منظومة «وادي عربة» آيلة للسقوط وقد ينعاها «الضم»… والأردن حائر في منطقة «الخيار صفر»

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان- «القدس العربي» : يلهب رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز مجدداً السؤال عن التصعيد المتوقع وهو يقرر البقاء في الخط الذي يتحدث عن رفض الحلول الأحادية من جانب إسرائيل والتغييرات التي ستحصل على العلاقة معها إذا قررت فعلاً تنفيذ مشروع ضم الضفة الغربية والأغوار.
في العادة، لا يتحدث الرزاز في الملفات السياسية العابرة للحكومة ويقف عند حدود مواجهة تداعيات معركة كورونا. لكن هذه المرة قرر رئيس الوزراء الإدلاء بدلوه عندما سألته وكالة الأنباء الحكومية «بترا» عن موقف المملكة وتلويح الملك بالتصعيد. وما يمكن فهمه تماماً من كلام الرزاز أن الحكومة الأردنية لديها سيناريو لـ»تجميد أو إعادة النظر» في العلاقة مع إسرائيل إذا ما تم تنفيذ سيناريو الضم الذي ينظر له في عمان بمثابة إعتداء صارخ على المصالح العليا للمملكة.

اتصالات هاتفية مع أمير قطر والسيسي بعد تعليقات الرزاز

قبل ذلك، اعتبر الملك عبد الله الثاني أن الضم سيؤدي إلى «صراع كبير مع الأردن». وانشغل الجميع بمحاولة تفسير مفردة صراع وما يمكنها أن تحتوي عليه. وبدا واضحاً أن الحكومة حاولت مرتين، فقد سبق للناطق الرسمي أمجد عضايلة أن إشار إلى إجراءات ستتخذ ولم تحدد بعد. واليوم، يؤشر الرزاز على الإجراءات نفسها بالقول إن العلاقات الأردنية الإسرائيلية لن تعود كما كانت.
على جبهة الحكومة، يبدو واضحاً عدم وجود «ضوء أخضر» من المستوى المرجعي يحدد ويرسم شكل وهوية «رد الفعل» في حالة إعلان الضم فعلياً والسعي لإحراج المملكة. السلطة الفلسطينية أعلنت وقف كل الاتفاقيات مع إسرائيل، والمشهد – أردنياً على الأقل – يحتاج إلى أقصى طاقات التشاور مع بعض الزعماء العرب. وعليه، حرص الملك الأردني على اتصالات هاتفية بمناسبة العيد مع عدة زعماء عرب، من بينهم أمير دولة قطر التي تصاعدت وتيرة الاتصال معها خلال أزمة كورونا، وكذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وخلف الستارة والكواليس، انشغل مسؤولون كثر في الأردن بأهمية شرح دلالات كلمة «الصراع» التي نطق بها الملك وهو يعلق على مسار القرار الإسرائيلي الأحادي. و»القدس العربي» استمعت لشروحات حكومية في السياق توحي بأن «التصعيد العسكري» مع إسرائيل إذا ما نفذت قرار الضم ليس هو المقصود، إلا في حالة «الاعتداء الجغرافي» على حدود المملكة أو «تحريك أي سكان نحو شرق الأردن».
الأخطر بالنسبة لدوائر عمان أن قرار الضم على طريقة الليكود الإسرائيلي «محرج للغاية»، ويقوض المؤسسات الفلسطينية تماماً، وينهي كل الذرائع لصالح اتفاقية وادي عربة في عمق المجتمع الأردني.
في حسابات العقل السياسي الأردني، ثمة كلام بالعمق عن طبيعة الشرائح الاجتماعية التي تأثرت سلباً بالكلف الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا، التي يعتقد بأن عدم قبول المنطق الإسرائيلي والتصعيد في وجه مشروع الضم من مسوغات مخاطبتها محلياً.
بمعنى آخر، البقاء في حال مشروع الضم ضمن إيقاع الموقف والمزاج الشعبي الأردني المحلي خطوة قد تكون في الاتجاه الاستراتيجي الأصح مرحلياً ما دامت إسرائيل تتلاعب بالجميع وتحاول – كما قال الرزاز علناً – «الاستغلال» في ظروف فيروس كورونا.
وهي تفعل في كل حال.. كما يرجح السياسي طاهر المصري، طارحاً مجدداً السؤال القديم: ماذا نحن، العرب، فاعلون؟ فمع تسارع وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول في منظومة الخليجي والأجواء التي نتجت عن قصة الطائرة الإماراتية في مطار اللد، خلافاً للخبرات والبوصلتين الأردنية والفلسطينية، يمكن القول بأن الأردن بدأ يرى في التطبيع الخليجي نمطاً ضاغطاً عليه لقبول «الواقع الجديد». ورفض واقع الضم والسماح بتأثيراته العميقة على بنية نظام التواصل مع إسرائيل شيء، والتصعيد للتحدي شيء آخر… تلك قناعة مستقرة في عمق المؤسسات الأردنية اليوم وهي تستعرض الأوراق الرابحة وتحاول بناء استراتيجية تصعيدية محصورة التأثير تؤجل على الأقل مشروع الضم أو تحوله إلى مشروع جديد غير شرعي على مستوى المجتمع الدولي إذا ما نفذ فعلاً.
عملياً، كل ما يستطيع الأردن فعله في حالة إنفاذ الضم هو حماية جبهته الداخلية أولاً، واحترام أولويات ومزاج مكوناته الاجتماعية والعودة للمنطقة «صفر» في تجميد الاتصالات التنسيقية مع الإسرائيليين، وكذلك خطوات دبلوماسية تخفف قسراً كل أوزان الضم والعلاقة وحتى اتفاقية وادي عربة.
ما يخيف الأمريكيين أن يتأثر التنسيق الأمني بخيار المنطقة «صفر» مع بقاء تبادل الرسائل متاحاً بين عدة مجموعات خلف الستارة، الأمر الذي يبرر رسائل نشطت واشنطن في إرسالها، كما يبرر التصريحات الأخيرة للناطق باسم الخارجية الأمريكية والتي يتأمل فيها تفعيل الاتصال الأردني الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً كما هو أمنياً. لكن حماية المصالح الوطنية الأردنية هي مبرر التنسيق الأمني طوال الوقت، والأمور «قد تتغير» فعلاً إذا ما قرر الإسرائيليون، بالضم وما بعده، أن اتفاقية وادي عربة «غير مهمة» ويمكن «الاستغناء عنها»، أو لا حاجة لهم بها بعدما ناكفهم الملك عبد الله الثاني بصلابة في ملتقى القدس وعودة الباقورة.
أي «صراع» أردني مع إسرائيل لن يكون صداماً أو عسكرياً، وهو أقرب إلى منسوب «تعاكس شديد» في الاتجاهات وانهيار منظومة وادي عربة إذا لم يستدرك الجميع، لأن المسافة قصيرة جداً بالتوازي بين عمان وأي «تحويلة» ممكنة مع دول في الإقليم بدأ يختطفها العملاق الصيني واحدة تلو الأخرى، ويمكن أن يخاطبها محور «الممانعة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية