ما أحجم عنه الرئيس الأمريكي بايدن، أو ربما نسي أن يقوله، قاله الفرنسي ماكرون حين دعا إلى إنشاء «تحالف دولي ضد حماس»! وذلك بتوسيع التحالف الدولي القائم ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
والحال أن هذا التحالف الذي يدعو إليه ماكرون قائم بالفعل منذ صباح يوم السابع من شهر أكتوبر الجاري، في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» التي يبدو أنها هزت التحالف الغربي ليس أقل من إسرائيل نفسها، وإن لم يعلن ذلك رسمياً. فالتضامن المطلق مع «الضحية» المزعومة إسرائيل، والدعم المطلق بدوره لحربها الانتقامية ذات النوايا التوسعية والتهجيرية شبه المعلنة، جمعا كل الحكومات الأطلسية والقريبة منها، إضافة إلى تنميط وسائل الإعلام في تلك الدول وسيادة روح المكارثية التي تتهم أي انتقاد لإسرائيل، أو لمجازرها المتواصلة في غزة، بمعاداة السامية، ولا تتردد في إطلاق هذه التهمة على الناس على الشبهة، بسبب هوياتهم أو لون بشرتهم.
وفي اليوم التاسع عشر من حرب إسرائيل على أهالي غزة، بعد مقتل نحو سبعة آلاف فلسطيني، قسم كبير منهم من الأطفال والنساء، يرفض الرئيس الأمريكي الدعوات الخافتة لوقف إطلاق النار التي أطلقها بعض رؤساء الدول من خارج «التحالف» ويقول إن الحديث عن ذلك سابق لأوانه، بمعنى أنه لم يكتفِ بعد بكميات الدم الفلسطيني المراق، ويحث إسرائيل على المزيد.
بلغة هذا التحالف وإعلامه، لدينا ضحية بريئة، إسرائيل، كانت تعيش في أمان وسلام، وفجأة تعرضت لهجوم من وحش ضارٍ قتل مدنييها الأبرياء وقطع رؤوس أطفالهم واغتصب نساءهم وأخذ رهائن ليستخدمهم دروعاً بشرية. «العالم المتمدن» لا يفاوض الوحش الإرهابي، بل يستأصله ويقضي عليه. كل كلام غير هذا يعتبر، في عرف هذا التحالف، متعاطفاً مع الإرهابيين، وينبغي معاملته بالمثل. فكلما صدرت «هفوة» عن أي مصدر سياسي كقول أمين عام المنظمة الأممية غوتيريش إن «عملية حماس لم تأتِ من فراغ» مثلاً، تم إخراسه على الفور. هذا دأب كل الأنظمة الاستبدادية التي لا تقبل بأي نشاز يعكر صفاء روايتها عن الأحداث.
التضامن المطلق مع «الضحية» المزعومة إسرائيل، والدعم المطلق بدوره لحربها الانتقامية ذات النوايا التوسعية والتهجيرية شبه المعلنة، جمعا كل الحكومات الأطلسية والقريبة منها
كل هذا مخيف. ويثير الكثير من التساؤلات. ترى متى يكتفي التحالف الغربي من قتل الفلسطينيين، أو كم يجب أن يبلغ عددهم؟ وهل لديه أي تصورات عن اليوم التالي بعد الحرب، ما دام أي من الناطقين باسم دوله لا يذكر أي شيء عن ذلك، مكتفياً بتكرار المطالبة بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين «فوراً وبلا شروط» كأولوية قصوى، مع استمرار معزوفة حق إسرائيل «في الدفاع عن نفسها!». ومن ذلك قطعها للماء والكهرباء عن قطاع غزة التي تشكل جريمة حرب موصوفة، فلا ينبس قادة دول التحالف بكلمة عن هذه الجريمة، ناهيكم عن المطالبة بوقفها. أما المساعدات الإنسانية، من غذاء ودواء، التي وافق على إدخالها بعد أسبوعين على الحصار، فهي محدودة وتحت رقابة إسرائيل.
كل هذا مخيف أيضاً، لأن اليوم التالي الذي يريده الإسرائيليون مع تهجير سكان غزة جنوباً إلى ما وراء الحدود المصرية، لا نعرف ما هي «الأفكار» التي قد تطرح بشأنه على المستوى الدولي بعد وقف القتال. فعلى رغم أن كثيراً من الدول الأخرى بدأت ترفع صوتها بالحديث عن حل سياسي يؤدي إلى إقامة دولتين وفقاً لمسار أوسلو الذي قطعه المحتل الإسرائيلي منذ سنوات طويلة وبات نسياً منسياً، نرى أن الدولة الراعية لذلك المسار، الولايات المتحدة، لا تبدو معنية على الإطلاق بأي شيء عن حل الدولتين أو أي حل سياسي، ومن المحتمل أنها تمارس ضغوطاً على مصر لثنيها عن موقفها المتمثل برفض تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في مصر. وقد كثرت التصريحات الغربية بشأن «موت حل الدولتين» وهو ما يعني أن أي «حل سياسي» قد تطرحه واشنطن وحلفاؤها من المحتمل ألا يختلف كثيراً عن أفكار «الحل النهائي» النازية ـ الإسرائيلية، التي يصعب أن تلقى قبولاً من خارج الدائرة المنحازة لإسرائيل. وهو ما يعني استمرار الصراع الوجودي في المنطقة.
ماذا عن الجبهة الشمالية التي كثرت التكهنات بشأنها على ضوء المناوشات اليومية بين حزب الله وإسرائيل، والضربات الإسرائيلية للأراضي السورية ومواقع جيش النظام في المنطقة المحاذية للحدود؟
معروف أن مفتاح تحريك هذه الجبهة في يد إيران التي تتعامل مع الصراع كلعبة شطرنج تحرك فيها بيادقها في التوقيت الذي تراه مناسباً. وواضح أنه لا إسرائيل ولا داعموها، واشنطن بخاصة، يريدون فتح جبهة جديدة قد تشغل الجيش الإسرائيلي عن مواصلة مقتلتها في غزة بالوتيرة نفسها. أما حزب الله فالمرجح أنه لا يرغب بتكرار تجربة «لو كنتُ أعرف» في حرب 2006 التي دمر فيها الطيران الإسرائيلي البنى التحتية في لبنان من شماله إلى جنوبه. الحلقة الأكثر ترجيحاً للتوسع في الحرب ضد إسرائيل، في هذا الوضع، هي الجبهة السورية التي تنتشر فيها قوات حزب الله، فنظام بشار لا أحد يأخذ برأيه لفتح الجبهة السورية من عدمه، والخراب السوري «يحتمل» المزيد منه. لذلك تدور أخبار لا يمكن التأكد من صحتها بشأن إرسال إسرائيل لتحذيرات إلى بشار الأسد وصلت حد التهديد باغتياله، إذا «سمح» بفتح الجبهة السورية. هذه المزاعم تصدر من إعلام محور الممانعة طبعاً، وله أهداف وظيفية لا تخفى على أحد. ولكن لا يستبعد بالطبع أن تكون إسرائيل قد هددته بضرب مواقع لقواته العسكرية أو مواقع لوجستية كالمطارات، الأمر الذي تقوم به فعلاً على أي حال.
كاتب سوري