‘ممانعة’.. ولكن غير كيميائية!

حجم الخط
5

كباحث عن إبرة في كوم قشّ، أو كساعٍ بعدئذ إلى حشر فيل في خرم الإبرة ذاتها، يفتش المرء عن ‘ممانع’ عربي واحد رأى في قرار مجلس الأمن الدولي 2118، حول تفكيك الأسلحة الكيميائية في سورية، انبطاحاً من جانب نظام بشار الأسد، أو تنازلاً عن ركن أساس في ما سُمّي ‘الردع الستراتيجي’ مع العدوّ الإسرائيلي. في المقابل، يعثر المرء إياه على اكتظاظ، بل تزاحم بالمناكب، لدى أولئك ‘الممانعين’ الذين يرددون، على نحو يخجل منه طائر الببغاء، أقوال الأسد التي ترى في ذلك القرار انتصاراً شخصياً لمهاراته التكتيكية (نعم، بل لعلّه ظفر مبين!)؛ لأنّ تلك الأسلحة كانت ‘عبئاً’ في الأساس، ومجلس الأمن الدولي تطوّع (أم هو اضطرّ، صاغراً؟) إلى مساعدة النظام في التخلّص من الترسانة بأسرها!
وهكذا، قال الأسد لعدد من زوّاره، حسبما نشرت صحيفة ‘ممانعة’ يشرف عليها ‘حزب الله’ اللبناني: ‘الكيميائي ليس هدفهم ولم يكن. هم كانوا يريدون تغيير موازين القوى وحماية إسرائيل. نحن قلبنا الطاولة عليهم ورمينا الكرة في ملعبهم، فأحرجوا أمام الرأي العام الأمريكي والأوروبي، بل داخل الإدارة الأمريكية نفسها’! كيف هذا، والسلاح الكيميائي معادل كبير في ‘التوازن’ ضدّ إسرائيل؟ وأية طاولة تلك التي انقلبت؟ هنا إجابة الأسد: ‘أصلاً صنعنا الكيميائي في الثمانينيات كسلاح ردع في مواجهة السلاح النووي الإسرائيلي. الآن لم يعد سلاحاً رادعاً. لدينا ألف طن من الكيميائي يشكلون أصلاً عبئاً علينا. التخلص منها يكلف أموالاً طائلة ويستغرق سنوات، ويطرح تحديات بيئية ومشكلات لا بد من حلها. فليأتوا ويأخذوها’.
ما الذي يبقى من ‘التوازن’ إياه، مرّة أخرى؟ الشطر الثاني من إجابة الأسد يصلح قنبلة نووية في يد ‘الممانع’، المتعطش إلى ‘ممانعة’ من أيّ طراز، حتى في أضعف الإيمان، أي على مستوى الجعجعة وحدها: ‘لدينا اليوم أسلحة ردع أكثر أهمية وأكثر تطوراً حيال إسرائيل التي يمكننا أن نعمي بصرها في لحظات’! الويل للعدوّ الإسرائيلي من هذه ‘اللحظات’، لأنها لا تُبقي على الكيان، ولا تذر! الثبور، وعظائم الأمور، ممّا يخبئه جيش الأسد من أسلحة فتاكة، ساحقة ماحقة، لم تتجاسر على نسج مآثرها حتى المخيّلات المنفلتة من كلّ عقال، عند أمثال وئام وهاب أو ناصر قنديل أو فايز شكر! وليس مطروحاً البتة، عند رهط ‘الممانعة’ في أصنافه وأطرافه كافة، ذلك السؤال البسيط الذي يقول: حسناً، أين كانت، ولماذا ظلت خبيئة، تلك القوّة الجبارة حين أغارت إسرائيل على سورية، مراراً وتكراراً، طيلة 13 سنة من توريث الأسد؛ وقبله، طيلة سنوات من سلطة أبيه؟
ليست، أو بالأحرى لم تعد، مطروحة (حتى عند حسن نصر الله، ومرجعياته العليا في طهران) سلسلة الأسئلة التي عدّدها، ذات يوم غير بعيد، الصحافي الأمريكي شارلز ريز، وصاغها على هيئة أحجية متكاملة تكون مفردة إسرائيل هي الإجابة الوحيدة عليها، كلّها: من هي الدولة التي تنفرد عن جميع دول الشرق الأوسط في امتلاك الأسلحة النووية؟ التي ترفض حتى الآن التوقيع على الاتفاقيات الدولية لحظر انتاج الأسلحة النووية، بل وتمنع القيام بأي تفتيش على منشآتها النووية؟ التي احتلت عسكرياً أراضي الدول المجاورة، وتواصل الاحتلال متحدية بذلك جميع قرارات مجلس الأمن الدولي المطالِبة بإزالة آثار العدوان؟ التي استخدمت جاسوساً يُدعى جوناثان بولارد، لسرقة وثائق سرّية أمريكية، ثم باعتها إلى الاتحاد السوفييتي؟ الدولة التي أنكرت الواقعة في البدء، ثم اعترفت بها ومنحت بولارد الجنسية الفخرية، بل ونظمت حملات ضغط واسعة لإطلاق سراحه، لأنه في نظرها بطل وطني؟
فإذا كان فلسطينياً، ذلك ‘الممانع’ المطبّل لنظام الأسد، الساكت عن جرائمه بحقّ الشعب السوري، أو المدافع عن المجازر والمذابح واستخدام أسلحة ‘الردع’ ضدّ الغوطة، وليس تل أبيب؛ فإنه سيتغاضى، عامداً، عن سلسلة أخرى من الأسئلة التي تخصّ عشرات الممارسات العسكرية والأمنية والاستيطانية التي تدخل جميعها، ودون كبير عناء، في مسمّى واحد وحيد، هو النازية الجديدة: الأسوأ والأشدّ فظاعة وبشاعة وبربرية ووحشية. أمّا إذا كان ‘الممانع’ مصرياً، ويحبّ محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنه سيتناسى أسئلة مثل هذه: مَن هي الدولة التي كانت تكنّ للوكالة الاحتقار كلّ الاحتقار، ولكنها أخيراً تواضعت وتكرّمت فسمحت للبرادعي أنّ يتفقد منشآتها من ارتفاع طائرة محلّقة في الأعالي، فقط؟ الدولة التي كافأ ذلك المدير العام كرمها، بالقول إنه ‘يتفهم’ مخاوفها الأمنية والوجودية، ثمّ صبّ جام غضبه في المقابل على إيران، وعلى ‘الإرهابيين’ الذين يمكن أن يمتلكوا الأسلحة النووية ذات يوم قريب، دون أن ينسى التشهير بالعالِم الباكستاني عبد القادر خان… الذي هرّب أسرار القنبلة النووية إلى 18 بلداً؟
والخلاصة أنّ هذه ‘ممانعة’ تكره إسرائيل، حتماً، ولكنها لا تُكره النظام السوري على ممارسة الكره ذاته، ما دام الأسد ‘يمانع’، حتى على مستوى القول الكاذب المضلل وحده. وهي ‘ممانعة’ صارت تكره الكيمياء، بالضرورة واستطراداً، خاصة في ظلّ القرار 2118، وشروحاته الأسدية، واستبداله بسلاح آخر أشدّ فتكاً وهولاً، يعمي بصر إسرائيل، قبل أن يزلزل الأرض بها، ويحرق الأخضر فيها واليابس!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد العربي:

    بعيدا عن اسلوب التهكم والسخرية التي لا يجاريها المنطق ولا الوقائع دعونا نسأل من حرر لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 1982 ولماذا خرجت اسرائيل مدحورة وبدون شروط ولاول مره في تاريخها؟وماذا عن انتصارات المقاومه في عام 2000 وعام 2006 في لبنان وعام 2008 في غزه ومن كان وراء ارتفاع راية المقاومه الى يومنا هذا اليس بفضل دعم الممانعين اياهم الذين لايعجبون الكاتب المحترم ؟! الم يعترف المقاومون ان كل مافعلوه كان بفضل الدعم المادي والمعنوي من قبل قوى المملنعه في طهران ودمشق ؟! سوريا لم توقع صلحا مع الصهاينه ولم تسير في منهج التطبيع والذل والمهانه ولم تستقبل سفيرا اسرائليا وقادتها ماصافحوا الصهاينه .. لقد ابقوا القضية المركزية حية في الوجدان العربي بعدما حاول محوها من الذاكره معظم العرب الذين طبعوا وفتحوا السفارات واعترفوا باسرائيل سرا وعلانية .. سوريا فعلت مابوسعها في زمن الانبطاح العربي الشامل والتغول الامريكي في العالم بسبب انحسار الدور الروسي ! وما كان بمقدورها ان تخوض حربا جيوش نظاميه ضد اسرائيل التي كانت وما زالت تعد العده لتحارب كل العرب من محيطهم الى خليجهم ! ماذا تريد من سوريا ان تفعل في مثل هذه الظروف اكثر مما فعلت حتى تعترف لها في موقع الممانعه ؟ّ!!!اواما عن السلاح الكيماوي وايران وامريكا وروسيا وهذا التوافق الدولي فان العبرة في النتائج وكل الدلائل تشير انه نصر مؤزر لسوريا ولجيشها الباسل ولشعبها العظيم بعد هذا الصمود الاسطوري الذي اذهل العالم وهزم كل قوى الشر والرجعية والتخلف والتكفير والظلام والجاهليه ..صمود ونصر ادى الى انبثاق فجر عالم جديد متعدد الاقطاب ولا عاد بوسع امريكا ان تفعل ماتشاء !

  2. يقول سامح // الامارات:

    شكرا للكاتب المحترم …ويعطيه العافية .
    نعم …( بشار الأسد ) : ضحك على ( أمريكا ) والغرب …؟؟؟
    نعم …( بشار الأسد ) : بطل المقاومة والممانعة والجهاد في سبيل الله .
    نعم …( بشار الأسد ) : عنده سلاح رهيب ( يعمي ) اسرائيل في لحظات
    ويقضي عليها في دقائق …بس الدكتور الرفيق ( بشار ) منتظر الوقت المناسب :
    لإستخدام سلاحه الرهيب المخيف …؟؟؟
    للمشككين : آخر الأخبار تقول أنّ : ( الإسرائليين ) بعد تصريحات الأسد لا يعرفون
    النوم وتركبهم الكوابيس وأصيبوا بالأمراض النفسية …وقاعدين بنادوا أمريكا
    عشان تتوسط مع الأسد ما يستخدم سلاحه الرهيب …؟؟؟
    فعلا : ( اذا لم تستح …فاصنع ما شئت …وقل ما شئت ) …واضحك على البسطاء
    والسذج وعلى خلق الله المساكين …؟؟؟
    شكرا .

  3. يقول خليل ابراهيم:

    صباح الخير أمة العرب ..أمة الكلام الإنشائي ..أمة الخيل والليل والبيداء . ولايسلم الشرف الرفيع من الأذى !!! إذا بلغ الفطام لنا صبيٌ تخر له الجبابرة ساجدينا !! لنا الصدر دون العالمين أو القبر !!.أمة ترفض مغادرة صحرائها …أمة أدمنت الهوان حد عشق جلاديها .أما بخصوص الممانعين ماغيرهم فنقول لهم أن أبو عبدالله الصغير ، مختار حي المهاجرين سيظل يحتفظ بحق الرد على إسرائيل . وللممانعين نقول شكر الله سعيكم ….وتقبل التعازي في قناة الدنيا .

  4. يقول احمد العربي:

    فعلا اذا لم تستحي فقل ماشئت وافعل ماشئت واضحك على البسطاء والسذج ..واكبر ضحكة كانت على اولئك حينما اقتنعوا ان في سوريا ثورة تهدف الى بناء دولة ديمقراطية مدنية يعيش فيها الجميع حياة كريمة ..واذ بالامر كله يتمخض عن ظهور عصابات تكفيريه ارهابية تقتل باسم الدين وتذبح باسم الدين ويضرب بعضها رقاب بعض باسم الدين ايضا ..لاديمقراطية ولا حريه ولا من يحزنون .. والضحية اولئك الفقراء البسطاء الذين انطلت عليهم الخديعة الكبرى ..دمرت بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم وسرقت مصا نعهم ودمر اقتصادهم وراحوا هائمين على وجوههم متسولين لقمة العيش يعانون انواع الذل والاهانة والاحتقار من القريب ومن البعيد على حد سواء ! ان من اوصل الامور الى هذا الحد هم من ضحك الامريكان عليهم .اولا واقنعوهم ان سوريا عراقا اخر واستعانوا بالمجاهدين من كل الاصقاع لتحرير بيوتهم من ساكنيها ومدارسهم من طلابها ومشافيهم من مرضاها ومصانعهم من عمالها ..ارايتم كيف كانت تتم عمليات التحرير ؟! يدخلون الى المكان المراد تحريره يتخذون منه منصة لاطلاق النار على اجزة الدولة الشرعيه ويأتيهم الرد فيصيحون ( الله اكبر ) ان قوات النظام تهدم المدارس والمساجد ! يدخلون الاخياء السكنيه يحفرون الانفاق ويبنون المتاريس ويعتلون الابنيه ويتخذون ن من المدنيين دروع بشريه ويصيحون (الله اكبر) قوات النظام تقتل المدنيين !! اهذه ثورة تهدف الى الحريه؟! اية دولة على وجه الارض ترضى ان يقوم متمردون سذج يحملون السلاح منذ اليوم الاول ولا مجال لانكار هنا( ارجعوا الى مفكري الثورة ومنظريها)ويستعينون بمرتزقة موتورين ويدمروا الدولة بهذه الطريقه الهمجية التي لامثيل لها في التاريخ؟!

  5. يقول maher:

    موتوا بغيظكم، حاولتم جهدكم لاستقدام الاجنبي لتدمير بلدكم وما استطعتم ، لا شكر الله سعيكم .

إشترك في قائمتنا البريدية