أصيلة (المغرب) ـ «القدس العربي»: شكّل موضوع “الحركات الانفصالية والمنظمات الإقليمية” محور الندوة الأولى من ندوات مهرجان “موسم أصيلة الثقافي” في المغرب في دورته الثالثة والأربعين التي انطلقت مساء الأحد، تحت رعاية العاهل محمد السادس.
وتطرق المتحدثون في الجلسة الأولى إلى أهمية الحوكمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان الإفريقية. وأشاروا إلى أن دعاوى الانفصال غالباً ما تكون نتيجة لغياب العدالة الاجتماعية والمجالية، المتمثلة في غياب التكافؤ بين مناطق البلد الواحد في ميادين التنمية والصحة والتعليم والتغذية، وعدم إشراك الكفاءات في مناصب المسؤولية، بالإضافة إلى هشاشة الدولة الوطنية وعجز مؤسساتها في القضاء والديمقراطية.
ولفتوا الانتباه إلى أن المنظمات الإرهابية والحركات الانفصالية تستغل عوامل الفقر والأمية وضعف الدول من أجل التأثير السلبي على الناس واستقطاب المزيد من الأتباع.
وأكدوا على الحاجة إلى الديمقراطية ليس بالمنظور الغربي المستورد، وإنما بمواصفات نابعة من خصوصيات شعوب المنطقة وثقافتها الذاتية وتقاليدها في تدبير أمورها الجماعية.
وشهدت الجلسة الأولى مشاركة كل من الشيخ تيجان غاجو (رئيس معهد بانا فريكان للاستراتيجية والسلام والأمن والحكامة من السنغال) ومحمد صالح النظيف (رئيس مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا) ومحمد المدني الأزهري (الأمين العام الأسبق لمجموعة دول الساحل والصحراء) ومحمد زكريا أبو الذهب (أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط).
وافتتحت دورة 2022 من “موسم أصيلة” بكلمة لمحمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة “منتدى أصيلة”، قال فيها إن الدورة الحالية تشكل لبنة أخرى في صرح التفكير حول المجال الإفريقي بما هو فضاء حيوي، ما فتئت المؤسسة تخصص له حيزاً معتبراً منذ عقود طويلة. وأضاف أن مدينة أصيلة كانت رائدة في الدراسات الإفريقية، في زمن لم يكن هذا الانحياز يستثير حماسة عديدين، وعلى امتداد سنوات كان لإفريقيا حظها من نقاشات الموسم وفعالياته وجوائزه. وأوضح أن الهدف هو شحذ طاقة جديدة للتأمل في موضوع الانفصال في علاقته بالدولة الوطنية، وقد قطع أشواطاً من الجدل، واستطاع أن يراكم قراءات متنوعة توحد فيما بينها هواجس الانتماء لمجال مشترك، آملاً في الوصول إلى معادلة لمعالجة ظاهرة الحركات الانفصالية في أفريقيا من منظور الأزمات الأمنية وسياسات وإستراتيجيات المنظمات الإقليمية في مواجهتها.
أما عن الغاية من تناول هذا الموضوع، فأوضح بن عيسى أنها تكمن في مناهضة محيط العنف المتنامي والإرهاب المتصاعد بإيقاع مرعب، ما يسهم في تفتيت القدرات الإفريقية الطبيعية والبشرية، وفي بلقنة الكِيانات الوطنية وإضعافها بل إغراقها في نزاعات وحروب أهلية مدمرة تجري اليوم في مختلف أنحاء إفريقيا. بعد ذلك، ألقى فؤاد يزوغ، السفير المدير العام للعلاقات الثنائية بوزارة الخارجية المغربية، كلمة لاحظ فيها أن إفريقيا تضم العدد الأكبر من الحركات الانفصالية في العالم، ما يؤثر سلباً على النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
وسجل أن الفكر الانفصالي يغذي التطرف والإرهاب ويدعم تقويض سيادة الدول وطرق جلب ووفرة التكتيكات العملياتية، وبالتالي “فليس من باب المصادفة وجود أوجه الشبه بين الحركات الانفصالية والتطرفية واستغلال تشققات البنية الثقافية ومظاهر الضعف والهشاشة لاسيما في أوساط الشباب”، يقول المسؤول المغربي الذي دعا إلى إقامة شراكات فعالة وتعزيز أوجه التآزر في القارة الإفريقية وطنياً وإقليمياً في توافق تام بين خصوصيات الدول.
وأوضح فؤاد يزوغ أن “المغرب يثق في المنظمات الإقليمية، وهو ما أكده العاهل محمد السادس في خطابه بقمة الاتحاد الإفريقي، خاصة أن الروابط بينهما لم تنقطع قط بل ظلت قوية، كما أن الدول وجدتنا دوماً بجانبها”، مشيراً إلى احتضان الرباط لهيئة مهمة، وهي المركز الإفريقي للهجرة، إلى جانب أن المغرب كان من المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية.
وفي كلمة باسم وزير الشباب والثقافة والتواصل، تحدثت لطيفة مفتقر، مديرة الكتاب، عن أهمية الملتقيات الفكرية لـ”موسم أصيلة الثقافي” في مواكبة العديد من التحولات التي شهدها العالم، ووقوفها عند نقاط العتمة واقتراح الحلول والبدائل. واستحضرت المتحدثة دور الثقافة والفن في تشكيل المشترك الإنساني ومحاربة الجهل، كما أبرزت انخراط المغرب في عمليات الأمن والاستقرار والسلام والحوْكمة.
واستطردت قائلة إن “تحديات التنمية والاستقرار تمس مناطق شاسعة من العالم، ما يجعل الأمن والاستقرار، وبالتالي التنمية، سؤالاً مطروحاً على الدوام، في سياق الانفصال الذي يسير في خط معاكس تماماً للمسيرة السليمة للتطور الإنساني، الذي ما زال مع الأسف حاضراً لدى البعض باعتبارات عقيمة عفا عنها الزمن”.
السيدة راكي تالا ديارا، نائبة رئيس المجلس الوطني الانتقالي في مالي، اعتبرت أن موضوع الجماعات الانفصالية يكتسب راهنيته ليس مما يجري في إفريقيا فحسب، وإنما من المستجدات العالمية ككل، لا سيما على مستوى التحديات الاجتماعية والأمنية. وعبرت عن اعتقادها بأن المغرب لعب دائماً دوراً طلائعياً في إفريقيا على مستوى الحوكمة والأمن والتنمية.
وفي اعتقاد كلود فيليكس تشيكايا (باحث كونغولي في معهد الاستشراف والأمن والمستقبل في أوروبا/ إفريقيا)، فإن إفريقيا أصبحت قارة للأزمات والحروب بسبب الحدود المختلقة والتفرقة والبلقنة التي خلفها النظام الاستعماري؛ معتبراً أن هذه القارة في حاجة إلى تفادي كل الأسباب المعيقة للتقدم، من أجل تفادي الاصطدامات والبحث عن الأمن والسلام.