منطق الهجوم

حجم الخط
0

كلمات محفورة بالصخر أطلقها جون كيري، وزير الخارجية الامريكي في خطاب يرمي الى وضع بنية تحتية أساسية للهجوم على سورية. فقد صرح بان الولايات المتحدة تعرف بيقين مطلق من أصدر الأمر باستخدام السلاح الكيميائي، وهي تعرف من أين اطلقت الصواريخ، وهي تعرف بدقة استثنائية، ان 1429 شخصا، بينهم 426 طفلا قتلوا جراء الهجوم الكيميائي. ‘العالم لن يغفر لنا اذا أشحنا بنظرنا عن استخدام السلاح الكيميائي’، اطلق كيري تحذيرا للشعب الامريكي، وبقدر لا يقل عن ذلك الى باقي دول العالم.
لا يمكن لنا أن نهز رؤوسنا باتفاق مطلق في ضوء الحقائق الاخلاقية التي عرضها وزير الخارجية الامريكي، ولكن يمكن التساؤل أين كانت الولايات المتحدة عندما قتل الرئيس السوري أكثر من 100 الف نسمة، حين هاجم مدنا واحياء بالسلاح التقليدي. ولماذا على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة، عندما كان يمكن في كل يوم وفي كل شهر انقاذ الاف من بني البشر، اكتفت واشنطن ببيانات الشجب والعقوبات؟ لماذا عندها امتنعت عن المواجهة مع روسيا والصين، بينما هي اليوم مستعدة لان تهاجم حتى عندما يأخذ اصدقاؤها بالانسحاب من الائتلاف الدولي الذي سعت الى اقامته. فهل يهم القتلى بأي سلاح قُتلوا؟
ولكن ترددات النفس الاخلاقية لا تستوي، كما هو معروف، مع السياسة الواقعية. وهذه المرة ايضا، عندما يكون على الدرب هجوم على سورية، هدفه الاساسي اثبات ان الرئيس الامريكي عند كلمته ووعده، وعندما يكون على الطريق ايضا تدمير قسم من قدرات النظام العسكرية، فهذا سيكون هجوما بلا استراتيجية، بلا خطة يمكنها أن تشير الى المرحلة التالية، وبلا أهداف كفيلة باحداث انعطافة في القدرة القتالية لقوات الثوار ضد النظام. وليس غنيا عن القول أيضا الاشارة الى انعدام اليقين بالنسبة لطبيعة رد سورية وحليفتيها، روسيا وايران.
اسرائيل ليست منقطعة عن هذه الجبهة، فهي تساهم بنصيبها في التهديدات المعلنة ضد كل محاولة سورية او غيرها لمهاجمتها، ولكنها تحذر، عن حق، من أن تنضم الى ائتلاف قتالي ضد سورية. وكالمعتاد، فان ‘الجيش الاسرائيلي جاهز لكل الامكانيات’، باستثناء امكانية حماية الجبهة الداخلية. فعشية الهجوم على سورية، حين تقدر التحليلات المنمقة احتمالات بقاء نظام الاسد بعد الهجوم وخيارات رده ورد اصدقائه، ثمة منذ الان على الاقل درس مفزع واحد: الجبهة الداخلية الاسرائيلية ليست جاهزة للحرب، والجمهور ليس محميا. وفرحة الحرب لن تغطي على هذا الاخفاق.

هآرتس 2/9/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية