منظمة العمل الدولية: إسرائيل تجوّع مئات آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية

حجم الخط
0

أساف ش. بوندي

ثمة نقاش دائر في إسرائيل الآن حول الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر. نقاش هو في المرحلة الأولى من الطريق لوقفها. ورغم ذلك، ثمة تجاهل مطلق لجريمة موازية، تهتم بها إسرائيل أمام هيئة قضائية أخرى، وهي حرمان مئات آلاف العمال الفلسطينيين من العمل والأجور، وعملياً، العيش بكرامة.

منظمات عمال دولية قدمت مؤخراً لمنظمة العمل الدولية (آي.ال.أو) التابعة للأمم المتحدة، شكوى ضد إسرائيل. تدعي فيها بأن حكومة إسرائيل تعمل منذ 7 أكتوبر على منع ملايين الفلسطينيين من العمل وكسب الرزق والعيش بكرامة.

في إطار نقاش يجري في هيئة قضائية خاصة تشكلت لهذا الغرض، سيبحث في خرق إسرائيل لمواثيق دولية وقعت عليها، على رأسها ميثاق ضمان الحق في الحصول على الأجر الأساسي (العمل). هذه المنظمات تدعي أن العمال الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحصار منذ 7 تشرين الأول 2023، ما زالوا مشغلين بالفعل وهم يستحقون أجورهم، ويحق لهم الذهاب إلى أماكن عملهم. ورغم أنه لا صلاحية لمنظمة العمل الدولية لفرض عقوبات مادية، فإن الجلسة المتوقع عقدها تدل على حجم الكارثة، وقد تؤثر على مكانة إسرائيل في العالم المتقدم، وفي الوقت نفسه، ثمة صمت مدو في إسرائيل.

مسؤولية إسرائيل عن إعالة الفلسطينيين تنبع من سيطرتها العسكرية على الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد رسخت سياسة الحكومة لعشرات السنين اعتماد الفلسطينيين على سوق العمل في إسرائيل، بالتوازي مع منع متعمد وممنهج لتطور الاقتصاد الفلسطيني. ومن الوسائل الوحشية المتبعة، تقييد حركة البضائع والأشخاص، ومنع أي تطور إقليمي صناعي، وهو ما حول العمل في إسرائيل إلى البديل الأكثر فائدة والمفضل لكثيرين.

منع دخول الفلسطينيين إلى أماكن عملهم في إسرائيل، التي أقيلوا منها، والتي يعتمدون عليها في كسب الرزق، هو خرق للمواثيق الدولية، وعلى رأسها ميثاق توفير الحماية للأجور من العام 1949. هذا خرق خطير خصوصاً مع وقته الطويل.

خطيرة هي الحقائق التي تشكل أساس الإجراء القضائي؛ فمنذ 7 أكتوبر وحكومة إسرائيل تمنع دخول أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون فيها عشية الحرب. وبهذا، تلقي مئات آلاف العمال العاطلين عن العمل وعائلاتهم إلى الفقر والضائقة. هؤلاء كانوا العمال الأكثر اجرة في مناطق السلطة الفلسطينية، الذين لم تعل أجورهم عائلاتهم فقط، بل كانت محركاً رئيسياً للاقتصاد الفلسطيني، وحتى أن الحكومة تتفاخر بهذه السياسة وتتعهد علناً باستمرارها. إزاء صدمة الموت والجوع والفقر في غزة، تصبح هذه الحقائق القاسية باهتة. ولكن الدمج بين “الصور” يكشف السياسة التي تخلق الجوع في غزة، بل عملياً تجوّع الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً.

هذه سياسة لا منطق أمنياً أو اقتصادياً لها. قال جهاز الأمن في الفترة التي أعقبت 7 أكتوبر، إنه يجب السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول للعمل في إسرائيل لتخفيف الأزمة في “المناطق” [الضفة الغربية] ومنع الغليان الاجتماعي النابع منها. والمشغلون أيضاً هم بحاجة إلى العمال في فروع البناء والصناعة والتمريض والسياحة. أما محاولة الحكومة لتجنيد مهاجري عمل كبديل فقد فشلت. يبدو أن دعوات المشغلين لإعادة العمال الفلسطينيين هي جبهة أخرى فشلت فيها الحكومة، والنصر المطلق الوحيد الذي يلوح في الأفق هو النصر على الاقتصاد الإسرائيلي نفسه.

يصعب اتهام حكومة إسرائيل بعدم المنطق لفترة طويلة. ولكن ربما لقادة هذه العملية في الحكومة منطق آخر، ليس أمنياً أو اقتصادياً، ربما المنطق الذي يوجههم هو الرغبة في توسيع الاستيطان اليهودي، مع قمع الفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً. لذلك، تعمل الحكومة ضد التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، في حين أنها تمنع دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، لكنها تسمح بتشغيلهم في المستوطنات. هذه السياسة تكشف الوجه الحقيقي للحكومة. لا تتعلق المسألة بأمن أو اقتصاد، بل بأيديولوجيا الطرد والتدمير.

الإجراء القانوني الذي يجري في منظمة العمل الدولية لا يكشف الضرر الاقتصادي الكبير فحسب، بل الجريمة الأخلاقية التي تتناقض وقيم الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وتتناقض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها إسرائيل، المواثيق التي تغذي قوانين العمل الأساسية وقانون العمل في إسرائيل.

لقد حان الوقت لاستيقاظ المجتمع في إسرائيل والعمل على تغيير هذه السياسة المدمرة. فاستمرارها لا يضر فقط باقتصاد إسرائيل ويعمق الأزمة الاقتصادية في “المناطق”، بل يسيء أيضاً لمكانة إسرائيل الأخلاقية في العالم، ويناقض القيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الإسرائيلي نفسه.

 هآرتس 15/12/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية