من الذي يثق بكيري؟!

أجد أنه من الضروري طرح هذا التساؤل الإستنكاري، حتى لا يتم القفز عن الإنحياز التام، ليس من قبل كيري كوزير خارجية لأمريكا شخصيا، ولكن للإدارة الأمريكية الحالية التي هو أحد أركانها، إدارة أوباما التي تفاخر بأنها أكثر إدارة قدمت( لإسرائيل)، والتي مع ذلك لا تحظى بالتقدير من حكومة نتنياهو!
كيري يزور ( المنطقة) للمرة العاشرة، وكأنه لم يعد له دور كوزير خارجية لأمريكا سوى العمل على إنهاء الصراع في الشرق الوسط، أي تصفية القضية الفلسطينية، بحيث لا تبقى هذه القضية برميل بارود قابلاً للتفجر، وموضوعا يتسلح به أي طرف عربي، صادقا، أو مشاغبا، أو مناورا، لمشاكسة أمريكا، وتهديد الأنظمة التابعة لها، وإشغال الكيان الصهيوني في حروب لا تنتهي، وهي حروب لم تعد قادرة على الإنتصار في خوضها بيسر وسهولة، وهو ما برهنت عليه حرب تموز 2006 مع حزب الله الذي قلم أظافرها، وكشف عجزها، ودشن أفول حقبة انتصاراتها السهلة على ( جيوش) العرب، في حروب سريعة غير مكلفة.
زيارات كيري المتلاحقة، وإلحاحه على الوصول إلى ( حل) يضع حدا للصراع، يجب أن يؤخذ بجدية، لأن إنهاء القضية الفلسطينية سيمنح إدارة أوباما انتصارا يعيد ترسيخ هيمنتها في منطقة ( الشرق الوسط)، وتحديدا في بلاد العرب، وسيؤمن أمن الكيان الصهيوني إلى وقت يمكن أن يطول إذا ما استمرت أحوال العرب الراهنة المتآكلة، وسيريح الأنظمة العربية الرجعية التابعة أمريكيا من وجع رأس تسببه قضية فلسطين، وإشهارها في وجهها، واتهامها الدائم بأنها تتآمر عليها، وأنها أكثر من مقصرة!
عندما نتساءل، ونحن نعرف من هو كيري، وما هي سياسة أمريكا تجاه قضية فلسطين، وإلى أي مدى يذهب انحيازها مع الكيان الصهيوني: من الذي يثق بكيري، فلأننا نريد أن نشهر السؤال في وجه المفاوض الفلسطيني تحديدا، لتذكيره إن هو نسي، بأن كيري منحاز، وأنه وسيط غير نزيه، وأنه لا يريد خيرا لشعب فلسطين، ولا يعمل فعلاً لإنجاز حل عادل منصف للشعب الفلسطيني، يعطيه دولة فلسطينية بعاصمة هي القدس (الشرقية)، وحدودا سيادية تحديدا مع الأردن، وعلى ضفة نهر الأردن الغربية، وبتواصل بين غزة والضفة، وببقاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين دون مساس بجوهره..والإفراج عن ألوف الأسرى الفلسطينيين (الرهائن) في سجون الإحتلال!
في (أوسلو) وضع المفاوض الفلسطيني سقفا لمطالبه: دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران، ووعد بتحقيق الدولة في حدود 5 سنوات، ثمّ ها هي قد مضت 20 سنة، وها هي أرض الضفة تحديدا قد ضاع أغلبها في الإستيطان، وها هي القدس ( الشرقية) قد هودت إلاّ قليلا، وابتلعت أحياءها العريقة، ولم يبق تقريبا سوى المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، و(شوية) بيوت يجري هدم بعضها يوميا، ويحاصر أصحاب ما بقي منها في كل جوانب حياتهم،.فأين هي العاصمة الموعودة؟ أم تراه كيري سيمنح السلطة (سلوان) لتكون القدس الخاصة بالفلسطينيين، مع جزء مما سيتبقى من الأقصى للصلاة؟!
أثناء تواجد كيري في زيارته العاشرة قفز بعض وزراء حكومة نتيناهو إلى الأغوار ودشنوا بإشراف وزير داخليته، ونائب وزير خارجيته، مستوطنة جديدة في عمق الأغوار، وانقضت الجرافات على تلة أبي رميلة في قلب الخليل لتؤسس لمستوطنة جديدة..ولم يرفع كيري صوته بكلمة نقد، رغم أن وزير داخلة نتيناهو صرح: هذه هي رسالتنا التي نستقبل بها كيري!
منذ أوسلو ونحن نشاهد بعجز استيطانا يتمدد، يرد عليه بانتقادات عاجزة من قبل السلطة، وكلام بائخ يتكرر: هذا يضر بعملية السلام!..هذا يعقد مسيرة السلام!..ثم لا شيئ سوى عجز مطلق بينما الأرض تضيع!
إصرار أمريكي على ( التخلص) من القضية الفلسطينية، بالضبط في هذه الظروف الفلسطينية والعربية المناسبة جدا..لماذا الآن؟!
فلسطينيا: الإنقسام ترسخ، وكل التصريحات الودودة، والأخوية، التي تبدي حرصا على إنهاء الإنقسام، ما عادت تقنع الشعب الفلسطيني المنكوب بهكذا قيادات ضيقة الأفق، غير مدركة إلى ما تخسره القضية الفلسطينية يوميا، وما يعانيه الشعب الفلسطيني.
عربيا: تمزق في بلاد العرب، فالثورات، والحراكات أحبطت، وحرفت، ورُكب عليها، وأخذت إلى وجهات غير وجهتها المرتجاة.
هناك من اختار له هدفا مصيريا هو محاربة إيران عبر سوريا ولبنان، وتفجير صراع سني شيعي، وهو يُدخل (المنطقة) في أتون جحيم مدمر…
في هذه الظروف المناسبة للإدارة الأمريكية للإستفراد بالفلسطينيين، والمفاوض الفلسطيني تحديدا، والمناسبة جدا للكيان الصهيوني، ولبعض العرب المتساوقين مع سياسة أمريكا، نسأل: هل يدرك المفاوض الفلسطيني أن هذه أسوا لحظة للتفاوض، خاصة وهو في أدنى حالات الضعف؟!
العامل الذاتي يبقى دائما هو الأساس، والعامل الذاتي الفلسطيني في أسوا حالاته، وهذا ما يعرفه شعبنا جيدا، بل ويدفع ثمنه غاليا في كل أماكن تواجده: في الضفة الممزقة، وغزة المحاصرة، ومخيمات الشتات المنكوبة، ولا سيما في سوريا ولبنان.
تنقلات كيري من عمان إلى السعودية هدفها تكثيف الضغط على المفاوض الفلسطيني، والتصريحات التي تدعو لدولة فلسطينية قابلة للحياة لا تطمئن، لأن الدولة الفلسطينية لا تعيش بدون السيطرة على ضفة نهر الأردن الغربية، التي هي أبعد من أن تكون مجرد حدود لفلسطين مع الأردن، لأنها ستكون بوابة واسعة لفلسطين والفلسطينيين للتواصل مع أمتهم العربية عبر نهر الأردن، ومن هنا فتصريحات قادة الإحتلال بأن الأردن طلب عدم السماح للفلسطينيين بالوقوف على حدود نهر الأردن الغربية تثير القلق، وتؤدي إلى تعزيز الشكوك بالحل المرغوب، والذي يعمل كيري على تثبيته!
هل يراهن المفاوض الفلسطيني على أن حكومة نتينياهو هي التي ستفشل مساعي كيري؟
المفاوض الفلسطيني أدخل نفسه في ورطة بقبوله الإشراف الأمريكي المنفرد على المفاوضات، وإدارة الظهر للأمم المتحدة، والإتحاد الروسي، والإتحاد الأوربي…
أي اتفاق راهن بإشراف كيري سيؤدي إلى خسارة فادحة للقضية الفلسطينية، وسيأخذ شعبنا إلى مزيد من التمزق والضياع.
للخروج من ورطة الإشراف الأمريكي فإنني أرى مع كثيرين من أبناء شعبنا: العودة لتحقيق وحدتنا الوطنية، والعودة بقضيتنا إلى الأمم المتحدة، وكدولة..ولو غير كاملة العضوية : فإن الحق بالمطالبة بدولة كاملة العضوية، والذهاب لمؤسسات الأمم المتحدة لمقاضاة ( إسرائيل)على جرائمها، واستيطانها، وعلى جدار النهب، وعلى اعتداءاتها، هو سلاح مجد إن ترافق باستنهاض طاقات شعبنا، والعودة إلى ميادين مدننا، وبلداتنا، ومخيماتنا، واستنهاض قدرات شعبنا في الشتات والمنافي البعيدة، وزجها في هذه المعركة الشاملة..كل هذا سيؤدي إلى خروجنا من حالة الضعف التي أنهكتنا، وسيعود بالخسارات الفادحة على الكيان الصهيوني، فأخشى ما تخشاه الإدارة الأمريكية، والكيان الصهيوني، أن تعود فلسطين قضية جماهيرية عربية، وأن تعود إلى ردهات الأمم المتحدة، وإلى العالم الذي ضاق ذرعا بممارسات الكيان الصهيوني وبالدعم المطلق الأمريكي المنحاز له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول متابع ..غزة:

    وهل سيقتنع المفا وضين والمستفيدين بهذه التخوفات هم ربطوا مصالحهم بالاحتلال وهناك تقاطعات مالية بينهم ويكفينا مثالا من …ورد الاسمنت المصري لبناء الجدار ومن رفض تقديم تقرير غولدستون وكاننا شعب اخر . هيك قيادة يا اخ رشاد متآمرة اما جهلا او وعيا على حقوق وثوابت شعبنا .وعلى رأي علي الحجار ….انتو شعب واحنا شعب

  2. يقول عاطف - فلسطين:

    اوافقك الراي بان اي اتفاق في هذه الظروف هو كارثي . احشى ان نم يجري في سوريا ضد الفلسطينيين هو جزء من عملية التركيع. اخشى ان يكون المفاوض الفلسطيني يشعر بالعجله من امره . يجب العودة اقل ما يمكن لقرارات الامم الكتحده او حل الدولة الواحدة.

  3. يقول أحمد المصري- أمريكا:

    الحمار فقط يمكن أن يثق بكيري و أمريكا و الإحتلال الصهيوني و الغرب و الشرق و حتى العرب، عندما يخص الموضوع العرب. كل ما ذكر لا يتجرؤون الكذب عندما يتعلق الموضوع بغير العرب و المسلمين.

  4. يقول أحمد // فلسطين:

    قفزنا الى كيري الان!!

    ماذا عن أبناء شعبك الذين يموتون جوعا في مخيم اليرموك بسبب حصارهم من قبل النظام الذي تستميت حضرتك بالدفاع عنه

    لربما يشترك أطفال اليرموك أيضا بالمؤامرة الكونية ضد النظام .. وحق عليهم الموت ( خدمة للقضية)

    يا أخي ارحمونا .. اتركو تلك الصابونة (فلسطين)

  5. يقول بحر- الإمارات:

    أحمد// فلسطين
    كلامك في الصميم
    أسال الله ان يرحم أخواننا في مخيم اليرموك و أن يفك أسرهم

  6. يقول حامد *hamed*:

    یثق به من هو علی شاکلة و القتلة و المجرمون و الفسقة و المنافقون و کل افاکَ
    اثیم .

  7. يقول رامي الاردن:

    العوده للامم المتحده ماهو الخلاف بين مشروع كيري ومؤسسات الامم المتحده هل نحن نحلم ب (رامبو) من الخيال قرار التقسيم 1947 ساعد على قيام اسرائيل نظريا ولكن القوه هي الاساس الم يقف ستالين والكومنترن مع قرار التقسيم وماذا كانت النتيجه ؟ اخي رشاد لازلنا نعيش الحلقه المفرغه لا الدوله الغير عضو ولا الكامله العضويه ستعيد الشعب القلسطيني الى أرضه النضال والتضحيات وتغيير موازين القوى هي ما تحتاجه الشعوب العربيه وخاصه الشعب الفلسطيني ولكن مايحز بالنفس ان المنظريين والذين اكتوو بنيران الظلم والاستبداد هم من يدافعون عن القاتل وتحلافاته من دمر العراق واستباح سوريا ووقف في نفس الوقت مع الحلفاء في حفر الباطن واستطاع خداع الجماهير بالممانعه وجمع بين روسيا وايران وامريكا وحمى حدود الكيان الصهيوني نجد من يدافع عنه نحن من ادخلنا الدب الى المرعى والان نتباكى على فلسطين واهلها الحل تعرفع شعوبنا وجب دفع الثمن للاوطان التي نستحقها وشكرا .

إشترك في قائمتنا البريدية