بينا في مقال الأسبوع الماضي، كيف أتيح للقبائل والشعوب التي كانت تقطن في البدء شبه الجزيرة العربية، ثم يمتد وجودها من خلال الفتوحات الإسلامية عبر مساحات شاسعة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى أرض الأندلس في إسبانيا، كيف أتيح لها التفاعل والتمازج الحضاري والثقافي الإسلامي، وترسيخ هيمنة اللغة العربية كلغة ذلك الكيان السياسي وشعوبه.
عبر الستة القرون الهجرية الأولى، تم تكوين شخصية الأمة العربية، أرضاً وشعباً، وثقافة ولغة، ومسؤولية حمل رسالة إلى الإنسانية كلها. ولم ينقطع ذلك الزخم المتعاظم إلا عندما دخل العرب تحت الحكم العثماني المستبد، الذي همشهم سياساً وعسكرياً واقتصادياً، ولكن الثقافة العربية الإسلامية ظلت موجودة وفاعلة في طول وعرض تلك الخلافة الإمبراطورية.
ومع محاولة تتريك لغة وثقافة الخلافة العثمانية، وصعود القومية الطورانية مع بداية منتصف القرن التاسع عشر، عاد الوعي العربي بذات أمته وحقها في الوجود الحضاري المستقل. فخرج كل العرب من تحت مظلة الخلافة العثمانية المنغلقة على الذات الطورانية، ليقعوا في فخ الوعود الاستعمارية الأوروبية، التي منعت رجوعهم إلى وحدتهم، بل جرى تجزئتهم بواسطة مؤامرة سايكس بيكو الشهيرة. وكان من المنطقي، واستجابة لمتطلبات تاريخ وحدوي مشترك، أن يعود زخم الأمة الواحدة، الذي بنيت كل مكوناته عبر العديد من القرون، إلى الواجهة، بعد حصول كل الأقطار العربية على استقلالها من نير الاستعمار الغربي، لكن حدث العكس، لقد نجح الاستعمار الغربي في زرع الكيان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ليفصل مغرب الوطن العربي عن مشرقه. ومع مرور الوقت تكونت في أقطار الوطن العربي المستقلة طبقة من أصحاب المصالح والامتيازات المحلية، التي ترى في أي توحيد لهذه الأمة خطراً على مصالحها وامتيازاتها. ونجحت تلك الطبقة في خلق جماعات نفعية زبونية استزلامية، تناصر كل عداء لتوحيد هذه الأمة، وتساهم في نشر كل أنواع الكذب والأباطيل والتخيلات التي تدعي أن الوحدة القومية لهذه الأمة ستأتي بها. ويغمض هؤلاء عيونهم وعقولهم وضمائرهم عن رؤية الفوائد الاقتصادية والأمنية والسياسية والعلمية ـ التكنولوجية التي سيأتي بها أي نوع من توحيد هذه الأمة وهذا الوطن، بل ولا يرف لهم جفن وهم يرون كيف أن تجزئة هذه الأمة، قاد إلى ضعفها وهوانها واستباحتها من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية، وإلى تخلفها المأساوي في بناء وتنمية اقتصادية وإنسانية شاملة.
كل الأمم، بما فيها الأمة العربية، ليست حدثاً عابراً في التاريخ، وإنما هي بناء وصيرورة تاريخية وجغرافية وحضارية
ما كان لذلك الوعي بوجود أمة، المبني على التاريخ المشترك الطويل، واللغة العربية الواحدة، والثقافة العربية الإسلامية المشتركة، إلا أن يقود إلى مفهومين آخرين متلازمين، هما مفهوم القومية كنهج حياتي لهذه الأمة في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ومفهوم الدولة الأمة، كضرورة وجود وطن واحد يجمع كل مكوناتها. وهذا ما حصل منذ أكثر من قرن ونصف القرن، في شكل تمظهرات عديدة لفكر قومي عربي حملته حركات وأحزاب ناضلت من أجل جعل ذلك الفكر موجوداً في واقع الأمة، ومتفاعلاً معه بحيوية ومرونة، يصعد أحياناً ويتراجع أحياناً أخر، ولكنه لا يموت ولا يتلاشى إلا بموت الأمة فقط. ولذلك فالقول بموت الفكر القومي هو تخريف يتعارض مع البنية الاجتماعية الحضارية، روابطها الاقتصادية والسياسية والجغرافية والمصالح المشتركة، التي بنتها الأجيال المتعاقبة عبر القرون.
فكل الأمم، بما فيها الأمة العربية، ليست حدثاً عابراً في التاريخ، وإنما هي بناء وصيرورة تاريخية وجغرافية وحضارية. وعندما تواجه تلك البنية والصيرورة المشاكل المؤقتة والمؤامرات الخارجية، كما هو حال الأمة العربية الآن، ويتمكن اليأس من بعض النفوس، ويتعب بعض المناضلين ويفضلون الجلوس في منتصف الطريق، عند ذاك تظهر الحاجة لأهل الإرادة والعزيمة والطموحات الكبرى، ليحملوا تبعات ومسؤوليات النضال ضد المتآمرين والمشككين والمذعورين من الخارج والداخل، وليلتزموا بشرف إخراج الأمة من السقم والتخلف إلى حالة النهوض الحضاري المتألق. هؤلاء هم شابات وشباب هذه الأمة، وسيثبت المستقبل صحة ما نقول.
كاتب بحريني
كانت ولازالت الأمة هي الأمة الإسلامية وكانت في ظلها أقوام متعددة منها القومية العربية. مصطلح الإمة العربية بدعة عفلقية الهدف منها شرخ الأمة الإسلامية ليس إلا.
دول إقليمية تشن حروباً بالوكالة بأوطان العرب فتنشيء فوضى وملايين اللاجئين لتحويلهم لمرتزقة لاغتصاب ثروات العرب وتغيير ديموغرافي ولتفاوض دول عظمى لاقتسام أوطان العرب، فعلى العرب المنافسة وشن حروب بالوكالة بعقر دار أعدائهم، فالعرب أقدر منهم مالياً وبشرياً على تحويل دول أعداء العرب لكانتونات عرقية موالية للعرب بل ومفاوضة دول عظمى لاستعادة أراض عربية أهداها الإستعمار لأعدائهم بغفلة من الزمن، خاصةً أن دول أعداء العرب تحوي تعدد قوميات وشعوب محتلة مضطهدة بغرب إثيوبيا وجنوب وشرق تركيا وغرب وجنوب إيران.