منظمات المساعدة وحقوق الإنسان في قطاع غزة مرت بعدة جولات قتال قاسية، لكن كل شيء مختلف بالنسبة لها في الحرب الحالية. في السابق، كانت هذه المنظمات على صلة مع باحثين ونشطاء في الميدان، وثقوا وجمعوا البيانات والشهادات من المدنيين، ووفروا معلومات ونشروا تقارير موجهة لوسائل الإعلام والجمهور. وهي الآن تخفق في أداء العمل وتوفير معلومات أو حتى الحفاظ على صلة مع موظفيها.
تنبع الصعوبة من قوة هجمات الجيش الإسرائيلي في القطاع، التي تعرض موظفي هذه المنظمات نفسها للخطر. سمير زقوت، من مركز حقوق الإنسان “الميزان”، قال لـ “هآرتس” إنه نفسه غادر غزة وتوجه نحو الجنوب إلى رفح، كما طلب الجيش الإسرائيلي من سكان شمال القطاع. وأضاف أن بعض الباحثين في المنظمة فقدوا بعض أبناء عائلاتهم أو فقدوا بيوتهم بسبب القصف. النتيجة هي صعوبة كبيرة في عمل هذه المنظمات. زقوت شرح بأن “حجم الحدث كبير، وهو أكبر من أي منظمة من حيث القوة البشرية التي يمتلكها الآن في القطاع”. الحل لهذه الصعوبة كما يرى، هو وجود المنظمات والمراقبين الدوليين الذين سيوثقون الأضرار.
حسب أقوال زقوت، فإن نقص الوقود في القطاع وصعوبة توفير الكهرباء يضران بقدرة الجمهور في غزة على توثيق ما يحدث. جزء من السكان ينجح في شحن الهواتف بالقليل من الكهرباء المتوفرة لديهم. ويمكنهم الصراخ والتحدث عن أوضاعهم عبر الشبكات الاجتماعية. ولكن الفصل الرقمي لهم على يد إسرائيل يمنعهم حتى من فعل ذلك.
المدير العام منظمة لحقوق الإنسان “الحق”، شعوان جبارين، أوضح بأن عمل هذه المنظمة الآن محدود بشكل خاص من حيث القوة البشرية والتقنية. “لا كهرباء في غزة لشحن الهواتف، لا إنترنت بشكل منظم، ولا مكان آمناً يمكن لمراقبي المنظمة أن يذهبوا إليه عندما يخرجون إلى الميدان”، قال. وأضاف إن الكثيرين في غزة يوثقون أضرار القصف، حيث لا حاجة كي تقوم منظمتي بذلك. ولكنه أوضح بأنه له مهمة أخرى. حسب قوله، هذا العمل هو “عمل ميداني أساسي لتسجيل وبلورة ملف حرب. ولتقديم تقرير للعالم”. وأكد: “في الوقت الحالي، لا يوجد مثل هذا العمل في القطاع”.
مشكلات الاتصال تضر بأعضاء جمعية “غيشاه” للعمل مع باحثهم في غزة. “في كل صباح، نأمل سماع إشارة حياة من باحثنا ومعرفة أنه هو وأبناء عائلته ما زالوا على قيد الحياة، وأنهم اجتازوا ليلة قصف أخرى”. قالوا في “غيشاه”. “القليل الذي نسمعه منه عندما ينجح في الاتصال معنا، يكون مليئاً بالقلق والمعاناة والألم على فقدان الأعزاء، والمشاهد الصعبة التي تحيط بهم والخوف من الموت والطلب منا بنقل ما يحدث هناك”.
وقالت “غيشاه” إن المعلومات التي تنجح في الوصول من منظمات المساعدة الدولية تدل على تدهور سريع في الوضع الإنساني. وقالوا أيضاً إن عدم الربط بالكهرباء والاتصالات يضر بالمعلومات، وإن إسرائيل تفعل ذلك من أجل السيطرة على الوعي. “تحاول إسرائيل تشكيل الوعي أيضاً عبر تشويه المصادر التي توفرها وعن طريق نشر المعلومات الكاذبة”، قالوا في “غيشاه”. مثال على ذلك، كما أشارت المنظمة، هو إدخال الوقود إلى القطاع. “في الأسبوع الماضي، رداً على تحذير الأونروا بأن نقص الوقود يعرض استمرار العمل للخطر، عرض الجيش الإسرائيلي صوراً جوية لمخزونات وقود، مدعياً بأنها تحتوي على 500 ألف لتر من الوقود التي تسيطر عليها حماس. وحتى لو صح هذا فالأمر لا يتعلق إلا بـ 2 في المئة من الوقود الذي كان يدخل إلى غزة قبل 7 تشرين الأول”.
قضية المعلومات التي تأتي من غزة وموثوقيتها هي إحدى القضايا الهامة جداً في الحرب، وقد جرى حولها جدل كبير في إسرائيل والساحة الدولية. مثلاً، تشكك إسرائيل في عدد القتلى والجرحى الذي ينشرونه في غزة، وفي وحجم التدمير والتخريب للبنى التحتية. وتقول إسرائيل بإن جميع المؤسسات في غزة تحت سيطرة حماس الحصرية، وإنه لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأن لحماس مصلحة في تضخيم المس بالمدنيين.
أحد الأمثلة البارزة هو الخلاف حول قصف المستشفى الأهلي في غزة. نشر القطاع عن 500 قتيل في الانفجار. في حين أن إسرائيل ووسائل إعلام دولية قالوا إن عدد المصابين أقل بكثير. النشطاء المخضرمون في غزة يوافقون على الأعداد التي نشرتها السلطات في القطاع، والتقارير التي نشرتها المنظمات في السابق أظهرت أن المعلومات التي جمعتها كانت تشبه الأعداد التي نشرتها السلطات، وشملت فجوة صغيرة فقط.
جبارين وزقوت، وهما غير محسوبين على حماس، يرفضان الانتقادات الموجهة لوزارة الصحة في غزة. يعتقد زقوت أن من يشكك في عدد القتلى يتبنى رواية إسرائيل، وهو بذلك يعطي “المزيد من الشرعية لقصف غزة”، قال زقوت. “كل من يفحص حجم القصف وقوة النار يعرف أن هذا تدمير، لا وصف آخر له، وحتى إن الأعداد لا تلعب أي دور هنا. يدفنون الناس دون إحصاء”.
جاكي خوري
هآرتس 3/11/2023