منصور عباس.. “بيضة القبان” العربية- الإسلامية والرحلة في مناطق الألغام الإسرائيلية

وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة- “القدس العربي”: أثار نائب عربي في الكنيست عاصفة من ردود الفعل بعد قيامه بتقديم خطاب باللغة العبرية يحمل مضمونا متصالحا غلب عليه الطابع المدني – الديني الأخلاقي وغابت عنه ملامح الرواية التاريخية الفلسطينية، ودعا فيه للعيش المشترك وضمن مستقبل آمن للأجيال الناشئة من العرب واليهود في البلاد مقتبسا آية قرآنية.

وكان رئيس القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية) منصور عباس قد أدلى بتصريح مكتوب على الورق باللغة العبرية من مدينة الناصرة ليلة الخميس/الجمعة قال فيه “أنا منصور عباس، عربي ومسلم فخور، مواطن دولة إسرائيل الذي يرأس الحزب الأكبر داخل المجتمع العربي فيها”.

ولم يأت منصور عباس، خلال المؤتمر الصحافي، بأي موقف سياسي جديد حيال السباق على رئاسة الوزراء بين معسكر نتنياهو وبين المعسكر المناهض له. كما لم يتطرق عباس إلى القضايا السياسية الحارقة لدى فلسطينيي الداخل بشكل عيني مكتفيا بالإشارة لضرورة احترام مواطنتهم فعليا. عباس الذي توجته بعض وسائل الإعلام العبرية كأحد “صانعي الملوك” في إسرائيل بعد فوز قائمته بأربعة مقاعد وظهوره كمن يلعب دور “بيضة القبان” بين المعسكرين المتصارعين على الحكم لم يفصح عما إذا كان سيدعم بنيامين نتنياهو أم معسكر مناوئيه.

وقال عباس (46 عاما) وهو طبيب أسنان من قرية المغار في الجليل إن “الوقت حان لتشكيل واقع مختلف لجميع مواطني هذا البلد. لا أريد أن أكون جزءا من كتلة من اليمين أو اليسار. أنا في كتلة أخرى، الكتلة التي انتخبتني لخدمة شعبي والتي أعطتني تفويضا حتى تصبح مطالب الجمهور العربي في إسرائيل وهي منذ سنوات عديدة مجرد مطالب، برنامج عمل حقيقيا”.

وعلى خلفية الإثارة الكبيرة المترتبة عن دعم الحركة الإسلامية لمعسكر اليمين ونتنياهو اختار عباس الإدلاء بتصريحاته عند الساعة الثامنة مساء وهو توقيت نشرات الأخبار المركزية في القنوات الإسرائيلية مما أجج أجواء درامية سياسيا وإعلاميا. وكان عباس قال إثر انتخابات رابعة جرت في غضون عامين دون نجاح بالخروج من مأزق سياسي متكرر إنه مستعد للتفاوض مع معسكر بنيامين نتنياهو كما مع المعسكر المناوئ له والمكون من أحزاب لديها أيديولوجيات متعارضة في بعض الأحيان لكنها اجتمعت على هدف الإطاحة بزعيم الليكود من السلطة.

قراءة في المصارعة الإسرائيلية على السلطة ودور فلسطينيي الداخل فيها

يشار إلى أنه لم يسبق أن شارك أي حزب عربي في ائتلاف حكومي في إسرائيل بينما كانت حكومة رابين عقب انتخابات 1992 قد حظيت بدعم “كتلة مانعة“ من قبل نواب الحزب الشيوعي الإسرائيلي والحزب الديموقراطي العربي بإيحاء من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات الذي قدم يد العون بذلك لرابين لتشكيل حكومة تصادق على اتفاق أوسلو.

وكان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين قال الإثنين إنه سيختار بحلول 7 نيسان/أبريل الجاري المرشح الذي سيكلفه تشكيل الحكومة المقبلة، في قرار سيبنيه على الاجتماعات التي سيعقدها اعتبارا من بعد غد مع رؤساء الكتل النيابية. وفيما التزم حزب “الليكود“ الحاكم الصمت على تصريحات عباس فقد دعاه رئيس “أزرق- أبيض” وزير الأمن بيني غانتس لعدم إيلاء الثقة بنتنياهو وقال له بالعبرية ما معناه “اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا”.

أما رئيس حزب “يمينا“ باتسلئيل سموطريتش فقد رفض المشاركة في أي حكومة تستند على أي نوع من الدعم من قبل القائمة العربية الموحدة فيما شككت بعض الأوساط الصهيونية بدوافع عباس وقالت إنه يتخفى بغلاف خارجي مزور من باب التقية. ويستدل من قراءة خطاب عباس ومن أحاديث مع بعض قادة قائمته أن هذا التصريح جاء كنوع من طمأنة أوساط وجيوب في معسكر نتنياهو ترفض الاعتماد على أصوات نواب عرب ولذا اعتمد لغة ناعمة خلت من الرواية الفلسطينية.

التمثيل والتأثير

لا يقل هدف التأثير عن التمثيل السياسي العربي في الكنيست خاصة أن المجتمع العربي الفلسطيني في أراضي 48 ظهره للحائط ومشاكله ملحة وتدنو من حالة الغليان. وبسبب تراجع المناعة الوطنية لم يعد يقوى على الانتظار طويلا وعلى تغليب كفة الأهداف الوطنية السياسية المتعلقة بحقوقه السياسية كأقلية وطنية وبالقضية الفلسطينية الأم مقابل كفة المطالب الحياتية. إذن الميزان مختل اليوم وبالنسبة للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل باتت الحقوق المدنية والمطالب الحياتية أهم من تلك السياسية نتيجة عدة عوامل منها تعمق الأسرلة سنة بعد سنة منذ نكبة 1948، تراجع قوة الأحزاب العربية وجفاف التعبئة والتثقيف إضافة لظاهرة انحسار اليسار والأحزاب في العالم حالة الجزر الفلسطينية والحالة العربية المتردية عقب فوضى “الربيع العربي“ والانهيارات العربية ولهاث التطبيع وغيرها.

ولذا وبدون تغيير الواقع الراهن وبدون موازنة حقيقية على الأرض بين القومي واليومي سيذهب معظم الجيل الثالث بعد النكبة لإسرائيل بحثا عن مكاسب حياتية بدون ضوابط وطنية وكيفما اتفق. ويخطأ من يظن أن من لم يشارك من المواطنين العرب (53%) يرفض المشاركة في اللعبة الإسرائيلية، بالعكس. عدا أقلية تقاطع انتخابات الكنيست، مبدئيا تتطلع الأغلبية الساحقة للتأثير وتغيير قواعد اللعبة السياسية مع الاحتفاظ بالهوية الوطنية وعلى الأحزاب التقاط ذلك على رأس الإصلاحات السياسية المطلوبة اليوم بعد الهزة الأرضية السياسية الأخيرة.

الوطن والمواطنة

 الأحزاب العربية طيلة عقود لم تلتفت كفاية للحقوق المدنية وحل المشاكل الحياتية المتفاقمة نتيجة التمييز العنصري الرسمي، وكرست جل جهودها حتى السنوات القليلة الأخيرة للقضية السياسية وهي اليوم ونحن معها نسدد ثمن اختلال التوازن بين الوطن والمواطنة المتمثل بترجيح كفة القضايا الحياتية (على أهميتها) على حساب الحقوق السياسية لأقلية وطن قومية وعلى حساب القضية الفلسطينية والهوية الوطنية.

اعتراف السكان الأصليين بالمهاجرين

 تصيب وجهة النظر الداعية لإعادة الاهتمام للمشاكل والهموم الحياتية كما ترى الموحدة لكن الموازنة تعني أيضا عدم ترجيح كفة اليومي على حساب القومي مثلما هي تحتم الأداء السياسي الواثق منه ذاته المتوقع من قبل السكان الأصليين في وطنهم بعيدا عن مظاهر التزلف والضعف.

البراغماتية هنا من قبل الموحدة وفي كل مكان وزمان لا تبرر تبني رواية الآخر الإسرائيلي في قضايا مهمة ولو جزئيا من باب التقرب والتودد. بالعكس، من شأن الإفراط في البراغماتية أن يؤدي لنتائج معاكسة خاصة أن الجانب الإسرائيلي أيضا (وليس المجتمع العربي فحسب) محتاج بنهاية المطاف لاعتراف السكان الأصليين والمشاركة شبه الكاملة في لعبته السياسية وقد لمسنا الانفعال الكبير الذي رافق توصية المشتركة على غانتس.

بيضة القبان

 تعتبر القائمة العربية الموحدة نفسها “بيضة القبان” رغم أن نفتالي بينيت يحتفظ ب”كرت الجوكر“ في هذه الجولة الانتخابية. مع ذلك ضاعفت الموحدة قوتها النوعية ونجحت في انتزاع اعتراف المنظومة السياسية الإسرائيلية بالنواب العرب كلاعبين محتملين، وذلك في انحياز الموحدة لموقف “لسنا بجيب اليمين ولا اليسار”، كما فعل نفتالي بينيت. ويبقى السؤال إذا كانت تأخذ بالحسبان المخاطر و”الألغام“ على الطريق واحتمال تحول فوزها إلى كيد مرتد ينال منها وهي “ألغام“ موجودة في الطريقين، مع معسكر نتنياهو أو معسكر مناوئيه. من هذه المخاطر عدم تعلم الموحدة من دروس المشتركة في رفع سقف التوقعات منها والذي شكل أحد عوامل تراجع شعبية المشتركة- بعدما انقلب غانتس عليها عقب التوصية عليه وبالتالي عجزت عن تحقيق وعودها المفرطة لناخبيها.

 نظرا لحالة الانقسام والتبعثر الحزبي يبدو أن أي حكومة جديدة لن تعمر أكثر من عام: حكومة الليكود مع الصهيونية الدينية ويمينا بدعم خارجي من الموحدة ستقف أمام امتحانات صعبة منها مثلا عدوان جديد على غزة أو لبنان أو اقتحامات متتالية على الحرم القدسي الشريف وعندها ستجد الموحدة نفسها أمام مأزق كبير يهدد مستقبلها البرلماني على الأقل. مثل هذا الانتهاك ربما يحدث بعد تشكيل حكومة بديلة لنتنياهو أيضا ومن قبل أي حكومة مستقبلية لكن الفارق هنا أن الموحدة ستكون والمشتركة في ضفة واحدة وهذا ربما يمنحهما أكثر قوة في فرض المزيد من الشروط أولا ويحول دون تعرض إحداهما لمزاودة الأخرى سياسيا ويشق الطريق أمام استعادة الوحدة على أساس التعددية الحزبية بعد الانتخابات.

المديان القريب والبعيد

وهكذا هو الحال مع حكومة بديلة تطيح بنتنياهو فهي الأخرى لن تطيل عمرا لأن كثرة الأحزاب وتناقضاتها السياسية وطغيان حسابات الأنا الشخصية ستجعل حكومة بينيت ولابيد وغانتس بدعم خارجي من المشتركة والموحدة حكومة قصيرة الأمد خاصة أن بينيت سيبقى دون سيطرة على حكومته لقلة عدد نواب حزبه. ولذا فإن الحكمة السياسية تقتضي خفض المشتركة والموحدة سقف التوقعات من مثل هذا الدعم الافتراضي حتى الآن (في كلا الخيارين: حكومة نتنياهو أو حكومة خصومه) والاكتفاء بالتشديد على الرغبة في فحص كل إمكانيات التأثير مع التنبيه أن هذه مسيرة ورحلة جبلية صعبة وتحتاج للصبر والنفس الطويل.

 نتيجة حسابات كثيرة قريبة وبعيدة المدى (مصالح الموحدة والمجتمع العربي) يبقى خيار الموحدة بدعم حكومة نتنياهو رحلة محفوفة بمخاطر أكثر من دعم حكومة بديلة له: وفق المنطق البراغماتي نفسه وعلى المستوى الداخلي- المدني تدلل تجربة نتنياهو على طغيان وعوده الكاذبة والأفضل تجربة البديل حتى لو لم يختلف عنه أيديولوجيا. على المستوى الفلسطيني العام يبقى نتنياهو في وعي كل الفلسطينيين ألد وأخطر خصم ومحرض طيلة حكمه الطويل، وعملية هضم المجتمع العربي لدعمه من الخارج بأصابع نواب الموحدة تبدو مهمة عسيرة وفيها مغامرة سياسية وبالتالي من المفضل أن يجري التأثير بالخطوة خطوة، تدريجيا وبحذر فليس من المعقول البقاء خارج اللعبة سبعة عقود ليبدأ التأثير دفعة واحدة في ظل صراع قومي ما زال بيننا.

 هل يأخذ رئيس الموحدة النائب منصور عباس بالحسبان ذلك؟ وهل فعلا الموحدة منفتحة على المعسكرين أم أنها حسمت أمرها لصالح دعم حكومة يمين ويمين متطرف؟ وهل تتفق الموحدة مع التقديرات بأن إسرائيل على موعد مع انتخابات جديدة حتى لو تشكلت حكومة؟

سيناريو غانتس

 رغم الموقف “الحيادي“ المعلن تبدو الموحدة من خلال قراءة ما وراء الكلمات أنها تفضل التأثير من خلال دعم حكومة برئاسة نتنياهو لعدة أسباب منها: الخوف من تكرار سيناريو التوصية الفاشلة على غانتس، الخوف من ليبرالية المعسكر المناهض لنتنياهو مقابل محافظة الأحزاب اليهودية الدينية في المعسكر المضاد اجتماعيا، التشكيك بإمكانية نجاح عدد كبير من الأحزاب الصغيرة المناهضة لنتنياهو من التفوق على الذات وتشكيل حكومة علاوة على الرغبة بالتأثير منفردة دون إشراك المشتركة في “الحصاد”.

في خطابه حاول منصور عباس مخاطبة اليهود بالأساس محاولا المساهمة في تخفيف معارضة أوساط في اليمين فكرة تشكيل حكومة بدعم خارجي من نواب عرب على شاكلة “تأليف القلوب” فهناك بعض الجيوب ما زالت تعارضها وتحول دون تطبيقها فالمنظومة كلها مرتبطة بآخر نائب في الليكود أو يمينا أو الصهيونية الدينية نتيجة حالة التعادل الدقيق، مثلما سعى لمضاعفة قوة وهيبة قائمته وزيادة الوزن النوعي للمجتمع العربي بتبيان صحة مناورته و”خروجه من عباءة اليسار“ و“اختراق اليمين”، عبر استغلال دراما إعلامية – سياسية في أوجها مثلما سعى لتحضير جمهوره لاحتمال دعم حكومة برئاسة نتنياهو.

اختصار الشيطنة والتحريض

 من النتائج المؤكدة لهذه الانتخابات أن الموحدة والمشتركة سبب مهم جدا في تعميق الأزمة الائتلافية فلولاهما لكان تشكيل الحكومة مهمة أسهل أو منتهية وأن مسيرة المشاركة الفعالة والتأثير في اللعبة السياسية الإسرائيلية المستمرة منذ أول انتخابات للكنيست عام 1949 قد شهدت تحولا جوهريا مهما هذه المرة عقب تقليص الشيطنة والتحريض على العرب و”إسباغ الشرعية الإسرائيلية“ (بدأها نتنياهو نفسه مضطرا وتكتيكيا) على مشاركة العرب في اللعبة السياسية البرلمانية- الحكومية وهذه فرصة للأحزاب العربية لتوسيع التأثير المتوازن بالأسلوب والأداء واللغة والخطاب السياسي والنتائج.

أما التوهم في قدرات الاختراق دفعة واحدة والإفراط في تنمية توقعات كبيرة (من قبل المشتركة أيضا) فمن شأنهما التسبب بهبوط نسبة المشاركين العرب في انتخابات مستقبلية للكنيست إلى دون الـ46% نتيجة عدم تحقيق نتائج عملية. وعلى خلفية كل ذلك ربما يكون خيار عدم التوصية على أحد المرشحين جدير بالدراسة ريثما تتضح الصورة أكثر بعد تقديم الأحزاب توصياتها خاصة أن رئيس إسرائيل قد أعلن أنه سيسمي المكلف بتشكيل حكومة بناء على احتمالات نجاحه بالمهمة وليس وفقا لعدد الموصين عليه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين والمسلم بشكل عام لا مشكلة له مع اسرائيل ..فهم أبناء دين واحد .. عداء المسلم فقط ضد الذي يترك دين الإسلام وضد اللاديني وتطبيق شرع الله … الله غير قادر على تطبيق شرعه بنفسه .. الله فاشل عند المسلمين

إشترك في قائمتنا البريدية