عمان- «القدس العربي»: تبدو عبارة السير بالمقتضى الدستوري بمثابة ضمانة سياسية للمجتمع ولقوة النص الدستوري، والأهم لمؤسسات التشريع في الدولة الأردنية عندما تصدر خصوصاً عن العاهل الملك عبد الله الثاني، تعليقاً على تقبله أوراق وملف ووثيقة اللجنة المشكلة بأمر ملكي وباسم تحديث المنظومة السياسية.
يعلم الجميع بأن عبارة المقتضى الدستوري تعني ضمنياً أن التوصيات والاقتراحات التي عبرت عبر اللجنة ستسير وفقاً للإجراءات الدستورية المعتادة من حيث اعتمادها في السلطة التنفيذية، ثم تحويلها من أفكار ومقترحات إلى نصوص تشريعية عبر مجلس الأمة، وهو ما تحدث عنه الملك صباح الأحد بوضوح، قائلاً بأن حكومته ستتعامل مع وثيقة تحديث المنظومة بحياد وإيجابية ثم سترسلها إلى مجلس الأمة.
تلك في كل حال، ضمانات لكل المشككين مسبقاً بدستورية ما ينتج عن لجنة استشارية عريضة شكلها القصر الملكي، لكنها -وهنا جملة سياسية شرطية- قد تخدم خصوم اللجنة وتوصياتها لاحقاً إذا ما قررت السلطات إظهار عدم الجدية في التعامل مع توصيات اللجنة الملكية. توحي العبارات الملكية بعدم تحصين ما قررته اللجنة مسبقاً؛ بمعنى أن لجنة تحديث المنظومة السياسية تعود إلى الحجم الطبيعي الدستوري لها كجهة استشارية توصي وتقترح فقط، وهو ما كان قد تحدث عنه أمام “القدس العربي” سياسي بارز وخبير هو الدكتور ممدوح العبادي، الذي طالب مراراً وتكراراً بالاحتكام إلى نصوص القانون فقط كأساس لعملية التغيير والإصلاح والتحديث في البلاد.
الخشية يمكن التقاطها مبكراً عند بعض أعضاء اللجنة الخبراء من أن يؤدي غياب الإلزامية للسلطات إلى تحجيم التوصيات، لكن في الكلمة المرجعية لا مجال أصلاً إلا في الاحتكام في المقتضى الدستوري، وهو أمر تنبه له مبكراً أيضاً وعلى هامش نقاش مع “القدس العربي” القطب البرلماني صالح العرموطي، وهو يقدر بأن مجلس النواب في النتيجة سيد قراره ونفسه عندما تصل تشريعات مقترحة من الحكومة إليه.
رئيس اللجنة الملكية سمير الرفاعي، كان أصلاً قد عزل أي احتمالات للالتباس والغموض عندما شرح في بداية عمل اللجنة بأن جهتين في الدولة يقع عليهما واجب تبني طروحات اللجنة والدفاع عنها وشرحها، وهما سلطة التنفيذ؛ أي الحكومة، ومجلس الأعيان باعتباره مجلس الملك.
يبرر ذلك طبعاً عبارة الملك، أمس الأحد، التي تتحدث عن إرسال التوصيات إلى مجلس الأمة بشقيه وليس مجلس النواب فقط.
لكن العبارة التي تخص تعامل الحكومة بحياد وإيجابية تحتاج على الأرجح إلى شروحات وتوجيهات ومن الطراز الذي يتفاعل بالعادة خلف الستارة وليس أمامها، حتى تثق الأطراف المعنية بمشروع تحديث منظومة الدولة بأن مجلس الوزراء لن يبالغ في الاجتهاد والفتوى لتفسير كلمتي الحياد والإيجابية.
وهو أمر قد لا يتوقعه كثيرون في ظل حالة التواصل والتشاور الدائمة بين رئيس اللجنة الملكية ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وإن كانت سيناريوهات الاحتمالات هنا متعددة في ترجيح بروز رأي عند الحكومة قد لا يتفق بنسخة كربونية مع رأي اللجنة، أو بروز اجتهاد في التفاصيل لدى الجهات الحكومية عند الانتقال إلى مرحلة التفصيل الإجرائي للنصوص، وهي مرحلة قدر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض الشيخ مراد العضايلة، مؤخراً، وهو يتناقش مع “القدس العربي” أنها مهمة للغاية، لأن المسألة لا تتعلق فقط بتقديم طروحات إصلاحية وتحديثية بقدر ما تتعلق أيضاً أولاً، بسلامة وصدقية التنفيذ والالتزام.
وثانياً، بالكثير من التفاصيل الإجرائية التي تعكس في الواقع وجود أو عدم وجود إرادة سياسية حقيقية نحو التغيير.
لا الرفاعي ولا العضايلة ولا الخصاونة ولا غيرهم من لاعبي الواقع السياسي المحلي اليوم معنيون بتكرار حالة وجود وثيقة تحديثية “دسمة” تخطط للمستقبل وتضم إلى متحف الوثائق الإصلاحية أو ينزع عنها الدسم إما بتباطؤ الحكومات أو بغياب الإرادة السياسية أو بمتواليات الهندسة الشهيرة التي تعبث بكل الأفكار النبيلة عند منعطفات التنفيذ والتفاصيل.
عملياً، تمتلئ رفوف المتحف الوطني بسلسلة وثائق إصلاحية مقترحة من لجان استشارية بعضها بغطاء ملكي. وعملياً في المقابل انتهى تراكم هذه الوثائق على مر السنين بالهندسة البائسة لانتخابات عام 2020 والتي تطلبت من كثرة مشكلاتها وسلبياتها أصلاً تشكيل اللجنة الأعرض في تاريخ البلاد باسم تحديث المنظومة السياسية.
ما هو حظ وثيقة تحديث المنظومة في التحول إلى واقع؟
سؤال هو الأهم الآن؛ فقد تقبل القصر الوثيقة وتسلمها، والمناخ مفعم بالإيجابية والتوصيات فيها سلسلة إجراءات متميزة جداً.
في المقابل، الأمل يتواصل بأن لا يساء تفسير أو قراءة بعض العبارات، ولا تصبح بديلاً عن برنامج العمل، مثل الحياد والإيجابية أو “المقتضى الدستوري” أو “ضرورة وجود برنامج عمل تنفيذي”.
التوجيهات العليا واضحة، واللجنة أنهت أعمالها وعبرت بسلاسة وسط زحام من الكمائن والألغام، والمطلوب الآن إظهار إرادة سياسية حقيقية، عبر الإجراء والتفصيل السريع، تقول ضمناً للأردنيين بأن رفع الوثائق الإصلاحية لن يستقبل، قريباً، مقيماً جديداً تحت وطأة العبث بالتفاصيل أو التأجيل والمماطلة من جهة الحكومة والبرلمان.