منظمات المجتمع المدني نعمة للبعض ونقمة للبعض الآخر

فؤاد الصباغ
حجم الخط
0

إن المجتمعات على الرغم من اختلاف عرقها وأديانها وتطور العلاقات بينها عبر استخدامات أحدث التكنولوجيات للتواصل بينها وتسارع اندماجها في صلب العولمة الشاملة والكاملة، إلا أنها تبقى ناقصة لحوار الحضارات وتبادل الأفكار والتواصل المباشر والإنجازات للصالح العام والنشاطات الفعلية والملموسة ذات التأثيرات الإيجابية على الجميع. فلتعريف المجتمع المدني يجب أن نحدد مفاهيمه ودوره، فهو يمثل تلك النخبة من المفكرين والمثقفين في الدولة والتي تجتمع لتكون مجالس خاصة بها تنشط في مجال معين بها لتشكل بذلك نواة قوة يكون لها دور تأسيسي وتشاركي مباشر. إذ لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال أن ننكر دور تلك المنظمات غير الحكومية التي تنشط في صلب تلك المجتمعات بحيث أضحت مؤخرا تلعب دورا قياديا وأصبح صوتها مسموعا عند الحكومات أو لدى المنظمات الدولية على غرار منظمة الأمم المتحدة. فتلك المنظمات أصبحت تتمع بالاستقلالية المركزية الكلية وبعضها الحاملة لصفة المجلس الاستشاري أضحت تتمتع أيضا بالحصانات الدبلوماسية الدولية والموازية في نشاطاتها للهياكل الحكومية مثل السفارات أو العلاقات بين الدول ورجال المال والأعمال. فنشاط المجتمع المدني في جوهره لا يقتصر فقط على الدبلوماسية بل يتجاوزها ليشمل شتى المجالات والاختصاصات ليكون جدارا صلبا ضد الانتهاكات وتجاوز الخطوط الحمراء مثل حقوق الإنسان والتعذيب أو الفساد المالي والرشوة أو أيضا نشاط حماية البيئة والمحيط والاعتناء بالفقراء والمساكين. ففي هذا السياق أصبحت للمنظمات غير الحكومية مكانة مرموقة بين الأمم وحاملة لرسالة إنسانية تساهم مباشرة في تنمية القدرات البشرية وتستقطب الكفاءات الفاعلة والشخصيات المهمة في المجتمع وبالنتيجة تخلق فضاء متماسك الأبعاد والأهداف وقادرة بدورها على طرح أفكار مهمة قادرة على البناء والتأسيس أو التطوير والتجديد. فنشاط المجتمع المدني يكون أكثر قوة إذا تضافرت الجهود والتحمت الشعوب داخليا وخارجيا والمساهمة الجدية بطرح مبادرات ذات قيمة فاعلة وجودة عالية، إما عن طريق تقديم المحاضرات في شتى الاختصاصات أو تقديم مقترحات إلى حكومات دولهم أو أيضا السعي إلى تنمية الجانب التطوعي خدمة للجميع وذلك بالتأثير المباشر على المجتمع ككل وليس فقط خدمة لأغراض شخصية وأنانية مالية. فحب الذات لا يبني الأوطان ولا يخلق الإنسان الصالح، بل يشرذم صلة التواصل والعمل الجماعي، مما يولد بالنتيجة الكره والنقمة بين الأفراد وبالتالي يتسبب في نتائج سلبية ووخيمة على الجميع. فعلى الرغم من تنمية الوعي لخدمة الصالح العام وتغليب منطق الحوار والحكمة والدفع إلى الأمام كمجموعة، إلا أن البعض اختار طريقا آخر بعيدا عن دائرة المشاركة والمساهمة لتطوير مجتمعه وتحسين علاقاته وتحقيق أهدافه. فنشاط المجتمع المدني يعتبر نعمة للبعض نظرا لما يوفره من خدمات تطوعية ذات تأثير إيجابي مثل الأعمال الخيرية، ونقمة عند البعض الآخر وذلك لتسببه في الحد من بعض الأنشطة مثل تلك التي تعتبر ملوثة للبيئة أو المفسدة للمجتمع. فاليوم أصبحت منظمة الأمم المتحدة تراهن أكثر فأكثر على دور تلك المنظمات غير الحكومية بأوطانهم قصد تحفيز التنمية المستدامة بحيث وضعت أجندات بعيدة الأمد إلى غاية موفى سنة 2030 وذلك من أجل تحقيق الأهداف المنشودة. إذ في هذا السياق ركزت أغلب تلك المنظمات نشاطاتها على التنمية والسلام من أجل تحقيق التنمية الشاملة من خلال تطوير الموارد البشرية بالمجتمعات، الحد من التلوث البيئي وتكثيف الملتقيات الثقافية والعلمية أو المساهمة في إرساء السلم الاجتماعي والاقتصادي وزرع ثقافة الإنسانية في تلك المجتمعات من خلال التشجيع على الأعمال الخيرية كجمع الكتب المدرسية والثياب المستعملة وإعادة توزيعها أو جمع الصدقة والزكاة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين وذوي الاحياجات الخاصة. إجمالا يتمحور دور تلك المنظمات غير الحكومية اليوم في صلب نشاطات المجتمع المدني في أغلب دول العالم في استقطاب أكبر عدد ممكن من الأشخاص في مجال العمل التطوعي والجمعياتي المجاني وهو ما يولد وينمي فكر العمل الإنساني والخيري. إذ تضاعفت مؤخرا عدد الجمعيات التي تعنى بحقوق الطفل في الحياة وخاصة منهم الأيتام والمساكين الفقراء والمحرومين، وبروز ظاهرة تشغيل العاطلين وخلق روح الابتكار لديهم وإنجاز المشاريع وجمع التبرعات المالية اللازمة لهم، مبادرة حماية الأرامل والمطلقات وخاصة الدفاع عن حقوقهن، إعانة المعاقين وتوفير مستلزمات الحياة لهم ومساعدة أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة. أما الأهم في تلك الأنشطة فنذكر العمل الدبلوماسي الدولي التطوعي في مجال التنمية المستدامة والدفاع عن حقوق الإنسان حتى يتحقق السلم الشامل والكامل في جميع دول العالم وهو يعتبر النشاط الأكثر تأثيرا في المجتمع لأنه يكون بعلاقة مباشرة مع هياكل الدولة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية