الأخبار السارة قليلة هذه الأيام!
وهذا خبر سار أسعدني، وأعتقد أنه سيسعد الكثيرين.. فقد اختارت دار نشر بريطانية رواية صديقي الكاتب الصحافي والروائي منير مطاوع لترجمتها للإنكليزية ونشرتها في كتاب أنيق يحمل عنوان «الطير المعلق» THE HANGING BIRD.
هي الرواية الخامسة له. لمنير من قبل روايات هي «سبع جنات» و«أنا لست هاني الحلواني» و«سابع سماء» و«لا يمكن لهذا أن يحدث».
الخبر يبعث على السعادة لأنه ينطوي على دلالة واضحة تعني من ناحية، أن الأدب الجديد في مصر، قادر على اقتحام عالم اللغة الإنكليزية أوسع لغات العالم انتشارا بصرف النظر ما إذا كانت الرواية قد فازت بجائزة من قبل يمكن أن تدعم دور النشر الأجنبية بحق المترجم أم لا. حياة المجتمع المصري التي ترصدها رواياتنا، إلى جانب كونها متاحة لاطلاع قراء هذه اللغة في مختلف أنحاء العالم، تقدم صورة للمجتمع المصري، بعيدا عما تقدمه السياسة المباشرة للدول من أوهام يتصور القائمون عليها أنها حقائق سيقتنع بها العالم. بينما الأدب هو الذي يقدم الحالة الحقيقية للبلاد والناس وروح المكان والزمان، ولهذا كثيرا ما طالبت وزارة الثقافة المصرية أن تخصص مبلغا سنويا لدعم ترجمة روايات وأشعار وكتب المفكرين المصريين، لكن للأسف لا أحد يسمع.
الرواية الأخيرة لمنير إلى جانب نشرها في كتاب، متوفرة على موقع «أمازون» ككتاب إلكتروني، ويمكن تنزيلها على الكومبيوتر، كما يمكن الحصول على النسخة الورقية من الموقع أيضا، من أي مكان في العالم. هل سيتحقق حلم راودنا طويلا كأدباء، هو أن نعيش من الدخل الذي تحققه رواياتنا.. حلم لم يتحقق، إلا لحالة أو اثنتين نتمنى لروايات منير بالإنكليزية أن تحققه.
منير مطاوع حكاية عمر نسردها ولو بسرعة، تجمعني به رابطة مودة عمرها أكثر من نصف قرن، فهو شهد محاولتي الأولى في كتابة الرواية في السبعينيات من القرن الماضي، وأنا التقيته وعروسه زهرة في الإسكندرية خلال احتفالهما بشهر العسل.
كان في السبعينيات يشترك معنا، خلال عملي في الثقافة الجماهيرية، في زيارات أسبوعية لمدن وقرى ونجوع مصر لمتابعة ورعاية النشاطات الثقافية والفنية في الأقاليم، ضمن مشروع تحضره مجموعة من النقاد والصحافيين، ومعنا رئيس هيئة الثقافة الجماهيرية الكاتب القدير سعد الدين وهبة، لكنه في نهاية عام 1980 فاجأنا بقراره بالهجرة إلى بريطانيا. منير الذي كان الفدائيون في السويس قد ضموه إليهم ليلقي بقنابل المولوتوف على معسكرات الإنكليز، والذي كان يقوم بتوزيع منشورات المقاومة الشعبية للعدوان الثلاثي بقيادة بريطانيا على مصر، كان في طبيعة الحال يكره الإنكليز، فكيف له أن يختار بلادهم منفى أو مهجرا؟ لم يكن الأمر في يده تماما، فهو وقتها كان يتولى مركزا قياديا في مجلة «صباح الخير» التي التحق بها في عام 1964 مع دخوله كلية الفنون الجميلة وانضمامه إلى ندوة نجيب محفوظ كل جمعة في «ريش».. وصدرت أوامر لجنة السادات النازية بعزل مدير تحرير المجلة، ثم تلاها عزل الكاتب علاء الديب، فاستشعر منير مطاوع أن دوره آت لا محالة. أنقذته الصدفة حيث حصلت زوجته على منحة لدراسة نظريات الموسيقى الكلاسيكية في الأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن لمدة خمس سنوات.
كان سفر الصحافيين للخارج تحت مراقبة نظام السادات بعد أن خرج بعضهم إلى لندن وباريس وفضحوا ديكتاتوريته واستسلامه لأمريكا وإسرائيل. فكيف لمنير أن يغادر إلى لندن؟! سافر مع زوجته كمرافق لها في بعثتها وتمكن بذلك من تفادي ضربات السادات المفاجئة، حيث كان قد قام بأعمال مدير التحرير المعزول، وتوقع أن يأتي الدور عليه. في لندن شارك في النشاط الواسع للصحافة العربية، وقد أصبحت لندن عاصمة للصحافة المهاجرة من لبنان بعد الحرب الأهلية، وأيضا للصحافة المنفية اختياريا من بلدان عربية أخرى. كانت تصدر في لندن سبع صحف عربية يومية وقتها، عدا المجلات، وكانت هناك في وقت واحد ثلاث دور نشر عربية كبيرة «الشروق» و«الساقي» ودار رياض نجيب الريس.. واصل منير الكتابة في «صباح الخير» من لندن، وحتى الآن، بدعوة من رؤوف توفيق، الذي كان السادات قد عزله لكنه بعد وفاة السادات أصبح رئيسا للتحرير.
بسبب صداقة قديمة وافقت الفنانة سعاد حسني، على أن يجري معها منير مطاوع حديثا طويلا. كانت قد حضرت إلى لندن لتلقي العلاج من آلام في العمود الفقري بعد سقوطها وهي تؤدي مشهدا خطيرا كلاعبة أكروبات، صممت أن تقوم به دون الاستعانة بـ«دوبليرة» في فيلم «المتوحشة».
بسبب صداقة قديمة وافقت الفنانة سعاد حسني، على أن يجري معها منير مطاوع حديثا طويلا. كانت قد حضرت إلى لندن لتلقي العلاج من آلام في العمود الفقري بعد سقوطها وهي تؤدي مشهدا خطيرا كلاعبة أكروبات، صممت أن تقوم به دون الاستعانة بـ«دوبليرة» في فيلم «المتوحشة». ماتت سعاد بسقوطها من شرفة شقة في الطابق السادس، من برج «ستيوارت تاور» في لندن عام 2001، وهي الحادثة التي لم يقتنع أحد بأنها انتحار، كما شاع، وأن ما حدث جريمة قتل، فقد شهد هذا البرج موت اللواء الليثي ناصف من قبل بسقوطه من الطابق الحادي عشر عام 1973.
كانت وفاة سعاد حسني مؤثرة فينا جميعا، وتبادل منير ورؤوف توفيق البكاء على التليفون، قبل أن يتفقا على نشر حلقات الحديث الذي دام حوالي خمس سنوات. بنشر الحلقات التي تتكلم فيها الراحلة الجميلة برقة وصراحة وتلقائية، وتكشف الكثير مما لا يعرفه أحد، ارتفع توزيع «صباح الخير» لأقصى ما يمكن، نظرا للإقبال الذي لا مثيل له. طلب القراء ممن لم يتمكنوا من الحصول على بعض الأعداد أن ينشر الحديث في كتاب. حقق الكتاب سبع طبعات، وحقق لمنير شهرة لا يحبها، فكان يعتذر عن تسجيلات وأحاديث وترك الموبايل في البيت لفترة. لماذا لا يحب صديقي منير الشهرة الزائدة مع أنه يعمل في مركز مهم للشهرة هو الصحافة؟
لديه تفسير خاص به، يقول لي إن صداقاته ومعايشته لكثير من نجوم الأدب والفن والمسرح والسينما، كشفت له عن مدى المعاناة التي يعيشها هؤلاء المشاهير، وكيف يحاولون التخفي حتى لا يتعرضوا لمتاعب هذه الشهرة. كانت تجمعه صداقة مع نادية لطفي وسعاد حسني ومحمود ياسين وغيرهم من الفنانين، ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهم من الأدباء. وبالمناسبة يفخر منير مطاوع بأن له دورا في إعادة أسماء وصور توفيق الحكيم ومحفوظ للنشر بعد صدور قرار ساداتي بمنع نشرها حتى في صفحة الوفيات! كان ذلك عندما أعدا ووقعا عريضة تطالب السادات في سنة 1972 بالحرب لاستعادة سيناء، في البيان الشهير ببيان توفيق الحكيم، وكانت سنوات حراك عظيمة شملت مصر كلها. في ذلك الوقت أجرى منير حديثا وتحقيقا صحافيا خفيفا بالصور- «صباح الخير» لم تكن تنشر الصور وقتها وتعتمد على الرسم والكاريكاتير- مع الحكيم ومحفوظ، وبالتفاهم مع الرقيب – كانت الصحافة وقتها تحت الرقابة المباشرة – تم تسريب التحقيق المصور وبعدها عاد نشر إسمّي هذين الهرمين في كل الصحف.
فاجأنا صديقي منير مطاوع في اتجاهه متأخرا إلى عالم الرواية، في سن الرابعة والستين! تصوّرت أنه سيكتب صحافة، لكنني قرأت أول رواية له نشرت مسلسلة في «صباح الخير» ثم نشرتها دار الهلال ضمن سلسلة رواياتها، فإذا بي أمام كاتب روائي جديد ومتميز ومتمكن، ليس هذا فقط، بل إن الرواية واسمها «سبع جنات» وكتبها سنة 2010 حملت نبوءة ثورة يناير/كانون الثاني، ففيها إشارة لانتفاضة أو ثورة.. تحققت في العام التالي 2011! كذلك قرأت له رواية «أنا لست هاني الحلواني» فتحقق لي أنه لم يدخل هذا المجال لإغرائه، كما يحدث الآن للمئات، لكن لأنه مبدع حقيقي وإن شغلته الصحافة، ولم يوائم بينها وبين الإبداع الأدبي مبكرا مثل إحسان عبد القدوس، أو فتحي غانم، أو صبري موسى وغيرهم من كتاب «صباح الخير» و«روزا اليوسف» الذين أضاءوا حياتنا.
الآن نعود إلى الخبر السار والرواية التي ترجمت للإنكليزية قبل نشرها بالعربية «الطير المعلق» والحقيقة أنني لم أقرؤها بعد، وما تجمّع لدي من معلومات حولها هو أنها تتناول دراما حياة فتاة مصرية اسمها أمل، قرر والداها أن يسجلوها رسميا ويعاملوها كولد، ونعيش مع الرواية تفاصيل هذه المأساة.
٭ روائي مصري