يسأل الأراجوز قائلا، يا حضرة الأراجوز قولي منين يروحوا المتولي؟ فأخذ الأراجوز يشرح له الطريق، بحيث يظل يلف ويدور ليعود في النهاية إلى نفس المكان. والغريب أن العمدة شكره قائلا دي وصفة سهلة فرد عليه الأراجوز مع السلامة يا أبو عمة مايلة.

مدرسة السخرية السياسية
أقدم بكثير من ظاهرة باسم يوسف

وعن باسم والأراجوز حدثنا عنهما في اليوم نفسه الثلاثاء زميلنا بمجلة ‘أكتوبر’ في مقال له بجريدة ‘التحرير’ قال فيه: ‘لم يخترع باسم السخرية السياسية، لكنه نقلها إلى الفضائيات بعد ان كانت مرسومة على أوراق البردي في صورة حيوانات ترمز إلى أحوال مقلوبة، وبعد أن كانت سجينة هتافات ونكات مصرية مسجلة ومتداولة من أيام كتاب ‘الفاشوش في حكم قراقوش’ لخالد الذكر ابن مماتي، وصولا إلى هتافات ‘يا توفيق يا وش النملة.. مين قالك تعمل دي عاملة’، وبعد أن حملت الصحافة المصرية العظيمة لواءها في القرنين التاسع عشر والعشرين من مساخر يعقوب صنوع ورسومه ضد الخديوي إسماعيل، ومقالات عبد الله النديم الخطيرة في ‘التنكيت والتبكيت’ و’الأستاذ’، إلى هجاء بيرم التونسي للسلطان الملك فؤاد في جريدة المسلة التي هي لا جريدة ولا مجلة، مرورا بأهم مجلة ساخرة كاريكاتورية وهي ‘الكشكول’، التي تخصصت تقريبا في الهجوم على قائد وزعيم ثورة 1919 سعد زغلول زجلا ونثرا وتصويرا، وذلك في عنفوان مجده وشعبيته. واستمر الكاريكاتير المصري بخطوط رواده الكبار كوسيلة قوية للسخرية السياسية، سواء قبل 1952 أو بعده، يكفي أن نتذكر زهدي وعبد السميع وحجازي وصلاح جاهين وبهجت عثمان، وكل نجوم مدرسة روز اليوسف، حتى نتأكد من ان مدرسة السخرية السياسية أقدم بكثير من ظاهرة باسم يوسف، بل إنها موجودة في كل مكان في شكل النكتة الشفاهة التي تكاد تكون الصناعة المصرية الوحيدة التي نصدرها إلى العالم العربي كله. لم يكن باسم يوسف موجودا على الشاشة عندما التمس عبد الناصر من شعبه أن يتوقفوا عن السخرية وترويج النكات بعد 1967 ولم يكن ‘البرنامج’ موجودا عندما انتشرت نكات المصريين حول عام ‘الضباب’ قبل حرب 1973، إضافة اسم باسم ليست في الواقع إلا في نقل السخرية السياسية إلى الشاشة، مواكبة لتغير خطير يقال له ‘الثورة’ وما برنامجه إلا مزيج بين طرق السخرية سالفة الذكر من الكاريكاتير إلى الأغنية إلى فن القافية والقفشة، بل عروض الأراجوز والمبظاتية والمرتجلين في الشوارع، التي لم تكن خالية من الإسقاطات الافيهات الجنسية، مرة أخرى فإن ذلك لا يجعل من باسم فوق النقد أو الرفض، لكن العجيب أن كثيرين ممن انقلبوا على باسم كانوا من أشد أنصاره لمجرد أنه يسخر ممن أرادوا السخرية منهم، لم يكونوا وقتها يتحدثون عن الافيهات الخارجة ‘كنت وما زلت أعتقد ان باسم لا يحتاج إلى تلك الافيهات على الإطلاق’، الذي أسقط مبارك أو مرسي ليس نكتة ولا برنامجا الذي أسقطهما حماقات تتضاءل بجانبها تجاوزات باسم أو أي برنامج، لو اجتمعت كل برامج الدنيا الساخرة وكل نكات المصريين لما استطاعت الإطاحة برئيس يحترم شعبه ويعمل على خدمته’.
ما شاء الله .. ما شاء الله.. ابن مماتي مؤلف كتاب ‘الفاشوش في حكم قراقوش’ أصبح خالد الذكر؟ على كل مداعبة مقبولة وصلتني وها أنا استجيب لها، أما توفيق يا وش النملة فالمقصود به الخديوي توفيق باشا الذي استدعي القوات البريطانية لتحتل مصر عام 1882، والقضاء على ثورة عرابي، وبارك الاحتلال خليفة المسلمين العثماني والسلطان الملك فؤاد هو الذي تولى حكم مصر بعد وفاة السلطان حسين كامل، وكان مسمى الحاكم قد تغير من خديوي إلى سلطان، ليحمل فريدا من الاستقلالية عن الخليفة العثماني، وبعدها تحولت مصر من سلطنة خاضعة لتركيا إلى مملكة، وفؤاد هو والد فاروق الذي عزلته ثورة 23 يوليو سنة 1952 وأعلنت النظام الجمهوري.

لا نلتمس العذر لسما المصري في ما تقدم

وبعد أن انتهينا من معركة ‘الأراجوز النوز’ وباسم يوسف نتحول إلى معركة أخرى ليست بعيدة عن الطرب وأهله، ألا وهي الرقص والأزمة التي تتسبب فيها الراقصة سما المصري بعد أن أنشأت قناة تلفزيونية اسمها ‘فلول’ لم يرض عنها زميلنا في ‘الجمهورية’ محمد منازع بسبب ما فيها من ألفاظ، ولذا قال عنها يوم الثلاثاء أيضا: ‘أغنيات هابطة مقلدة كلمات نابية ألفاظ تخدش الحياء مع التعرض للأشخاص، سواء بالنقد أو المدح بشكل مرفوض في كلتا الحالتين، بغض النظر عن الرقص فهذا عملها، لكن المهم أسلوبها والكلمات التي تقوم برصها على وزن الأغاني القديمة وتقول انها من كلماتها، يعني من هز الوسط لتمتلك قناة فضائية تلوث بها الذوق العام وتقول ما تريد على طريقة العوالم لا تبرر الوسيلة عندنا، لذلك لا نلتمس العذر لسما المصري في ما تقدم، لأنها تؤيد ثورة 30 يونيو/حزيران، وإذا كان هذا أمرا طبيعيا فهناك الملايين من المصريين خرج منهم 33 مليونا في الميادين والتحرير والمحافظات، علاوة على الذين منعتهم ظروفهم من المشاركة لكنهم عبروا عن مواقفهم الوطنية بشتى الطرق. ورغم اختلافي في كثير مع باسم يوسف في ما يقدم من ألفاظ هي الاخرى تدخل في نطاق قلة الأدب، إلا أنني أختلف أيضا في الطريقة التي انتقدت بها سما المصري، وبدلا من تصحيح الوضع زادت الطين بله، وقدمت لنا ألفاظا مخجلة وان كانت الوحيدة التي لم يستطيع الدكتور أن يرد عليها واستسلم أمامها لأنه يبدو أنه استشعر بأنه لن يستطيع السباق معها في هذا المجال، وأنه سيخسر الرهان فلاذ بالصمت الرهيب وتجاهلها لأنه غير قادر علي مجاراتها. إذا كانت نية سما المصري طيبة وهدفها وطني ونبيل فهذا جيد لكن أسلوبها يسيء للمصريين’.

أين الفتاوى حول ما يجري
من مساخر تجاوزت حدود الذوق؟

وكان لافتا أيضا أن موضوع الرقص عالجه في اليوم نفسه زميلنا مجاهد خلف رئيس تحرير جريدة ‘عقيدتي’ الدينية التي تصدر عن الدار التي تصدر الجمهورية ـ دار التحرير- فقال وهو يعد خطواته: ‘هل سأل أحدكم نفسه عن سر حالة الصمت الغريب والمريب إزاء ما تقوم به الراقصات على الساحة السياسية والإعلامية؟ ولماذا لم نسمع أي فتاوى من أي نوع حول ما يجري من مساخر وفجاجة تجاوزت كل حدود الذوق والأدب؟! لماذا أخرست ألسنة الخائفين على الفضيلة والأدب والأخلاق، ولم نسمع لهم صوتا، رغم أنهم يتألمون لمنظر الحجاب والنقاب، أو لأي سلوك لا يرضيهم من أحد ممن يدعون تدينا وتشددا؟ خاصة أن الساحة غمرتها فجأة موجة من الرقص مرة باسم المعارضة السياسية ومحاربة تنظيم الإخوان الإرهابي، ومرة باسم مقاومة التطرف والتشدد السلفي اللعين الذي سيحول حياتنا إلى جحيم. الآن التسلل الراقص بلغ درجة عالية تجاوز عضوية البرلمانات وغيرها من مجالس. الراقصات في بلدي أصبحن مذيعات توك شو مقدمات برامج مفتوحة على البحري يناقشن قضايا الساعة يقدن الرأي العام يدعين للحفاظ على مكاسب الثورة، بل أصبحن مالكات محطات فضائية ويقمن فيها بكل الأدوار، فضلا عن الرقص يقمن بكتابة كلمات الأغاني والإعداد لأشكال البرامج المختلفة، بما فيها سرقة الألحان والأغاني القديمة وتمييعها، مع اللعب الحديث وما أدراك ما اللعب الحديث. قيل في تفسير الرقص في المنام هو هم ومصيبة مقلقة والرقص للمريض يدل على طول مرضه، ورقص المرأة وقوعها في فضيحة، أما رقص من هو مملوك فهو يدل على أنه يضرب، وأما رقص المسجون فدليل الخلاص من السجن وانحلاله من القيد لانحلال بدن الرقاص وخفته، أما رقص الصبي فإنه يدل على أن الصبي يكون أصم أخرس ويكون إذا أراد الشيء أشار إليه بيده ويكون على هيئة الرقص، وأما رقص من يسير في البحر فإنه رديء ويدل على شدة يقع فيها وأن رقص إنسان لغيره فإن المرقوص عنده يصاب بمصيبة يشترك فيها مع الرقاص، ومن رقص في منزله وحده فرح وشبع لأن الرقص لا يكون إلا عن شبع وبطر’.
ونحن نشكر زميلنا مجاهد على هذه المعلومات في تفسير الرقص في الأحلام ولكن ماذا عن الرقص والرقاصين في الواقع السياسي الحالي؟

مأساة الفن حين يوظف سياسيا

اما الكاتب عمرو حمزاوي فقد تحدث لنا في ‘الشروق’ عدد امس الخميس عن مأساة الفن حين يوظف سياسيا يقول:’ ‘أعشق موسيقى فاغنر الأوبرالية، إلا أنني أمقت سياسته’، قالها أحد أساتذة الفلسفة بجامعة برلين (فولفجانج نار) في محاضرة عن الفن والسياسة، في منتصف التسعينيات، وكنت كدارس لدكتوراه الفلسفة السياسية آنذاك من بين متلقي العلم على يد الأستاذ الجليل. والإشارة كانت إلى حقيقة أن ريشارد فاغنر الذي ألف موسيقاه الأوبرالية في القرن التاسع عشر واستوحى الكثير من أفكارها من الأساطير الألمانية القديمة، وظف سياسيا في القرن العشرين من قبل النازيين للترويج لنزعة وطنية فاشية ولخرافة ‘سمو الجنس الآري’ وجعل أدولف هتلر من الاحتفاء بموسيقاه مهمة من مهام الدولة – مثلما احتفى ببعض الأعمال الأدبية والموسيقية والمسرحية الأخرى التي اعتبرها تمجد الجنس الآري وقدرته في قيادة البشرية وتخليصها من ‘الأجناس الدنيا’، بينما دفعته العنصرية ودفعه العداء للسامية إلى إحراق وإخفاء الكثير من الأعمال الأدبية والموسيقية والفنية الرائعة التى أبدعها اليهود الألمان والأوروبيون أو صنفت ككثير من لوحات التشكيليين الأوروبيين على أنها فنون انحطاط وانحلال… ودخل التنازع حول موسيقى فاغنر في أطوار مختلفة خلال العقود الماضية، بين دفاع اليمين المحافظ في ألمانيا عنها وضغطه لإعادتها تدريجيا إلى العروض الأوبرالية وإحياء تقليد الاحتفاء بها من دون تدخل الدولة (يقام سنويا مهرجان لموسيقى فاغنر في مدينة بايرويت بجنوب ألمانيا وهي المدينة التي عاش بها) وبين ازدراء اليسار لها خاصة بعد ‘ثورة الطلاب’ في 1968 (والأستاذ فولفجانج نار كان من بين المنتمين إلى جيل 68). إلا أن ابتعاد الدولة في ألمانيا الغربية السابقة، ثم منذ 1990 في ألمانيا الموحدة عن التورط في التوظيف الإيجابي أو السلبي لموسيقى فاغنر أعاد لها تدريجيا ‘طبيعيتها’ كمنتج فني له من يعشقه، وله أيضا من لا يستسيغه ويتحدد حضوره في المساحة العامة (دور الأوبرا أو المبيعات الموسيقية) وفقا لمقتضيات الإقبال عليه (العرض والطلب)…
ومن ينظر إلى مصر في الفترة الممتدة من خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم، سيجد الكثير من التوظيف السياسي للفن والكثير من إفساد طبيعته والكثير من تعطيل الطاقة الإبداعية حين تفرض السياسة على الفن التعبير عن مواقف ‘مع أو ضد’ الحدية وتجرده من جماله وإنسانيته وتسامحه (فتكون النتيجة ‘احنا شعب وانتو شعب’ وغيرها).

دور المرأة السياسي والحزبي في مصر

اما زميلته نيفين مسعد فتكتب لنا في العدد نفسه من ‘الشروق’ عن دور المرأة السياسي من خلال مقالها الذي عنونته بـ’هي والاحزاب’:’ لا أكاد أذكر أي مناسبة تتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة المصرية، لاسيما قبيل موسم الانتخابات البرلمانية والمحلية إلا وأثيرت قضية بؤس التمثيل النسائي في المستويات القيادية بالأحزاب السياسية، بغض النظر عن أيديولوجيتها، وما إذا كانت ليبرالية أم يسارية. وبالتالي فعندما تنتخب امرأة على رأس حزب الدستور فإن في هذا ما يدفعنا إلى تأمل هذه الظاهرة ووضعها في سياقها الوطني والعربي. استلمت هالة شكر الله رئاسة حزب الدستور في مرحلة فارقة من مراحل تطوره التي لا تتجاوز العامين، فلعل حزب الدستور هو أكثر الأحزاب الناشئة بعد ثورة يناير/كانون الثاني إثارة للجدل والاهتمام. جزء من هذا الجدل ارتبط بوجود شخصية ذات ثقل مصري ودولي على رأسه، وأعنى بذلك بالطبع الدكتور محمد البرادعي، فبقدر ما كان لهذه الرئاسة فعل المغناطيس في جذب الأعضاء للانخراط في كيان الحزب، فإن استقالته جعلت الحزب يترنح، على حد تعبير أمينة التنظيم السابقة جميلة إسماعيل، وهذا درس مكرر في أهمية المؤسسية في العمل السياسي، وفي خطورة ربط الكيان الحزبي بشخص معين، أيا كانت أهميته. لكن الأمانة تقتضي الإشارة أيضا إلى أن بعض الخلافات والاستقالات من الحزب قد تمت في وجود الدكتور البرادعي نفسه لأسباب تتعلق بأسلوب الإدارة والضعف التنظيمي…
في السياق المصري توجد سابقة لترؤس امرأة حزبا سياسيا، إذ ان لدينا ما يسمى بالحزب الاجتماعي، الذي ترأسته الدكتورة عصمت الميرغني. لكن هذا الحزب الذي لم يسمع به أكثر المشتغلين حتى بأمر المشاركة السياسية للمرأة هو من نوع أحزاب الأفراد التي ترتبط بهم وجودا وزوالا. ولعل نظرة واحدة على الهيكل التنظيمي للحزب الاجتماعي توضح هذه الحقيقة، فرئيس الحزب الذي هو في هذه الحالة ممثل في الدكتورة عصمت الميرغني يملك خلال المرحلة الانتقالية التي تسبق انعقاد أول مؤتمر عام، صلاحية التعيين في كل المناصب على جميع المستويات! وذلك بعد موافقة أغلبية الحاضرين من أعضاء المجلس الأعلى للحزب. وهذا الأخير يتكون من 11 عضوا، هم رئيس الحزب ونائبه ووكلاء الحزب والأمين العام وبعض قادة الحزب (المعينون جميعا من رئيس الحزب!).
في السياق العربي تتقدم بلدان المغرب عدا ليبيا على مصر بفارق كبير من حيث عدد النساء اللائي يترأسن أحزابا سياسية، وأيضا من حيث تاريخ هذا الأمر. فمن الجزائر جاءت أول رئيسة حزب في عام 1990 وأعني بها لويزة حنون المناضلة الشرسة ضد كل الأنظمة الجزائرية المتعاقبة، التي أعلنت عن تشكيل حزب العمال فور تحول الجزائر إلى التعددية الحزبية. وعرفت تونس حزبا معارضا ترأسه مية الجربي قبل الثورة، وهو الحزب الديمقراطي التقدمي الذى رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2009 بسبب عدم جديتها، وتحول لاحقا إلى الحزب الجمهوري… تلحق مصر أخيرا بركب النساء اللائى يتبوأن رئاسات الأحزاب، وهو تطور يذكرنا برائعة فتحية العسال التي تحولت إلى مسلسل تلفزيونى يحمل عنوان ‘هي والمستحيل’، وكان يحكى عن تجربتها في التعليم الذاتي والتخلص من الأمية. وها هي المرأة المصرية تتجاوز الاستحالة الحزبية وكلنا أمل في أن تثبت نفسها وتؤكد جدارة السابقة الأولى للتكرار والانتشار.

دفاع عن الدولة
حسب التعليمات والمرحلة!

صديقنا الناصري الكبير والقيادي في التيار الشعبي أمين اسكندر قال يوم الثلاثاء أيضا في مقاله بـ’المصري اليوم’: ‘المتأمل للمشهد السياسي المصري بعد ثورة يناير/كانون الثاني مرورا بكل الاحتجاجات التي وقعت، حتى الموجة الثانية المسماة ثورة 30 يونيو/حزيران، سوف يكتشف من وسط تفاعل الأحداث العديد من أنواع وأصناف الرقاصين، فهناك رقاص الأجهزة أي العالق كما اللبلاب في أجهزة الأمن والقوة، سواء كانت وزارة الداخلية أو اجهزة أمن وطني أو أمن قومي أو مخابرات بكل أنواعها، تجده يمارس دوره في الدفاع عن الدولة، حسبما تصدر له التعليمات، وحسب كل مرحلة. ففي مرحلة سوف يرتفع شعار أن هناك استهدافا من قبل الأعداء لجهاز الشرطة، وتارة أخرى يرفع الرقاص شعار ‘كمل جميلك’ وكأن لأحد على أرض مصر جميلا عليها أو على الشعب، وهم لو تأملوا قليلا لعرفوا أنهم هم ذاتهم الذين جاءوا بالإخوان، وهناك رقاص يختار الدفاع عن المؤسسة العسكرية كمدخل لتسيد نفس النهج القديم، متناسيا أن السادات ومبارك كانا عسكريين، وأن المجلس العسكري كان في قيادة المرحلة الانتقالية التي باءت بالفشل، وأن السادات صنع صلحا مع الإخوان بغرض الانقلاب على سياسات ناصر. وأن مبارك ظل يستخدمهم فزاعة للغرب حتى يظل في السلطة، وأن المجلس العسكري وقتها هو الذي هندس المرحلة الانتقالية لمجيء الإخوان. لكن الرقاصين لا يملون من التبرير وصناعة البطولات الوهمية’.

اقتراح بإعداد استراتيجية
للتنمية المصرية

وإلى السيسي وترشحه لرئاسة الجمهورية وأبرز ردود الأفعال عليه، وكان أولها في ‘المصري اليوم’ الثلاثاء من أستاذ اللغة والأدب العبري بجامعة عين شمس الدكتور إبراهيم البحراوي، وكان عضوا في المجلس الأعلى للسياسات الذي يتبع أمانة السياسات بالحزب الوطني، التي كان يرأسها جمال مبارك، ويلاحظ ارتفاع درجة الأنا عنده بطريقة مذهلة لأنه في معظم مقالاته أيام مبارك يصر على أن يقول قلت وطالبت وعن السيسي قال يوم الثلاثاء: ‘طالبت السيسي منذ شهور هنا بأن يتبني اقتراحي بإعداد استراتيجية للتنمية المصرية تحمل اسم مصر 2034 تنطلق بعد انتخابه رئيسا عام 2014 لتمتد عشرين سنة. طالبته بأن يصوغ رؤية حاكمة لهذه الإستراتيجية أو الخطة الشاملة في سطور قليلة تحدد ما يلي:
المكانة أو المرتبة التي يمكننا أن نضع فيها مصر بين دول العالم المتقدمة، لقد وضعت إستراتيجية إسرائيل 2028 لنفسها هدفا أن تكون إسرائيل في ذلك العام احدى الدول العشر إلى الخمس الأولى في العالم في مجال التقدم الاقتصادي، ماذا نريد نحن وما المرتبة التي يمكننا وضع مصر فيها بعد عشرين سنة.
نمط الاقتصاد المصري طبيعته هل نريده اقتصادا رأسماليا خبيثا ووحشيا الملقب في العالم بالنيوليبرالي، حيث يتم إضعاف دور الدولة في الاقتصاد وتصاغ القوانين وآليات العمل لتمكين قلة من الرأسماليين من احتكار الثروة الوطنية.
نمط الحكم المصري هل نريده كما كان خلال ثلاثين سنة مضت حكما أوليغاركيا أي حكم أقلية من الناس والعائلات تتمتع بالمناصب العليا التنفيذية والتشريعية وتخلق لنفسها طبقة من الأتباع في مجال البيزنس.
تمويل خطة مصر 2034 وهنا ما زلت أرى أن ترشح السيسي للرئاسة يجب أن يسبقه اتفاق صريح مع الأشقاء والحلفاء الطبيعيين لنا في السعودية والإمارات يتضمن التفاهمات الآتية:
أن هناك مصلحة إستراتيجية مشتركة في تجفيف منابع الفقر والحرمان والجهل في مصر . أن تخصيص مبلغ خمسمئة مليار دولار ما بين تمويل مباشر لإستراتيجية مصر 2034 واستثمارات خلال ولاية السيسي الأولى هو استثمار خليجي مصري مشترك اقتصاديا وسياسيا وحضاريا’.

قانون الانتخابات تم
تفصيله لصالح مرشح بعينه

وفي العدد نفسه من ‘المصري اليوم’ طالب الأديب والكاتب الكبير علاء الأسواني بما هو آت: ‘قانون الانتخابات الذي صدر منذ أيام انتهك الدستور في أكثر من موقع، وتم تفصيله لصالح مرشح بعينه وهو أكبر دليل على أن هناك قوى حاكمة تريد أن تعيد المصريين إلى عهد مبارك. عن أي ديمقراطية يتحدثون اعادة المصريين إلى حظيرة الخوف؟ مستحيل ملايين المصريين الذين واجهوا الرصاص والخرطوش والمدرعات وحملوا على اكتافهم الشهداء والمصابين لن يفرطوا في حلمهم بالحرية من وضع قانون الانتخابات ما زال يعيش عصر مبارك فليعلم أن معادلة مبارك لم تعد قابلة للتطبيق في بلادنا اعداء الثورة في السلطة يعتقدون أنهم سيفعلون بالمصريين ما يريدون وستتولى اجهزة الأمن تأديب من يعترض، لقد عملوا جاهدين لتشوية الثورة عن طريق عملاء الأمن في الإعلام وألقوا رموز الثورة في السجن، ثم أعتقدوا أنهم قضوا على الثورة ويريدون الان استعادة النظام القديم بالكامل حساباتهم خائبة وغبية’.

لا يجوز أن يأتي السيسي إلى الحكم
بطرق مشكوك في دستوريتها

ثم نترك ‘المصري اليوم’ الى ‘الوطن’ وعدم الرضا الذي أبدته يوم الثلاثاء زميلتنا الجميلة سحر الجعارة عن قانون الانتخابات الرئاسية بقولها: ‘ما احساس السادة المرشحين للرئاسة وما شكل صورتنا أمام العالم الذي يتربص بنا ونحن نحضر قرارات لجنة وليست جهة قضائية، حتى لو تشكلت من قضاة، ألا يعطي هذا انطباعا عاما بأن نتيجة انتخابات الرئاسة مكتوبة مسبقا، حرام حقيقي حرام كل الدماء التي سالت والاقتصاد الذي انهار والحرب المعلنة على الإرهاب في سيناء وتعرض كل الأبرياء لإرهاب الاخوان، وبعد كل هذا نعود للمربع رقم صفر. باعتباري من أنصار المشير السيسي وواحدة ممن طالبوه طويلا بالترشح للرئاسة، أشعر بالمهانة.. لا يجوز أن ياتي رجل بقامة السيسي وقيمته إلى الحكم بطرق مشكوك في عدم دستوريتها، ولا بقانون انتخابات يجعل التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية ‘حقا مكتسبا’ لكل معارض. لا يصح أن تحكم مصر بنفس العقلية الفاشية في قمة اللحظة الديمقراطية، فليسقط الاستقرار اذا أصبح نافذة للتجاوز والاستثناء. أنا أهيب بالمستشار الجليل عدلي منصور رئيس الجمهورية إعادة النظر في المادة المتعلقة بتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، فسوف يسطر التاريخ أن هذا القانون صدر في عهد فقية دستوري نحترمه جميعا’.

الإعلام يصنع فرعونا

وجميلة أخرى هي نهال عهدي قالت في العدد نفسه: ‘بعض محبي السيسي كانوا عبئا عليه، كالإعلام الذي بالغ في نفاق الرجل، مما استفز البعض الذي رأى في ذلك صناعة للفرعون، فالرجل لم يطلب هذا، ولكن كل شيء في مصر أصبح يتحمل ‘السيسي’ مسؤوليته، قانون التظاهر مواجهة إرهاب طلاب الجامعة من الإخوان، أي تجاوز من عسكري أو أمين أو ضابط شرطة، زحمة المرور إضرابات واعتصامات العمال والأطباء، حتى جهاز علاج فيروس سي والإيدز، أيا كان رأيك فيه، وكأنه مخترعه! هكذا تم تحميل الرجل كل شيء يحدث في مصر بعد الثورتين، وكأنه يلام أو يعاقب على وقوفه مع الشعب، وها هو يخرج من كل هذا إلى حلبة المنافسة الرئاسية وعليه أن يعد الناس بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، في وقت يصعب فيه الوعد بشيء إلا إذا كان كلام انتخابات. ماذا سيفعل السيسي وبماذا سيعد الناس وهو محاصر دوليا، لا يراهن احد على الدعم المطلق لدول الخليج التي وقفت بجوار مصر، فهذه الدول قدمت الكثير، ولكن لديها مشكلاتها وأزماتها التي تجعل من الدعم مرحليا والاستثمار مرهونا بأمن مصر، لا أعرف ماذا سيكون برنامج السيسي الانتخابي، وإن كانت كل الطرق تؤدي إلى الرئاسة ولكن ما أعرفه وأثق به أن السيسي في موقف صعب ومسؤولية كبيرة وابتلاء هائل ويحتاج إلى الدعاء والمساندة لأنه في قادم الأيام لن ينام’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية