من أجل منصة للجامعات العربية

حجم الخط
3

هل يمكن أن يتطور البحث الجامعي والأكاديمي العربي في غياب التواصل بين الباحثين وطلبة الدكتوراه العرب؟ أنى لهذا التواصل أن يتحقق في غياب معرفة بما ينتج من أبحاث ودراسات في الجامعات العربية؟ صار الفضاء الشبكي يتيح إمكانات مهمة للتواصل والتفاعل في مختلف المجالات والحقول المعرفية والثقافية؟ ما مدى استثمار العرب إمكاناتهم المهمة من أجل تحقيق وحدة عربية لما ينتج في فضاءاتهم الجامعية؟ ليس الهدف من هذه «الوحدة» تعويض غيابها على المستوى السياسي، ولكن فقط تحقيق معرفة بما يجري هنا وهناك على المستوى الأكاديمي، لسبب بسيط هو أن مواد الموضوعات المتناولة، سواء في القديم أو الحديث، مشتركة بين كل الباحثين العرب، ومعرفة المجهودات المبذولة يسهم في تطوير الحوار والنقاش، وبلورة رؤية خاصة لتجديد الأسئلة والتحفيز على الإبداع.
أليس بإمكان دولة عربية، أو جامعة عربية تتمتع بإمكانات مادية، وموارد بشرية ذات مستوى عال من تحقيق هذه الوحدة الأكاديمية؟ حين تتشكل هذه المنصة الموحدة، هل ستتأخر الجامعات والكليات العربية عن المساهمة فيها، بتقديم ما لديها من بيانات مهمة حول ما يتحقق في رحاب جامعاتها ومؤسساتها العلمية؟ كل هذه الأسئلة تفرض نفسها علينا، ونحن نستقبل العقد الثالث من الألفية الجديدة؟
إن أي باحث عربي يجد صعوبة كبيرة جدا في التعرف على ما ينجز في جامعة في القطر الذي ينتمي إليه، بله الاطلاع على ما يحدث في قطر عربي آخر، لكن هذا الباحث العربي لو رام البحث في موضوعات أجنبية سيجد أمامه مئات المواقع والمنصات القطرية، وذات البعد العالمي، التي تقدم له كل ما يحتاج إليه في أي موضوع من الموضوعات التي يشتغل بها، من رسائل الماجستير إلى الدكتوراه، مرورا بأشغال المؤتمرات والندوات، وبمختلف الوسائط السمعية والبصرية والنصية.
قد يعترض البعض بادعاء أن بعض الجامعات أو الكليات العربية لها منصات تقدم جديد ما يحدث أو ينشر فيها. هذا صحيح إلى حد ما، لكن ما يعتري بعض هذه المنصات من نقص، أو ضعف تقني أو اشتراط التسجيل للحصول على بعض الأطاريح أو الرسائل، أو عدم ترهينها باستمرار، يحول دون تحقيق المراد، علاوة على كون كليات أخرى تجد لها مواقع ولكن بدون فائدة تجنى من ورائها. إنها فقط واجهة لإعلان أنها موجودة. إن التباين بين الدول العربية على هذا المستوى لا يمكن أبدا من تحقيق تواصل علمي ومعرفي بين الباحثين العرب. إلى من يمكن تحميل مسؤولية هذا الغياب؟ هل إلى الإدارة؟ أم إلى الأساتذة أنفسهم؟ يتقاسم المسؤولية الطرفان وعلى المستوى نفسه.

تزايد الحديث عن الرقمنة، عربيا، ولكن بدون بذل أي جهد لجعلها واقعا حقيقيا. قدمت جائحة كورونا دروسا مهمة لمن ما يزال يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة لولوج العصر الرقمي، والتفكير في التعليم الرقمي بكيفية جديدة وجادة.

لقد كانت لقاءات الأساتذة في الشعب والأقسام، ومجالس الكلية والجامعة، وتنظيم الندوات، مناسبات لتداول الأساتذة في ما بينهم كل ما يتعلق بسير المؤسسة الجامعية. وتكون لهم المبادرة في المساهمة في التسيير والتدبير. أما اليوم فهم فقط أدوات لتنفيذ ما يملى عليهم، ولا سيما في بعض الجامعات. وحين يؤول الوضع إلى هذا الحد كيف يمكن لشعبة أن تفكر في أن يكون لها موقع في الفضاء الشبكي؟ أما الإدارة فحين يكون همها الأساس هو صرف الميزانية في تجهيز المكاتب، وتزيين الأرصفة، وصبغ الواجهات، أنى لها أن تفكر في جعل مكتبتها متجددة باستمرار، ومرقمة بشكل يتيح للطالب الاطلاع على ما فيها بدون تنقل، بل تعمل، إلى جانب ذلك، على إقامة شراكات مع جامعات عالمية لتمكن طلبتها وأساتذتها من الولوج إلى منصاتها التي تتطلب شروطا خاصة للاستفادة من خدماتها المختلفة (تحميل دراسات أو أعداد من مجلات مقابل ثمن).
يتزايد الحديث عن الرقمنة، عربيا، ولكن بدون بذل أي جهد لجعلها واقعا حقيقيا. قدمت جائحة كورونا دروسا مهمة لمن ما يزال يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة لولوج العصر الرقمي، والتفكير في التعليم الرقمي بكيفية جديدة وجادة. أين نحن مما يبذل عالميا على هذا الصعيد؟ كانت إدارة الكلية تطلب من الطالب نسخا مرقونة من أطروحته، وصارت اليوم تطالبه بنسخة إلكترونية على قرص مدمج، أين توضع هذه الأقراص؟ من يستفيد منها؟ وما هو مآلها؟ إذا لم يكن للكلية موقع متجدد تقدم فيه حصيلة ما يقدم فيها من تواريخ للمناقشات، وملخصات للرسائل، ولما لا تسجيل المناقشات وجعلها متاحة للجميع، أنى لها أن تكون في خدمة البحث والتواصل بين الباحثين؟ أتذكر أنه إلى أواخر الثمانينيات كانت مناقشات دبلوم الدراسات العليا والدكتوراه تسجل في أشرطة تقليدية. أين هي تلك الأشرطة؟ ألا يمكن الآن تحويلها إلكترونيا؟ لا معنى لهذا السؤال فالجامعة بلا ذاكرة. إنها بنت يومها. حتى الأطاريح والرسائل القديمة لم يبق لها وجود في مكتبة الكلية التي خلت حتى من المخطوطات التي كانت تزخر بها؟
إذا كانت جامعة الدول العربية غير قادرة على جمع العرب على كلمة واحدة، كيف يمكن للجامعات العربية أن تتوحد جهودها خدمة للبحث العلمي، وجعل التواصل بين الباحثين وطلاب المعرفة متاحا؟ إنها أسئلة المستقبل العربي الرقمي.

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ماغون:

    الجامعات لم تنل حظها من المال الذي استأثر به ما يسمى بالسياسي الذي استثمر أموالا خارج إطار الحكم إضافة إلى رفاه المكاتب الحكومية والسيارات الإدارية الفارهة وقصاصات البنزين والعاملات …. بحيث شهريار زمانه.
    في حين أن الطالب معطل عن البحث في كليات تكاد تكون من العصر الحجري بسبب الحجر المالي المضروب عليها حتى لا تواكب التطور على حساب بطون الساسة المنتفخة بأموال شعب تفشى فيه جهل كان قد رسخه من المبدإ عندهم؛ الساسة؛ لولا عماكم لما عشنا معكم.
    المستولون على الحكم بشتى الطرق شرعوا لأنفسهم ولم يشرعوا للعلم فكيف بالبحث العلمي؟

  2. يقول مصطفى:

    الاستاد يقطين من الثلة الأكاديمية التي تدعو الى التجديد والتطوير والابداع جزاه الله خيرا.

  3. يقول CID:

    الجامعات في بلدان ما يسمى بالعربية اقرب الى المسايد ” جمع مسيد=> كتاتيب قرانية” منها الى مفهوم الجامعات في بلدان الغرب وبعض بلدان اسيا.
    بالاضافة الى هذا فهي تابعة للسلطات الموكول لها حكم البلد . في بعض هذه الاقطار منعت لهذه الجامعات المسكينة من تدريس مادة الفلسفة، والمنطق. اما في ميدان التاريخ فالقبيلة والعشيرة الحاكمة هي مادة الدراسة وكان الكون بدأ معهما.

إشترك في قائمتنا البريدية