منطقة القبايل تقاطع الانتخابات الرئاسية الجزائرية

حجم الخط
28

كما كان متوقعا قاطعت منطقة القبايل الانتخابات الرئاسية الأخيرة. مقاطعة تمت بشكل شامل في ولايتي بجاية وتيزي وزو، وبشكل جزئي في شمال ولايات برج بوعريريج وسطيف والبويرة وشرق ولاية بومرداس. ولايات تحسب على منطقة القبايل الجبلية، التي تقع شرق مدينة الجزائر. عرفت تاريخيا بمشاركة ضعيفة في كل الاستحقاقات الانتخابية التي دعت لها السلطة، منذ سنوات الاستقلال الأولى، على غرار المدن الكبرى، رغم طابعها الريفي.
رغم أهمية العوامل الثقافية واللغوية، التي تميز منطقة القبايل، إلا أنها لا تفسر وحدها نسبة العزوف العالية التي ميزت المنطقة تاريخيا، وليس هذه المرة فقط، إذا عرفنا أن مناطق أمازيغية أخرى تشارك تقليديا بقوة في الانتخابات، كمنطقة الأوراس والطوارق، وحتى غرداية على سبيل المقارنة، ما يعني أننا أمام عوامل أخرى تتجاوز البعد الثقافي اللغوي، هي التي تفسر ما يميز هذه المنطقة، على مستوى السلوك الانتخابي وغيره من المؤشرات السياسية الأخرى، كتلك النزعة القوية نحو المعارضة.
التاريخ الثقافي للمنطقة، يمكن أن يسعفنا في فهم ما حصل ويحصل، ليس على الصعيد السياسي فقط، بل كذلك في ميادين أخرى اقتصادية واجتماعية، فالمنطقة عرفت تاريخيا باستفادتها المتقدمة من انتشار التعليم بنوعيه التقليدي (زوايا) والعصري خاصة، ساعد على انتشاره الاستعمار الفرنسي لأغراض مرتبطة بمشروع استمراريته، وهو يركز على تقسيم الجزائريين، لتتوسع هذه الاستفادة من انتشار التعليم أكثر كباقي جهات البلد أخرى، بعد الاستقلال.

أعاد الحراك الشعبي للحمة الوطنية الكثير من حيويتها وهو يُفشل مشاريع الانفصال القديمة الحاضرة

لم يستفد أبناء منطقة القبائل من هذه الأسبقية التاريخية التي ميزتهم على مستوى انتشار التعليم فقط، بل استفادوا كذلك من قربهم الجغرافي من العاصمة، ومن هجرتهم المبكرة نحو فرنسا، والكثير من المدن الداخلية، ما جعلهم أقرب للحضر من أبناء الريف، هم أبناء المناطق الجبلية الفقيرة، والمكتظة ديموغرافيا. هجرة قديمة إلى فرنسا تحديدا بحجمها الديموغرافي الكبير، كوّنت على الدوام، عامل تغيير على أكثر من صعيد ثقافي واجتماعي واقتصادي، لا يمكن فهم ما يميز المنطقة وأبنائها من دونه. وهي الهجرة التي توسعت نحو اتجاهات جديدة، منذ سنوات- كندا على سبيل المثال – ومست فئات أكثر تأهيلا، بل وتأنيثا، عكس الهجرة التقليدية الأولى إلى فرنسا، التي قام بها الفلاح والعامل، الذي تحول مع الوقت إلى مشروع رجل أعمال ناجح، اعتمادا على ما ميز أبناء المنطقة من قيم تنشئة، يشتركون فيها مع أبناء مناطق أخرى من التراب الوطني، كأبناء منطقة سوف وغرداية، على سبيل المثال، تركز على بذل الجهد والتضامن العائلي والمبادرة الاقتصادية الحرة.
بروز نخب متعددة وبحجم كبير كانت أحد تجليات هذا التاريخ الثقافي والاجتماعي، وحتى الموقع الجغرافي الذي ميز منطقة القبائل. نخب عبرت عن حضورها المتميز منذ مرحلة الحركة الوطنية في المهجر وداخل البلد، لا يمكن فهم التاريخ الثقافي والسياسي للجزائر من دون العودة إلى الأدوار المنجزة من قبل أبناء منطقة القبايل، الذين كانوا حاضرين في بناء الحركة النقابية والطلابية والسياسية، وصولا إلى مرحلة ثورة التحرير، وبناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال. ليكونوا جزءا مهما من النخبة البيروقراطية والتكنوقراطية، ورجال الأعمال ومختلف النخب الثقافية والعلمية الوطنية. نخب اندمجت بقوة داخل دواليب الدولة الوطنية وعارضتها من خارجها في الوقت نفسه، ساهمت بقوة في بروز حركات سياسية معارضة، ميزت أبناء المنطقة على الدوام منذ الحركة الوطنية، ما منح المنطقة قوة تأطير سياسي، جمعوي ونقابي، يضاهي ما هو موجود في المدن الكبرى، ساهم فيه هو الآخر أبناء المنطقة، نتيجة الهجرة الداخلية، التي ميزتهم نحو العديد من المدن، ليكوّن فهم ما ميز المنطقة من قوة حركية سياسية، بل تميز وطني في مختلف المحطات السياسية من تحصيل حاصل. تميز سياسي عبّر عن نفسه من خلال حراك سياسي شبه دائم، استطاع النظام السياسي عزله عن إطاره الوطني في الغالب، بعد شيطنته سياسيا، عكس ما هو حصل مع الحراك هذه المرة، التي لم تنجح فيها خطط السلطة وهي تحاول تجييش بعض القوى السياسية، القريبة في بعض الأحيان من طروحات اليمين المحافظ، بل المتطرف، القائم على قراءة عرقية للسردية الوطنية، ليست حاضرة في الغالب لدى أبناء المنطقة الذين يعارضون كثيرا، للمطالبة باندماج وطني أكثر وليس عزلة. لم يتعاملوا يوما كأقلية وطنية مختلفة إثنيا، عن النسيج الوطني الأشمل، حتى وهو يطالبون باحترام ما يميزهم ثقافيا ولغويا. طلب اندماج يملك كأرضية موضوعية تلك النزعة القوية للتزاوج مع أبناء وبنات المناطق الأخرى، يعطي بعدا ديموغرافيا مهما، يؤشر إلى نجاح مشروع بناء أمة جزائرية موحدة.
حراك وطني عبّر في شعارته بمناسبة محطة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي قاطعتها منطقة القبايل، عن لحمة سياسية وطنية متجددة، جعلت الكثير من أبناء الجهات الأخرى، يشكرون أبناء المنطقة على مقاطعتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها بالقوة نفسها عندهم، بعد أن أعاد الحراك الشعبي لهذه اللحمة الوطنية الكثير من حيويتها وهو يُفشل مشاريع الانفصال القديمة الحاضرة، بين بعض أبناء المنطقة، كانت قد ظهرت في محطات تاريخية زادت فيها حدة الشرخ الوطني، بعد عزل المنطقة عن عمقها الوطني وقمعها. ساعدت عليها تلك القراءات المبتورة لموازين القوى السياسية الوطنية، وهي تعتمد على قراءة جهوية لموازين القوى السياسية وليس الوطنية.
مقاطعة أبناء منطقة القبايل التي تضيف تحديات أكبر للرئيس الجديد، بعد هذه الانتخابات الأخيرة التي تعود النظام السياسي على تنظيمها تاريخيا بهذا الشكل، في جو من التخويف والإكراه، أدت أكثر من مرة إلى إنتاج رئيس منقوص الشرعية، كما حصل مع الرئيس السابق في 1999، حين انسحب كل المرشحين وتركوه ينافس نفسه. نظام سياسي لم يقبل يوما باستعمال آلية الانتخابات كوسيلة للتداول السلمي على السلطة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنصب رئيس الجمهورية، الذي يفضله النظام دائما رئيسا ضعيفا، ومن دون شرعية شعبية قوية، كما كان يتمنى أغلبية الجزائريين هذه المرة، لو تم البناء على الحراك الشعبي كلحظة تاريخية مهمة، في تاريخ الجزائر والجزائريين.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول MAJID LAKHAL:

    كل التوفيق لشعب القبائل الحر .

  2. يقول صالح/ الجزائر:

    2)- لا يصح تغطية الشمس بالغربال ، اللهم إلا إذا كان الهدف هو تشجيع “الماك”ويين على الاستمرار لتحقيق مخططاتهم .
    “المنطقة عرفت تاريخيا باستفادتها المتقدمة من انتشار التعليم بنوعيه التقليدي (زوايا) والعصري خاصة، ساعد على انتشاره الاستعمار الفرنسي لأغراض مرتبطة بمشروع استمراريته” .
    أليست شنوة وجبال الظهرة أمازيغية وقريبة هي الأخرى من العاصمة ، من البحر ومن فرنسا ، وربما استفادت هي الأخرى “المزايا؟” الفرنسية ؟.
    كثير من الكتب الفرنسية التي تناولت الجزائر ، وكتبت أثناء الاحتلال والاستعمار ، لم تقسم الجزائريين إلى أمازيغ (بربر) وعرب … ، وإنما إلى عرب وقبائل ، ومازالت فرنسا نيوكولونيالية تصب الزيت وتنفخ في النار .

  3. يقول صالح/ الجزائر:

    3)- الاستفادة المتقدمة من انتشار التعليم التقليدي (زوايا) والفرنسي خاصة ، قربهم الجغرافي من العاصمة، وهجرتهم المبكرة نحو فرنسا ، والكثير من المدن الداخلية ، جعلهم أقرب للحضر من أبناء الريف، وّكونت على الدوام ، عامل تغيير على أكثر من صعيد ثقافي واجتماعي واقتصادي ، بروز نخب متعددة وبحجم كبير كانت أحد تجليات هذا التاريخ الثقافي والاجتماعي ، كانت حاضرة في بناء الحركة النقابية والطلابية والسياسية، وصولا إلى مرحلة ثورة التحرير، وبناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال ، … ، لا يمكن فهم ما يميز المنطقة وأبنائها من دون هذه العوامل .
    لكن رغم كل ما ذكر فإن المنطقة بقيت ، مع الأسف ، ميالة للتقوقع على نفسها نتيجة للعصبية الجهوية ل”العروش” التقليدية ، ورهينة لقلة من النشطاء العصريين .

  4. يقول محمد الجزائر:

    ما لم يقله صاحب المقال أن منطقة القبائل التي لم تنتخب تتجذر فيها حركة الماك الانفصالية التي تتخذ من باريس مقرا لها. وأن معارضة المنطقة للنظام منذ الاستقلال كانت معارضة مسلحة سقطت فيها أرواح جزائرية.
    وأن أحزاب “المعارضة”في هذه المنطقة كانت المساند للانقلاب العسكري على الشرعية في 1992. وأن أقطاب الحركة السياسية والثقافية لحركة البربريست لا يؤمنون بالدولة الجزائرية بقدر إيمانهم بولائهم لفرنسا.
    القبايل خاوتنا البرباريست أعداء الجزائر

  5. يقول youcef Algeria:

    لاتكذبوا على الناس … الولايتين لم تقاطعا االإنتخابات و لكن بلطجية قاموا بغلق مراكز الإنتخاب و تخريبها ولم تكن هنالك مراكز متاحة للإنتخاب … عندما تتكلم بموضوعية لم تكن هناك مقاطعة طواعية و لكن هناك إنتهاك حقوق مواطنيين قبائل كثيرين

  6. يقول الصوفي الجزائر:

    كلامي موجه لشركاء الوطن
    لاعرف لماذا يقاطعون وهو اكثر الناس استفادة من خيرات الوطن
    اريد جواب عن اسئلتي
    كم هي نسبتهم من عدد السكان
    كم نسبة المعارضين منهم
    كم نسبتهم في المراكز العليا في الدولة مقارنة بعدد السكان
    كم نسبتهم في البعثات الديبلوماسية
    كم نسبتهم في كبرى الشركات الوطنية
    كم نسبة الاغنياء عندهم مقارنة بباقي اغنياء الوطن
    كم نسبة طلابهم الذين يستحوذون على المنح الدراسية للخارج
    كم نسبة من يحصلون على التاشيرات الفرنسية مقارنة بباقي طالبيها من المناكق الاخرى
    كم نسبة القرى لديهم التي لها توئمات مع مدن فرنسية مقارنة بولايات اخرى فضلا عن قرى في غير مناطقهم
    النتيجة ستكون بمثل يقال عندنا
    ياكل الغلة ويسب الملة
    لكن كل هذا سيزول باذن الله لذلك هم يتحركون مع فرنسا يماهم للتشويش على الرئيس الجديد

    1. يقول dzdzdz:

      العيب ليس فيهم بل في من يدعون انهم عروبيين و مسلمين. يكفي ان تذهب إلي الغرب الجزائري لكي ترى صور معطوبهم الوناس في كافة المحلات بالرغم من تهجمه الوقح في المحطات التفلفزيونية الفرنسية على كل ما هو عربي و إسلامي. لقد ان الأوان لفضحهم و إرجاعهم جحجمهم الحقيقي و ليس إلا القبول بجزائر المواطنة أو الرحيل عنا .

  7. يقول وهران:

    منطقة وهران عرفت تاريخيا باستفادتها المتقدمة من انتشار التعليم بنوعيه التقليدي (زوايا) والعصري خاصة، ساعد على انتشاره الاستعمار الفرنسي لأغراض مرتبطة بمشروع استمراريته، وهو يركز على تقسيم الجزائريين، لتتوسع هذه الاستفادة من انتشار التعليم .

  8. يقول تلمسان:

    منطقة تلمسان عرفت تاريخيا باستفادتها المتقدمة من انتشار التعليم بنوعيه التقليدي (زوايا) والعصري خاصة، ساعد على انتشاره الاستعمار الفرنسي لأغراض مرتبطة بمشروع استمراريته، وهو يركز على تقسيم الجزائريين، لتتوسع هذه الاستفادة من انتشار التعليم

  9. يقول قسنطينة:

    منطقة قسنطينة عرفت تاريخيا باستفادتها المتقدمة من انتشار التعليم بنوعيه التقليدي (زوايا) والعصري خاصة، ساعد على انتشاره الاستعمار الفرنسي لأغراض مرتبطة بمشروع استمراريته، وهو يركز على تقسيم الجزائريين، لتتوسع هذه الاستفادة من انتشار التعليم

  10. يقول قسنطينة:

    منطقة قسنطينة عرفت تاريخيا باستفادتها المتقدمة من انتشار التعليم بنوعيه التقليدي (زوايا) والعصري خاصة، ساعد على انتشاره الاستعمار الفرنسي لأغراض مرتبطة بمشروع استمراريته، وهو يركز على تقسيم الجزائريين، لتتوسع هذه الاستفادة من انتشار التعليم

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية