لندن ـ «القدس العربي»: مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ورئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية منذ 2017. يتمتع بخبرة تزيد على الثلاثين عاماً في قيادة وإدارة الاستجابة للأزمات الإنسانية في أنحاء العالم، وفي مجال القيادة الاستراتيجية على الساحة الدولية. وقبل انتقاله للأمم المتحدة كان يشغل منصب الأمين الدائم لوزارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة. وبدأ حياته العملية في الوزارة التي كانت معروفة باسم إدارة التنمية في الخارج لغاية عام 1985.
التقت «القدس العربي» لوكوك فكان هذا الحوار:
■ هل لك أن تعطينا صورة شاملة لمدى انتشار وباء كوفيد ـ 19؟ وهل ما زال العالم يمر في فترة الذروة أم بدأ يتحرك إلى أسفل المنحنى؟
□ وصلت جائحة كوفيد ـ 19 الآن إلى كل بلدان العالم تقريباً. هناك أكثر من 4 ملايين حالة مؤكدة وحوالي 300000 حالة وفاة في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن تصل ذروة الوباء للدول الأكثر فقراً خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة، المقبلة. ومع ذلك، هناك أدلة في هذه الدول على انخفاض الدخل واختفاء الوظائف، وانخفاض إمدادات الغذاء، وارتفاع الأسعار، وفقدان الأطفال اللقاحات والوجبات.
*■ مجلس الأمن الدولي، حتى الآن، غير موحد في التعامل مع الوباء، وقد أعرب الأمين العام مؤخراً عن إحباطه. كيف يؤثر هذا الانقسام بين القوى الكبرى على الوباء؟
□ الفيروس يهدد البشرية جمعاء، وعليها أن تدخل ساحة المواجهة. بوجود جائحة من هذا النوع لا يوجد أحد آمن حتى يصبح الجميع آمناً، والطريقة الوحيدة التي يمكن للعالم أن يفوز بها ضد الفيروس هي العمل معاً. يبين لنا التاريخ أنه إذا تصرفنا بسرعة وبتصميم وبطريقة منسقة، يمكننا تغيير مسار الأحداث بطريقة تفيد الجميع. فعلى سبيل المثال، العمل الجماعي قبل عشرين سنة هو الذي جعل وباء فيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز» تحت السيطرة.
■ لقد رفعت خطة الاستجابة الإنسانية العالمية الخاصة من مليارين إلى نحو 7 مليارات دولار.. كيف تقيّم الاستجابة العالمية لهذه المناشدة حتى الآن؟
□ لقد شجعني جداً أننا تمكنا من جمع أكثر من مليار دولار منذ إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية العالمية في 25 آذار/مارس الماضي. وكانت استجابة الجهات المانحة سريعة وسخية، وساعدنا هذا الكرم بالفعل على تحقيق النتائج. لكن من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد، ففي 7 أيار/مايو، أصدرنا خطة محدثة تطلب 6.7 مليار دولار للفترة المتبقية من عام 2020، مع استمرار الاحتياجات الإنسانية في الارتفاع. إنني أحث المانحين على مواصلة دعم جهودنا.
*■ حذرت مراراً وتكراراً من عواقب اقتصادية مدمرة على البلدان الفقيرة والنامية، خاصةً على الفئات الأكثر ضعفاً مثل النساء والأطفال والمسنين والمعوقين والمهاجرين. هل يمكنك توضيح ذلك؟ وما هي المناطق الأكثر تضرراً؟
□إضافة إلى التأثير الصحي المباشر للفيروس، نتوقع أن تكون أكبر الآثار الوخيمة لهذا الوباء هي في العواقب الاقتصادية. فخلال الأزمة المالية لعام 2008 واجهت العديد من البلدان بشكل فردي انكماش اقتصادها، في حين استمر الاقتصاد العالمي ككل في النمو. أما من خلال هذا الوباء، فسيصبح الاقتصاد العالمي أصغر، ويجب أن نكون مستعدين لارتفاع حدة الصراع والجوع والفقر والمرض مع تقلص الاقتصادات، واختفاء حصائل الصادرات، والتحويلات السياحية، وتعرض النظم الصحية لضغوط. ومن المرجح أن تكون الفئات الأكثر ضعفاً هي الأكثر تضرراً… هذا هو السبب في أن خطة الاستجابة الإنسانية العالمية توفر المساعدة والحماية التي تمنح الأولوية لأكثر الفئات ضعفاً، وهذا يشمل كبار السن والمعوقين والنساء والفتيات، نظراً للأوبئة التي تزيد المستويات الحالية للتمييز وعدم المساواة والعنف القائم على نوع الجنس.
■ كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتجنب مثل هذه الحقبة المدمرة التي ستلي فترة ما بعد الوباء، فقد سبق وحذرتم من المجاعة المحتملة والفقر المدقع؟
□ تشير أرقام جديدة من برنامج الأغذية العالمي إلى أنه نتيجة لوباء كوفيد ـ 19 سيتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الحاد بحلول نهاية العام تقريباً. وستتعرض حياة وسبل عيش 265 مليون شخص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ولا سيما في إفريقيا والشرق الأوسط، إلى تهديد شديد، بعد أن كان عدد الجوعى 135 مليون شخص. يجب أن نتخذ إجراءات الآن. وثمة حاجة إلى تدابير استثنائية… لن يكون العمل كالمعتاد كافياً.
أحث المانحين على زيادة التزاماتهم لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية، مع الحفاظ على التمويل القائم الآن الذي يسمح لنا بالاستجابة للأزمات الإنسانية القائمة.
ويظهر تحليلنا أن تكلفة حماية 10 في المئة الأكثر ضعفاً من الناس في العالم والأسوأ تأثراً بالوباء، تبلغ حوالي 90 مليار دولار. وهذا يعادل 1 في المئة من حزمة التحفيز العالمية الحالية التي وضعتها بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومجموعة العشرين. لقد حسبنا أن ثلثي تلك التكاليف يمكن أن يتحملها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إذا كانا مدعومين سياسياً لتغيير الشروط التي يساعدان بها البلدان الأكثر ضعفاً. وسيتعين على البقية أن تأتي من زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة.
كل شيء تحقق حتى الآن في مكافحة الفيروس لم يكن ممكناً إلا بسبب التمويل السخي من المانحين. يمكن أن نستمر فقط إذا تم توفير تمويل إضافي. في نهاية المطاف، يجب أن يكون هذا التمويل متناسباً مع حجم المشكلة التي نواجهها.
■ يبدو أن الاستجابة لدعوة الأمين العام لوقف عالمي لإطلاق النار لم تلق آذاناً مصغية في ليبيا واليمن. كيف ستكون توقعاتك في منطقتي الصراع هاتين إذا ما انتشرت فيهما جائحة كورونا؟
□ هناك حاجة ملحة لإنهاء الأعمال العدائية لمحاربة الفيروس ومنع العواقب الوخيمة. في اليمن، أدى أكثر من خمس سنوات من الحرب إلى تدهور شديد في البنية التحتية الصحية واستنفاد أجهزة المناعة لدى الناس وزيادة نقاط الضعف الحادة. ونتيجة لذلك، يمكن أن ينتشر الفيروس بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع وبنتائج مميتة أكثر من بلدان أخرى. أرحب بالتحركات الأخيرة نحو وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، بما في ذلك إعلان التحالف الشهر الماضي، وأحث جميع الأطراف على الانضمام إلى هذا الجهد، الذي هو مطلوب بشكل عاجل ليس فقط لإعطاء اليمن فرصة مواجهة كوفيد ـ 19 فحسب، بل ولتخفيف العبء الثقيل للحرب على المدنيين.
أما في في ليبيا، فنشعر بانزعاج شديد من تأثير القتال المستمر على المدنيين خاصة بالنظر إلى انتشار وباء كوفيد-19. يجب أن تنتهي هذه الأعمال العدائية الآن حتى يتمكن عمال الإغاثة من الوصول إلى السكان الأكثر ضعفاً، بمن فيهم النازحون والعائدون واللاجئون وطالبو اللجوء.
■ من يعمل في الميدان الآن وكيف يتم التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية؟ هل شكلت فريقاً صلباً مثل برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز؟
□ إن اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات «IASC» التي أنشأتها الجمعية العامة هي أعلى منتدى تنسيق إنساني لمنظومة الأمم المتحدة، وهي تجمع الرؤساء التنفيذيين لـ 18 منظمة تابعة للأمم المتحدة وغير تابعة لها. يجتمع هذا الفريق أسبوعياً على الأقل منذ آذار/مارس لتنسيق الاستجابة الإنسانية.
وبينما تفرض قيود السفر والحجر الصحي تحديات غير مسبوقة على الاستجابة الإنسانية، يواصل عمال الإغاثة تقديم المساعدات للمحتاجين. ومثل كل منظمة أخرى، كان هناك تحول في طريقة عملنا. إن العنصر اللوجستي حاسم، بما في ذلك الخدمات الجوية لإمدادات المساعدة والموظفين. ويعمل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مع الشركاء للتأكد من استمرار وصول المساعدات، وهذا يشمل التتبع السريع لمرور العاملين في المجال الإنساني والبضائع على الحدود، وكذلك داخل البلد للمنظمات الإنسانية. كما تدرس المنظمات الإنسانية خيارات لزيادة المساعدات النقدية والقسائم، استجابة لقيود الوصول.
■ هل نسي العالم غزة ومعاناتها بعد 13 سنة من الحصار والحروب وانهيار الخدمات الأساسية خاصة في قطاع الصحة؟ ماذا لو انتشر الوباء هناك؟
□ لا يزال عدد الحالات المؤكدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منخفضاً نسبياً مقارنة بالدول الأخرى، لكن خطر الانتشار لا يزال قائماً. تم تقويض النظام الصحي في غزة بسبب الصراع المستمر والحصار ونقص الموظفين المتخصصين والأدوية والمعدات.
الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى تدعم الحكومة الفلسطينية في جهودها لاحتواء الوباء، بالعمل مع السلطات الإسرائيلية والمنظمات الدولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية. نحصل على المساعدة لأولئك الذين يحتاجون إليها ونوفر الضرورات مثل معدات الحماية الشخصية والإمدادات الطبية ومياه الشرب النظيفة. من الأهمية بمكان أن تعمل جميع الأطراف بشكل جماعي لصالح الجميع.
العالم سيتعرض لمجاعة بسبب الوباء وعدد الوفاة يتجاوز عدد ضحايا الوباء مما سيغير العلاقات الدوليه واعادة النظر بالتحالفات على اسس غير المتعارف عليها قبل الوباء.