من أجل مصر.. طأطئوا رؤوسكم

حجم الخط
0

زعزعت سنة واحدة من حكم الإخوان المسلمين في مصر من مصداقيتهم ومن التسليم في قدرتهم على إدارة المرحلة القاسية التي تبعت إسقاط نظام مبارك، وقادت إلى الاعتقاد بأنهم يعانون فعلاً من قصور في رسم رؤاهم السياسة وفي وضع مشروع نهضوي ينقل مصر إلى ضفّة الأمان على أقل تقدير، ولا أحد يطلب أن تصبح مصر سويسرا ولا القاهرة كوبنهاغن بين ليلة وضحاها.
من المهمّ القول أنّه حتى الأطراف التي طالما عارضت وصول تيار الإخوان المسلمين للحكم في دول الربيع العربي لم تتوقع أنَّ عقودا طويلة من النضال والعمل السياسي للإخوان المسلمين سينتج عنه طبقة حاكمة تفتقر لأي أجندة أو استراتيجية للحكم، وذلك سواءً بما يتعلق بالسياسة الداخلية أو بالأزمة الاقتصادية أو حتى في إدارة المؤسسات، كما أنّهم وطوال السنة الماضية لم يقدّموا خريطة واضحة لتحالفاتهم الخارجية فتارةً هم يلتزمون باتفاقية مصر مع إسرائيل وتارةً يصف الرئيس محمد مرسي اليهود بأحفاد القردة والخنازير، ثمّ يتم الإعلان عن تقارب إيراني-مصري وتبدو العلاقات في أوجها خلال مدة قياسيّة ومن ثمّ يخرج الرئيس المصري، وبعد إعلان الولايات المتحدة تسليح المعارضة السورية، قطع العلاقات مع دمشق ويعلن تأييده الواضح للثورة السورية بما يوحي بأنه غيّر مجرى سياساته تجاه إيران فور اتخاذ واشنطن لموقف جدّي حيال الأزمة في خشية واضحة من خسارة القبول الأمريكي النادر لوصول تيار إسلامي إلى السلطة.
من المستغرب أن يكون حكم الإخوان فقيراً بهذا الشكل فمن المعروف أنهم يمتلكون كوادر واسعة ومخضرمة في صفوفهم، من باحثين في الشأن السياسي والقانونيين والاقتصاديين والمثقفين، لكن يبدو أنّ كل ما يحمله هؤلاء من علوم وثقافة ومعرفة تآكل تحت وطأة تبنّي الأيديولوجيا الدينية وعجزوا عن تجاوز سطوة الشيوخ والانتقال لسطوة الدولة، فإذا نظرنا إلى المشروع الإخواني في فكر كوادر الإخوان وسياسييهم وحتى أتباع التيار نفسه عن الأجندة التي يمتلكونها على المدى البعيد سيكون من السهل التوصّل لحلم الدولة الإسلامية على المستوى الإقليمي أو حتى على مستوى العالم الإسلامي، فأجندة الحكم الإسلامي لا يمكن رسمها داخل الحدود الوطنية في ظلّ الفهم الحالي للإسلام السياسي، ولو أمكن ذلك لسلّمنا بالفعل بحصول تطوّر كبير في الفكر الإسلامي الشرق أوسطي، فهي تعني تجاوزاً لأفكار حُكم الفرض بأمر الشريعة وتجاوزاً للمعضلة الشائكة في الإيمان بالواجب الجهادي واعتبار مرحلة الفتوحات تاريخية مرتبطة بذاك الزمن وبشروطه واعتباراته التي لا يصحّ إسقاطها على المشروع الإسلامي القابل للتطبيق اليوم.
لكن بحكم رؤيتنا لماهية المشروع الإخواني الراهن نرى أن الإخوان لم يتجاوزوا هذه الأفكار، أو من الممكن أنهم لم يستطيعوا تجاوزها فباتوا كالهاربين من الماضي إلى زمن ليس بزمنهم، ويبدو أنهم بالفعل لا يمتلكون أدوات التعامل مع هذا الماضي بالليونة الكافية، فالمشكلة ليست بوجود الفكر الإخواني كتيار سياسي ديني في العالم العربي لأنه لن يكون من العدل حرمان المسلمين من ممارسة الحياة السياسية في بلادهم بينما يمتلك الغرب الكثير من الأحزاب السياسية التي ترتبط فلسفتها بالعقيدة المسيحية، ولكن تكمن مشكلة تيارات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط عموماً ومنها الإخوان المسلمين أنهم يعجزون عن إرفاق رؤيتهم بأي تحديث يجعلها قادرة على مواكبة حركة التاريخ والتركيبة الجديدة للدول والمجتمع السياسي ككل الأمر الذي يتسبب بلفظهم السريع من الحياة السياسية، فدول الربيع العربي تعاني أساساً من حالة عصابيّة تجاه أي ملمح لديكتاتوريات ليبرالية أو دينية جديدة، كما أنّ الحركات السياسية نفسها وبغضّ النظر عن كونها إسلامية أم غير إسلامية تعاني من شعور بجهل وعدائية مشبوهة تجاه بعضها البعض وذلك نتيجة لعقود طويلة من الغُربة السياسية وانعدام التثقيف السياسي تجاه الآخر المختلف، بالتالي فقد اختار الإخوان عقداً في غاية السوء لفرض أجندة غيميّة كهذه فالشعوب العربية ليست في مزاج يسمح بالانقياد الأعمى أو بالانكفاء على النفس.
وإذا أصرّت حركات الإسلام السياسي استغلال الثورات العربية للوصول إلى السلطة، ومن ثمّ حاولت القضاء على مكتسبات الشعوب لإجبارهم بأن يتوجهوا نحو الخلف وصولاً إلى الدولة الأموية أو العباسية، كما يتوهم بعضهم، فإنّ ذلك إما سيتسبب بانقراضهم التدريجي ولن توصف هذه المرحلة بالسّلميّة أو الفجائيّة أو السّهلة، وإما سيتسبب بتحولهم جميعاً لمنظمات قاعديّة عنفية نتيجةً لانسداد الأفق الذي سيعانون منه حتماً، فلا الدولة الأموية بانتظارهم عبر الزمن ولا هذه هي طريقة إحياء العصر الذهبي للمسلمين، فالغرب حين قرر التقدم لم يقُم بإعادة دورة الحروب الصليبية ولا هو أعاد الكلمة العليا للفاتيكان، لذا يبدو من السذاجة بمكان تفكير الكثير من المتحمسين لدى وصول الإخوان إلى السلطة بأنهم يستطيعون القيام بكل ما يريدون بطرفة عين وكأنّه عصر الأنبياء وليس عصر بنو البشر!
في الحقيقة من المهم أن يُعيد تيار الإخوان المسلمين في المنطقة النّظر في ممارسة أيديولوجيته من الناحية العمليّة، والتوقف عن محاولة استرضاء مؤيديه والاتجاه نحو قيادتهم وتثقيفهم بدلاً من خداعهم والخوف من خسارة شعبيته لصالح تيارات أكثر تشدداً، كما أنه من المهم إدراك أهمية امتلاك استراتيجيات سياسية واقتصادية قابلة للممارسة وللتحدّي وللخطأ وللصواب، وإن اختلفت معها كل التيارت السياسية المنافسة، ويجب عليه الاستعداد للقبول بحكم الشعب وبالديمقراطية، حيثُ وبحسب الاتجاه الذي يسير فيه الإخوان المسلمون اليوم فإنهم فيما لو فشلوا في تطوير ذواتهم سيأخذون المنطقة كلّها إلى مستنقع لامتناهي من الديكتاتوريات الجديدة والفوضى والخراب وبالتأكيد إلى المقاومة وبشكل أوضح ‘مقاومة أي أحد ليس مع الإخوان لأي أحد داعم للإخوان’. لذا علينا أن نتمنّى ألا يتخذ إخوان مصر وهم واجهة الفكر الإسلامي في المنطقة قراراً بتخريب مصر، وأن يتوقفوا لحظة فتأخذهم مشاعر الوطنية وحميّة التنازل لمصلحة الوطن، مهما خالف ذلك معتقداتهم، فيطأطؤوا رؤوسهم خشية دخوله في نفق لن يسمح بالتوصّل لمخرج سليم في أفضل السيناريوهات وأكثرها إشراقاً.

‘ باحثة مشاركة في مركز الشرق للدراسات

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية